ثقافة وفن

فقه الكرتون

أسامة خيي الاثنين 23 نوفمبر 2015
فقه الكرتون
tom-and-jerry

AHDATH.INFO خاص

في برنامج ديني تربوي بإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم يُذاع مساء كل جمعة، اعتبر فقيه في الدين أن أسباب انحراف الأطفال واليافعين وزيغهم عن الطريق القويم في بلدنا تعود أساسا إلى التلفزيون، وبالخصوص إلى قناة وطنية قال بأنه لن يذكر اسمها، تُطبّع مع الرذيلة والعنف والجريمة والفساد والخيانة الزوجية عبر استيراد مسلسلات أجنبية، وهو بهذا التلميح كان يقصد بطبيعة الحال القناة الثانية. واعتبر الفقيه في الدين أن سلسلة الرسوم المتحركة التلفزيونية "طوم وجيري" تُفسد تربية الأطفال، وتُخرجهم عن تعاليم الدين، لأنها تُمجد الفأر وتجعله دائما منتصرا، رغم أنه كائن مكروه قذر، وتنتقص من قيمة القط وتجعله دائما منهزما، رغم أنه كائن طاهر ومحاسنه مذكورة في الإسلام.

مثل هذا الخطاب الذي يستقبله المواطنون في إذاعة يُقال بأنها تحتل المرتبة الأولى في نسبة الاستماع من بين كل الإذاعات المغربية، لا يتطلب أي مجهود تحليلي لاستخراج عناصر الخطأ فيه. فقد نتفق مع هذا الفقيه العالم بأمور الدين بأن التلفزيون هو أداة تربوية تؤثر على سلوك النشء، ويُشكل بالنسبة إلى المتلقي الذي لازال في طور التكوين الذهني مرجعا لفهم أمور الحياة، وهو فهم قد يكون خاطئا وبعيدا عن الصواب، لأن ما يُبث في التلفزيون لا يمثل دائما ما هو دقيق وصحيح. لكن منهجية إرسال الخطاب التي اعتمدها هذا الفقيه لتوجيه ملاحظاته للتلفزيون تفتقر إلى الصرامة العلمية التي ينبغي أن تتوفر في خطاب ديني متفتح مُوجه إلى العقل، وكان من اللائق قبل الخوض في موضوع يتعلق بالتلفزيون، أن يتم الانتباه إلى أن هذه الوسيلة الإعلامية الأخيرة تندرج ضمن الأنماط التواصلية، التي تحضر فيها مجموعة من الأدوات الفنية المخصصة لتبليغ الرسائل، المرتبطة بطبيعة المادة الإعلامية. فأداة إيصال الخبر ضمن نشرة إخبارية، تختلف عن أداة تبليغ فكرة تربوية، وتختلف عن أداة خلق لحظة ترفيهية.

وإذا كان الهدف الأسمى الذي ينبغي أن يحققه التلفزيون العمومي هو ممارسة التأثير الإيجابي على المتلقي للارتقاء بمستوى تفكيره وسلوكه وممارساته الاجتماعية، فإن هناك جانبا من الاشتغال التلفزيوني الذي يمكن أن يحقق هذه الغاية النبيلة، بناء على تقنيات فنية، بعيدة عن الخطابات المُباشرة التي يريد بعض الفقهاء أن يسبغوها على التلفزيون.

فقد كان الأحرى أن يفهم هذا الفقيه العالم بأن الفأر والقط في السلسة الكرتونية "طوم وجيري" هما مجرد إيقونتين متحركتين تنطويان على مفهومين في غاية الأهمية يستطيع الأطفال أن يُدركوهما بسهولة، هما مفهوما القوة البدنية، والقوة العقلية. فالطفل يعرف جيدا من خلال علاقته المباشرة مع موجودات الحياة بأن القط كائن لطيف والفأر كائن مكروه، ولا يمكن للسلسلة الكرتونية أن تغير صورته عنهما. لكنه لا يمكن أن يعرف بسهولة بأن القوة الحقيقية تكمن في العقل، وليس في الجسم. وتمثيل هذه الفكرة من خلال نموذجي القط والفأر، هو مجرد تصوير فني، يترك المجال للطفل لكي يستوعب أن النصر يكون إلى جانب الكائن الأكثر ذكاء وليس إلى جانب الكائن الأضخم جسما. أما كونُ الفأر منبوذا والقط محمودا في الحياة الدنيا، فهذا تحصيل حاصل، ولا يمكن أن يعترض عليه أي طفل في العالم.

 

أحمد الدافري