بورتريه

صلاح الوديع: المتصالح مع الذات والتجارب

سعيد نافع الخميس 21 أبريل 2016
صلاح الوديع: المتصالح مع الذات والتجارب
salah

AHDATH.INFO - خاص - بقلم سعيد نافع

أُريد يَداً فَي يَدي

لأطرد هذا الظَّلاَمَ الكَثيفْ

قِفُوا كُلكمْ

لأمسكَ غُصناً أخيراً مِنَ الشَّجَرَهْ

وأجْلُوا

عَنْهَا الخريفْ

وَلا تَتْرُكُونِي إِذَا مَا سقطتُ

لِلَيْلِ الذِّئَابِ المُخيفْ

كَكُلِّ الصبّايا وكلّ الرُّؤوس الَّتِي

تنبت المغفرهْ

أريدُ من الله معجزة، تصدّ عن الرُّوح هذا النزيف

أريدُ قليلاً من الصمت كي أستطيع الصلاة ...

قصيدة ‘‘ أريد يدا في يدي ‘‘ تلخص شخص صلاح الوديع، الأديب والمثقف والسياسي والناشط الاجتماعي. تجتمع فيها كل أبعاد شخصيته المميزة، من التسامح إلى الجرأة، مرورا بالتمرد والعمق والرومانسية والعقل والحكمة . قراءات أخرى في ما أنتجه عقل الوديع، المثقل بكل أنواع التجارب الإنسانية المتشبعة بآثار محطات عديدة منذ يفاعة الشباب الثائر إلى رجاحة الإنسان المكتمل الاختمار في ظرفنا الحالي، تحيل على هذه الأبعاد بدرجات متفاوتة. تستقي إنتاجات الوديع، شاعرا وكاتبا، عنفها ونضارتها من متن الأيام المحملة بكل تصاريف القدر، لتعطينا في النهاية مثقفا واقفا على نفس المسافات من كل الاعتمالات الطارئة على مجتمعنا، إلا مسافة الوطن، القدر التي يتلبس في الوديع، ويتلبس فيه، دونما رياء أو مزايدة.

إنه صلاح الوديع الذي ابتدأ حياته يساريا ثائرا، طامحا في مغرب عادل ومتقدم، كما كانت تفترضه إيديولوجيات المرحلة، بعيد الاستقلال سنوات. ولاشك أن تأثير البيت، الذي آمن بالاشتراكية قدرا، واليسار أطروحة ممكنة للتغيير، قد مارس سلطته على عقل الوديع الصغير، فتشرب من معين الثورة وعاش تقلبات ذلك الزمن بتفاصيله الصغيرة والكبيرة . من هذه التفاصيل ذكريات انتفاضة 23 مارس 1965 التي شكلت وعيا آخر لدى الثائر الصغير، وهو يحياها مواجها تفاصيلها الدموية بأم العين، إلى جانب العشرات والمئات من شباب وبنات ثانويات الدارالبيضاء التاريخية : مولاي عبد الله، عبد الكريم لحلو، فاطمة الزهراء ومحمد الخامس. في مشهد آخر بتفاصيل أخرى أكثر فظاعة، روى صلاح الوديع ذكريات سنوات الجمر في معتقل درب مولاي الشريف الرهيب، في روايته ‘‘ العريس ‘‘ التي نجح من خلالها في استعادة وقائع العذاب والتعذيب بنفس ساخر يشد القارئ، وينبهه إلى أن الكتابة بقدر ما هي قادرة على الإيذاء، قد تكون أيضا فرصة للذات للتصالح مع الماضي، بشخوصه الأعنف والألعن، وفي مقدمتهم الجلادون أنفسهم.

ولعل رواية ‘‘ العريس ‘‘ مدخل آخر لفهم شخص صلاح الوديع المتعدد. نفس الكتابة وكوميدياها السوداء والمزج بين العنف والتسامح في بناء هيكلها العام، ستصاحب الوديع من خلال مشاركته في هيئة الإنصاف والمصالحة، التي قررت أن نسيان الماضي الرهيب لسنوات الرصاص لن يتم إلا من خلال اعتراف الجلاد ومسامحة الضحية . إنه الوديع الإيجابي جدا الذي عرفه وسيعرفه المغاربة فيما بعد، من خلال محطات مختلفة وعلى امتداد عقود كاملة.

الوديع أيضا متصالح مع ذاته حتى بعد أن يقرر تجاوز تجاربه الحياتية. بعد مغادرته لليسار كمنظومة سياسية، اعترف بأن جزءا منه قد سقط، دون أن يلوك الكلمات حول تعثر اليسار المغربي قائلا في أحد الحوارات : ‘‘ أنا ابن اليسار، فيه ترعرعت ومن أجل مواقفه أديت الثمن، اعتبرت دائما أن دور اليسار في التحولات الديمقراطية ببلادنا على جانب كبير من الأهمية، وأحيلك على عدد من الكتابات السابقة لتأكيد ما أقول، وحين تبعثر اليسار، ساهمت بدور متواضع، لكن صادق، في محاولة توحيده ... لليسار اليوم من العمر نصف قرن على الأقل ولا يزال التوجه العام هو التشرذم، لست من أصحاب نظرية المؤامرة، ولا ألقي اللوم على العوامل الخارجية أساسا، كما ليست هناك قراءة نقدية لتجربة اليسار تنسجم واختياراته الفعلية اليوم، لقد دخل مرحلة جديدة من التزاماته، دون أن يغير من نسقه الفكري، وظل حبيس الماضي في نظرته، رغم أنه أبان عن براغماتية في تدبيره لقرار المشاركة في الحكم وفي تحالفاته، هل يعقل أن تكون أمامنا عشرة مشاريع تجسد الاختيار الاشتراكي؟ ألا يعتبر الإبقاء على وضع التشرذم نوعا من الإقرار بما يراد تجاوزه بالضبط : أي الأزمة الدائمة ‘‘ .

ولد صلاح الدين الوديع عام 1952. حصل على شهادة الإجازة في الفلسفة سنة 1982، ثم على شهادة الدروس المعمقة في العلوم السياسية من كلية الحقوق بمونبوليي بفرنسا سنة 1987. عام 1997 عين أستاذاً بالمدرسة العليا لتدبير المقاولات بمدينة الدار البيضاء، غير أن وظيفته الجديدة لم تثنيه عن اهتماماته الأدبية حيث عمل معداً ومقدماً لبرنامج "لحظة شعر" بالقناة الثانية المغربية مابين سنتي 2000 و2002. والسيد صلاح الوديع عضو نشيط في المجتمع المدني، حيث عمل في عدد من الجمعيات من قبيل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي شارك في تأسيسها سنة 1988، والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف. صدر له ديوانان شعريان "جراح الصدر العاري" سنة 1985 و"مازال في القلب شيء يستحق الانتباه" سنة 1988، ورواية "العريس" عام 1998، وديوان ‘‘قصيدة تازمامرت ‘‘ 2002، الذي يضم قصيدة مطولة كتبها الشاعر عن هذا المعتقل السري، وديوان " لئلا تنثرها الريح "2010. وعن دار الثقافة للنشر والتوزيع بالدار البيضاء، كما صدر له "إلهي أشكوهم إليك" الذي يتضمن مجموعة من المقالات التي نشرها صلاح الوديع عبر فترات زمنية مختلفة .

في تجربة سياسية ثانية، انضم صلاح الوديع إلى حزب الأصالة والمعاصرة في تطور كان يعتقد أنه منطقي لحركة لكل الديمقراطيين. غير أنه ما لبث أن ترجل عن صهوة هذه التجربة، وقدم استقالته لأمينه العام أنذاك مصطفى الباكوري بعد أن لاحظ أن التنافس بين أجنحة الحزب صارت مدخلا للحساسيات الشخصية أكثر من المصلحة العامة . غير أنه، وفي التجربتين معا، أو بعدهما، لم يتغير، وظل مؤمنا بمبادئه الثابتة : الوطن بناء كامل يشارك فيه الجميع، ولا مكان بيننا للإيديولوجيات الهدامة أو التي تخدم أجندات خارجية. من بينها ‘‘ الإسلاموية ‘‘ التي قال فيها ‘‘ يمكن تعريف "الإسلامي" بكونه صاحب فكرة قوامها أن الأمور في البلاد لا تستقيم إلا بالرجوع إلى الإسلام، لا ضرر في هذا القول، لأن الإسلام بمعناه التاريخي لا يمكن إلا أن يكون مصدرا من مصادر الإلهام لمعالجة قضايا البشرية اليوم، يبدأ الضرر أولا حين يوحي الإسلامي أو يعرب عن أن الإسلام هو إسلامه هو ولا إسلام غيره، هو المرجع، ثم حين ينبري الدعاة لإنتاج قراءة نصية جامدة للإسلام، يكون على السياسي تنسيقا أو إذعانا أن يمتثل لها أو يروج لها على الأقل، وتزداد عوامل القلق حين يربط بعضهم نظرته هذه بالعنف الضروري لأجل تحقيق المشروع الذي يصبح تحقيقا لإرادة الله على الأرض، وتكتمل الدائرة حين تربط دعوات كهذه بأجندة ما يطلق عليه بالحركة الإسلامية عبر العالم، بغموضها وهلاميتها وتلوناتها ‘‘.