ثقافة وفن

«الزاوية الشرقاوية».. ذاكرة أبي الجعد في التصوف ومقاومة الاحتلال

أسامة خيي الجمعة 23 أكتوبر 2015
«الزاوية الشرقاوية».. ذاكرة أبي الجعد في التصوف ومقاومة الاحتلال
2447_155012_1183152718

AHDATH.INFO - قصبة تادلة - خاص

 

تقع مدينة أبي الجعد بإقليم خريبكة في اتجاه مدينة قصبة تادلة على ارتفاع يقدر بحوالي 6 كلم، وتبعد عن مدينة الدار البيضاء بس 175 كلم، و20 كلم من وادي زم، و25 كلم من مدينة قصبة تادلة، و54 كلم من مدينة خريبكة، حيث يرجع تأسيسها إلى أوائل القرن 11 الهجري. ويقدر عدد سكانها بحوالي 80488 نسمة، حسب إحصائيات سنة 1994، في حين عرفت مدينة أبي الجعد تطورا سكانيا نظرا لمجموعة من العوامل.

******************************************************************

في حكم الموحدين وخاصة سنة 1212 م / 609 هجرية، أثر انهزام الدولة الموحدية أمام الممالك الإسبانية المسيحية  «قشتالة واراغون»، حيث بدأ نجم هذه الدولة في التدهور والتمزق بسبب المنازعات السياسية بين خلفاء محمد الناصري إثر وفاته سنة 610 هجرية / 1213 م، واستبداد أشياخ الموحدين بمقاليد السلطة لضعف ملوكهم إلى غاية سقوط الدولة الموحدية سنة 1269 م / 668 هجرية، كما يؤكد ذلك ابن أبي زرع الفاسي في كتاب "الأنيس المطرب". وفي هذه الفترة أخذت الحركات الصوفية تنمو في المغرب، وهي عبارة عن نوع من تعميم وتعميق الإيمان الديني في غضون القرنين 13 م و 14 م. وقد تقوت الحركة الصوفية بسبب ضعف السلطة المركزية. وهذه الحركة باتت منذ ذلك الحين طليقة في أن تشكل لنفسها إطارات مستقلة. فالتنظيم الشكلي وأصله شرقي كان قديما ومعروفا جدا، حيث كانت تلتقي جماعة من طلبة ومريدين حول شيخ ويشرعون في عملية تلقين تدوم سنوات إلى اللحظة التي يحكم فيها على عدة مريدين باتفاق جماعي على أنهم قادرون على نشر التعليم، الذي تلقوه فيرخص لهم بتأسيس مراكز تلقين أخرى "زوايا"، ويؤمن على هذا الشكل الوحدة والاستمرار. وهذا النوع من التنظيم سيلعب دورا أساسيا في المغرب، وسيكون له مجموعة من الوظائف منها الدينية والاجتماعية والاقتصادية.

ظروف نمو الحركة الصوفية

أصبحت الزوايا في المناطق التي كانت تهيمن عليها السلطة المركزية مراكز تجمع شعبي، وبسرعة فائقة اعتاد السكان مكافأة هذا الاعتناء بتعليم الأبناء بهبات وهدايا "زيارات". وهذا التلقين والشعبية المكتسبة جعلت الحركات الصفية تحظى بأهمية بارزة في المجتمع المغربي، وخاصة عندما تعرضت بعض أجزاء المغرب للغزو الأيبيري، فأصبحت الزوايا مراكز حربية للدفاع أي "رباط". ومن هنا اسم حركة المرابطين والتي كثيرا ما يطلق على هذا النوع من التعبئة الشعبية خارج إطارات الدولة، حيث لم تكن هذه الحركة موجهة في البداية ضد السلطة، كما يقول الأستاذ عبد الله العروي، لم تظهر الزاوية في تاريخ المسلمين كمركز ديني وعلمي إلا بعد الرباط والرابطة.

إذن هذه الحركات الصوفية ظهرت نتيجة للتدهور الذي عرفه المغرب من جراء تزعزع كيان السلطة المركزية أواخر العهد المريني والوطاسي، ذلك أن المغرب في هذه الفترة، وهي فترة العصر الحديث، عرف تغييرات بدأت باحتلال الشواطئ على امتداد البحر المتوسط والمحيط الأطلسي من طرف البرتغاليين والإسبان، والغزو التركي العثماني من الشرق، كل ذلك جعل الحركة الصوفية تنمو وتزدهر، خاصة إذا كان زعيمها ذو قدرة لمواجهة العدو. وإزاء هذا الوضع بادر المغاربة لمواجهة المد الأجنبي وانتظموا في شكل رباطات، كان معظمها يضطلع بالجهاد على المستوى الرسمي أو الشعبي، بينما ظهرت حركات للدعوة إلى تصحيح الإسلام وتثبيت العقيدة إصلاحا للأخلاق وإعدادا للجهاد.

 

ضريح سيدي بوعبيد الشرقي

في هذا الإطار برز شيوخ الدعوة والإرشاد من أمثال الشيخ محمد بن عبد الرحمان ابن أبي بكر سليمان الجزولي شيخ الطائفة الجزولية، وكان يقيم برباط أسفي وتوفي سنة 870 هجرية / 1466م. وقد نقله السعديون بعد ذلك إلى ضريحه الحالي بمراكش، كما يؤكد ذلك الأستاذ محمد حجي، والذي ساعدت تعاليمه على تنسيق حملة ضاربة ضد الذين كانوا يقاومون تجاريا وسياسيا مع البرتغاليين في سهول الأطلس، وأن الجزولي كان هو الأستاذ الروحي لجميع الزوايا اللاحقة. هذا الشيخ ذو الأفكار الشاذلية سيلعب أحد تلامذته وهو محمد بن مبارك في سوس دورا كبيرا في مساعدة محمد السعدي، الذي لقب بالقائم بأمر الله مؤسس الدولة السعدية الشريفة، والتي ستستطيع طرد البرتغاليين وتحرير وتكوين إمبراطورية شاسعة الأطراف إلى حدود السنغال في عهد سلطانها أحمد المنصور السعدي، إذن فمن هذه الزاوية الجز ولية الشاذلية سيبرز أحد تلامذتها الأفذاذ، وهو أبو عبيد الله محمد الشرقي.

الدور الاجتماعي والديني للزاوية الشرقاوية

قامت الزاوية الشرقاوية بمساهمات اجتماعية، شأنها في ذلك شأن باقي الزوايا المغربية، لكن هذه المساهمات اختلفت من زاوية لأخرى حسب النفوذ، وكذلك حسب الموارد الاقتصادية التي تتوصل بها كل زاوية، إضافة إلى علاقتها بالمخزن، حيث أن الأدوار التي قامت بها الزاوية ترتبط فيما بينها بشكل لا يقبل التمييز، وبالتالي شكلت الثابت الذي عمدت على ترسيخه طيلة عهودها، وتتجلى هذه المساهمات في إطعام الطعام. وقد اهتم شيوخ الزاوية بهذا النشاط الاجتماعي، وذلك راجع لاستقبالهم عناصر مختلفة. ومن بين الشيوخ الذين اشتهروا بإطعام الناس أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن الشيخ محمد الشرقي، حيث كان آية في إطعام الطعام كما جاء في المرقى ص 335.

 

الزاوية-الشرقاوية

وهناك قولة مشهورة قالها شيخ الزاوية محمد الشرقي في حق ابنه عبد السلام، «لقد أعطيت لسيدي الغزواني الشاقور ولسيدي عبد السلام الكسكاس يعني الفخار». كما اشتهر حفيده أبو عباس أحمد المرسي دفين مدينة سلا، حيث يقول صاحب الاستقصا، «وكان كثير الطعام بزاوية جده أبي عبيد الشرقي»، وقد سار على نفس النهج باقي شيوخ الزاوية، وخاصة الخاصة مثل الأشراف والعلماء والقواد وأعيان القوم. كما تدخلت في حل النزاع بين القبائل، ويتجلى ذلك في الدور الذي قام به الشيخ محمد الشرقي عند إرساله أحد أبنائه، وهو محمد الغزواني إلى القيام بالصلح بين قبيلة بني عمير من قبائل تادلة، وبين أحد العمال آنذاك في المنطقة. هذا التدخل في الشؤون العائلية والقبلية جعل المخزن من جهته يمنح المسؤولية للشيوخ للقيام بهذه المأمورية لتسهيل مهمته. ويتضح ذلك من خلال بعض الرسائل الملكية التي كان يرسلها الملوك العلويون إلى شيخ الزاوية آنذاك، وهو سيدي بن داوود بن العربي المتوفى سنة 1889. ومن بين هذه الرسائل رسالة أحد السلاطين العلويين إلى الشيخ بن داوود ومضمونها يتجلى في كون أن أيت الربع قد عمدوا إلى نشر الفوضى والتمرد وخلق نوع من التوتر بينهم وبين جيرانهم، لذلك طلب السلطان من الشيخ القيام بدور الصلح بين القبيلتين. والرسالة كتبت سنة 1271 هجرية / 1854 م، مما يدل على أن الزاوية كان لها أيضا دورا فعالا في إثبات الأمن والقيام بدور التحكم.

وتقول بعض المراجع أن التصوف يكتسب بالعمل والسلوك والتهذيب النفسي، وأنه يجب أن يأخذ مساره الحقيقي من الكتاب المقدس، لهذا كان شيوخ الزاوية يؤكدون على العناية بالقرآن وحفظه. وتضيف أيضا أن الشيخ العربي كان من شدة حرصه على قراءة القرآن فإنه كان كل يوم تعرض عليه ألواح أولاده، وكانت هذه التعاليم الصوفية تنشر عن طريق الأدوار والأحزاب والأذكار، التي حفظت جميعها في عهد الشيخ المعطي بن الصالح، الذي أنشأ طريقة سميت بـ«الطريقة المعطاوية»، حيث قام بكتابة بعض الأحزاب وأضاف البعض الآخر وجمعها تحت عنوان «ذخيرة المحتاج في الصلاة على صاحب اللواء والتاج». وقد أعطى الشيخ لأصحابه أحزابا على نسق الطريقة الشاذلية، حيث كان أبو الحسن قد أورد بعضها مثل «حزب البر - حزب البحر – الحزب الكبير».

النشاط الاقتصادي للزاوية الشرقاوية

لقد ساهمت طبيعة المنطقة الجغرافية والضعف التكنولوجي في تأزم بعض نشاطات الزاوية الاقتصادية، لذا فقد كان على المسؤولين على شؤونها البحث عن منابع أخرى تضمن صيرورة عملها. وقد نجح صلحاء الزاوية إضافة إلى مساعديهم في كسب ثقة الذين يتوفرون على ثروات هامة، إلى جانب العناصر الأخرى المشكلة لمجتمعنا.

ويقول أحد المهتمين بتاريخ الزاوية أن  صلحاء هذه الأخيرة كانوا أثناء توصلهم بمداخيل الزاوية، البعض منها ينفق على الوافدين عليها لأغراض متعددة سواء كانت تعليمية "طلب العلم"، أو سياسة "قرار اللاجئين إليها أو للمساكين وعابري السبيل»، ويضيف أيضا «كل ما دخل بيده يصرفه في مصاريف البر من صلة رحم وإشباع جائع»، وبهذا استطاعت الزاوية الشرقاوية التوفيق بين ما يرضي أفراد مناطق نفوذها، الذي أصبح يمتد على مساحات بعيدة، حيث كان الشيخ محمد الشرقي تأتيه من كل بلد الطوائف والركبان، وهرول إليه الخلق من جميع  النواحي والبلدان من العرب والبربر وسوس الأقصى وجميع الجهات والعمران. ونتيجة لكل هذا أصبحت الزاوية تتوفر على موارد هامة، وذلك راجع لاتساع مجالها الذي يتوفر على بعض فروعها، وباتساع هذا المجال تكون قد ضمنت حقوقها وأصبحت تشكل بالنسبة للفرد "الوعد للزاوية " أي أن تلك الزيارات شكلت وعدا ودينا على عاتق أتباعها، الذين حرصوا على تنفيذه، وكانت أهم الموارد والعطاءات التي كانت تتوصل بها الزاوية الشرقاوية قد تأتي من الهدايا، والتي كانت تعتبر بمثابة تكريم لشيخ الزاوية، وأيضا من الزيارات الموسمية، التي تقام كل سنة ولحد الآن، والتي تعتبر هي الأخرى أهم متنفس اقتصادي لنشاط الزاوية.

كمال عسو