الكتاب

"زعطوط" و الأمراض النفسية...

أسامة خيي السبت 01 أغسطس 2015
"زعطوط" و الأمراض النفسية...
ZM

AHDATH.INFO خاص

كنا نجتاز تكوينا في كتابة السيناريو في إطار الجامعة الصيفية لكتابة السيناريو التي نظمتها المدرسة العليا للسمعي البصري – جامعة تولوز لوميراي، بقرية فرنسية صغيرة اسمها " كومبانياك". في الصباح دروس نظرية متوالية في الدراماتورجيا و " الجدادات الحكائية" و الحوار في السينما و تحديد معالم الشخصيات و الحبكة... و في المساء وقت حر لتطوير سيناريوهات و لقاءات فردية من أجل ذلك.

ذات صباح، كان الدرس حول السيناريو من الكتابة إلى الشاشة من خلال تحليل لنموذج فيلمي معين. و كان يلقي الدرس أستاذ الكرسي المتخصص في مسألة الحوار في السينما - و له فيها كتاب قيم-  و السيناريست الفرنسي صاحب سيناريوهات محترمة: جون صاميون. و خلال الدرس قاده حديثه إلى الكلام عن السينما الفرنسية و ما ينتجه مبدعوها شيبا و شبابا، و هو عضو لجنة قراءة السيناريوهات حينها، فقال في معرض حديثه: " كثير من الأفلام لا يجب أن ينتجها المركز الوطني للسينما و لكن الضمان الإجتماعي". معتبرا أن الكثير من الأفلام لا تقدم أذنى إضافة للسينما و أنها فقط جاءت لتعبر عن الإهتزازات النفسية لأصحابها. فعلا كثير هم المخرجون و كتاب السناريو – تماما كالشعراء و الروائيين و المسرحيين...- ، الذين يغرقون من فعل الإعلاء و ينطلقون من قصصهم الصغيرة، معتقدين أن كل قصة صغير و انكسارات عابرة يمكنها أن تكون موضوعا يستحق العبور للشاشة و للفضاء العام، للإقتسام مع عموم الجمهور، فيصيرون كمن يحكون همومهم على 35 ملمتر، و يكلفون بذلك الدولة الأموال الطائلة بدل اختصار المسافة و الذهاب مباشرة لسرير الطبيب النفسي. و ربما هو ما وعى به بشكل من الأشكال المسؤولون عندنا في المغرب عن الشأن السينمائي، فتمت المناداة على طبيبة نفسية لترأس لجنة دعم الأعمال السينمائية في إحدى دوراتها السابقة، و هي كما لا يخفى عليكم الروائية الأنيقة و الطبيبة الشهيرة غيثة الخياط. هذا ما وعت به كذلك الإعلامية نادية لارغيت فكتبت في سيناريو فيلمها القصير" الشاشة السوداء" ، فكرة مهمة وهي استقبال جل السينمائيين المغاربة في عيادة طب نفسي، ليحكي كل واحد من وجهة نطره و زاوية اشتغاله " آش ضارو...". و قبلها حين "اقترفت" و ثائقيا مدته 53 دقيقة عن السينما المغربية بعد 50 سنة من الإنتاج و استقبلت العديد من الوجوه السينمائية، وجدت أنه ماعدا اسمين ينتميان إلى عوالم الصحافة و الأدب و التسيير الإداري و النضال الثقافي، كل المخرجين، تقريبا بدون استثناء، يتحدثون عن المال...المال...المال، بدل محفزاتهم و طموحاتهم الإبداعية. و هذه قصة تعرفونها!وهي ما حولت الفيلم إلى " وثائقي كوميدي" في بعض المشاهد.

حين قدمت سيناريو مشروع فيلم طويل للجنة عبد الكريم برشيد السابقة التي " قلز" بعض أعضائها من تحت الجلابة لنبيل عيوش، مفشين ما كانوا يتسترون عنه قبل ذلك من مداولات سرية، زاعمين أن سيناريو فيلمه الممنوع " الزين اللي فيك" كتبت مشاهده بكثير من الإبداع عكس الفيلم الذي جاء فضا، مخلا بالحياء! ( هل شاهدوا الفيلم هذا هو السؤال؟). حيث ذهبت عضوة سابقة في اللجنة السابقة معروفة بقصائدها الحماسية عن حركة العشرين فبراير، بمقالاتها المنشورة على صفحات الجرائد، إلى أن اللجنة المحترمة لم تمارس رقابة قبلية على فيلم عيوش و إنما وجدت السيناريو غير قوي و غير متماسك. و ها هو التناقض باد بين حديث عن ابداع في الكتابة و شاعرية لم تبلور في التصوير- حسب التحليل الأول- إلى تبرأ من " دم عيوش". من جهته غرق رئيس اللجنة السابقة السيد برشيد في سرد معجمعه الفصيح فلاك حد القرف كلمة قبيج في مقابل جميل و فن في مقابل " خارج الفن" و تملص من التفكير في حرية التعبير. أليس الإبداع لإنسان حر في وطن حر من أجل مجتمع حر... و كل كلام الزمن الإحتفالي القديم!!!

حين قدمت سيناريو مشروع فيلم طويل رفضته اللجنة السابقة، توصلت منها برسالة أمضاها رئيسها المسرحي الجهبد و المنظر الفريد، هي عبارة عن رسالة تعليل لقرار الرفض لا تمث للدراماتورجيا بصلة و ليس فيها تناسق الرسالة الإدارية، مما يجعلها ك" الزواق" تطير في كل الإتجاهات و ليست قابلة لتفيد المبدع ليطور سيناريوه و لا المواطن ليطعن في هكذا قرارات تستند على الأهواء و ليس فيها تعليل.

مما جعلني أربط اتصالا هاتفيا بالسيد الرئيس، أبلغه فيه أولا استيائي من الطريقة المستفزة التي تعامل بها معي نجم تيليفزيوني ما قاده للسينما و تجسيد دور فيها هو توفره على رخصة سياقة الشاحنة. و هي ذات الشاحنة التي غدا يستعملها لسنوات بعد ذلك داخل لجنة الدعم لتكسير أحلام المبدعين و الخروج عن سياق نقاش سيناريوهاتهم إلى استفزاز شخصهم. حين بلغت تذمري للرئيس دون أن أحرجه في نقاش النتائج قال لي: " ابداعك سينال ما يستحق من تشجيع مع الوقت... لكن حافظ على سلامتك النفسية."

و تذكرت حينها بتدمر كبير سينمائي عاش مغمورا و مات مغمورا هو مخرج فيلم " الناعورة" الذي باع في ذلك الزمن السبعيني أرض والدته ليتم فيلمه و تنازل عن اخراجه و تقبل أن يوقعه إلى جانبه مدير تصويره. و يروى أنه عاش اضطرابات نفسية كبيرة قبل أن يموت و في قلبه غصة السينما المغربية.

"فلوس السينما داهم زعطوط". و زعطوط هذا قرد يوجد في غابات الوطن (و هي نعمة كما تعلمون) و لأنه من هواة اللبن الكبار، صار محترفا في الترامي على أموال الدعم، بحق أو بغير حق. دون أن يحافظ على السلامة النفسية للمتفرجين مما يتم انتاجه من كوارث فيلمية قد تصل بمتفرجها ، إلى الرغبة الجامحة في الإنتحار. و كما تقول العامة و أهل لعيوط "سطات تسطي و برشيد يداوي".

 

أيوب العياسي