الكتاب

الفيل يا ملك الزمان...

أسامة خيي السبت 26 سبتمبر 2015
الفيل يا ملك الزمان...
Etudiants Medecins 8

AHDATH.INFO خاص

المستشفيات تفتقد للتجهيزات الأساسية للتطبيب. هذا هو الخبر الذي طلع علينا به طلبة الطب المنظمين لمسيرة احتجاجية ضد قرارات السيد وزير الصحة المتعلقة بتنظيم الخدمة الصحية الإجبارية لمدة سنتين بعد التخرج. و التي ستتوخى توزيع المتخرجين على كافة أنحاء التراب الوطني.

فبعد أن كانت الإشاعات تتداول أن المتخرجين سيتلقون اجرا هزيلا على الخدمة الاجبارية و دون تعويضات على نقلهم لمناطق بعيدة، فند الوزير هذه المزاعم موضحا أن المتخرجين سيتلقون رواتبهم كأطباء في تخصصاتهم ناهيك عن التعويضات. و هنا صارت الإحتجاجات على مستوى المستشفيات و المستوصفات التي سيتم نقلهم لها.  و التي يعلم عامة الناس أنها في وضع متردي، تحتاج حتما للتجهيزات لكن أساس معداتها يبقى الأيادي الرحيمة للأطباء، الذين يفضلون وضع وزراتهم البيضاء ولبس وزرات القطاع الخاص ذات المردودية الأوفر.

لذلك حين يتحجج أطباء الغد بأنهم غير مستعدين للتنقل لمناطق نائية المعدات الوحيدة التي تتوفر عليها مستوصفاتها مكتب للطبيب به اوراق بيضاء وقلم، نجد المنطق الذي بنيت عليه معطياتهم غير سليم بتاتا. كنا سنكون أكثر تفهما لمطالب طلبة الطب لو انحصرت فيما يتعلق بمعادلة ديبلوماتهم و عدد السنوات التي يقضونها في التحصيل التي تبدو لهم أنها ستزداد طولا، حيث يطالبون بالإدماج المباشر لهم بعد التخرج في وزارة الصحة و لا ضرر إذاك في توزيعهم على مختلف أنحاء المملكة.

غير أن الطريقة التي يرفضون بها الخدمة الصحية الإجبارية، و يتحججون فيها بتردي الخدمات الصحية و هو - على العكس - السبب الأكثر إقناعا للحاجة الماسة لهذه الأفواج من المتخرجين، تجعلنا نتذكر حكاية مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" للكاتب سعد الله ونوس. فحين يذهب أفراد القرية -في المسرحية- أمام الملك وراء "زعيمهم" زكرياء راغبين في تبليغ الملك بإنزعاجهم و تذمرهم من الفيل ، أخدوا يرددون أمامه: "الفيل يا ملك الزمان... الفيل يا ملك الزمان..." دون ان تكون لهم قدرة على الإتمام و حين سألهم الملك عن ما بالفيل قالوا له: تلزمه فيلة.

فيل مستشفياتنا المتدهورة تلزمه فيلة إسمها رفض الأطباء لممارسة مهنتهم النبيلة.  و من جهة أخرى،  إذا كانت الدولة استثمرت في تكوين هؤلاء الطلبة لسنوات و يرفضون أن يمنحوها سنتين من الخدمة الإجبارية ستساعد على إشفاء إخوانهم من المواطنين، هل من مشروعية لمطالبهم؟ صحيح تردي قيمة المنحة التي تمنح لهم و التي لم يطرأ عليها أي تغيير منذ السبعينات و لو أن تكلفة المعيشة تضاعفت بعشرات المرات، و هو شأن باقي المنح الجامعية، يجعل من المنطقي أن يتدمروا و يطلبوا تحسين مستوى تدريسهم. غير أن المزايدات لا يجب ان تكون سيدة الموقف. فالتلويح بسنة بيضاء، يخفي عدم رغبة هذه "القشدة" من الطلبة المتفوقين في الذهاب الى مناطق المغرب العميق حيث لا مشفى و لا طبيب. أي اننا أمام جيل جديد من "مستثمري" القطاع الخاص الذين يستغلون ساعات تواجدهم بالمستشفيات العمومية لعقد مواعيد لعياداتهم و مصحاتهم الخاصة. هو نوع من الخيانة لقسم إبوقراط،لا يجبها أن تكرر مع الأجيال القادمة.

و الخطير هي أن تصير إحتجاجات طلبة الطب معطى يقدم كدليل على وجوب أن ترفع الدولة يدها على قطاع الصحة، كما على قطاع التعليم. و هي فلسفة غير سليمة أمام عوز فئات عريضة من المواطنين. ويبقى الحق في الصحة و الخدمات الصحية، حقا أساسيا يجب ان توفره الدولة. و فيما يخص تصعيد طلبة الطب و تلويحهم بسنة بيضاء، فإنه يتعين على السيد وزير الصحة، و إن لم يكن يرغب في الرضوخ لمزايدات تبدو مجانية، أن يجلس معهم مجددا على طاولة الحوار. كما أنه لا يمكن للطلبة ان يلغوا جلسات الحوار مطالبين بحضور الوزير شخصيا، بدلا عن ممثل لوزازته. أليس التعامل هنا مؤسساتي و الغاية منه إيجاد حل للمشاكل المطروحة و الدفاع عن ملف مطلبي.

يجب الذهاب إلى جوهر الأمو بدل الدوران حول قصة الفيل.

 

أيوب العياسي