الكتاب

تحالف الجهل وسوء النية في قراءة خطاب الملك بالرياض

طه بلحاج الثلاثاء 26 أبريل 2016
تحالف الجهل وسوء النية في قراءة خطاب الملك بالرياض
M6 GOLFE

AHDATH.INFO- بقلم يونس دافقير

بعض «التحليلات» والتعاليق تبعث على التقزز في تناولها لخطاب الملك محمد السادس في القمة المغربية الخليجية، ليس لأن خطب الملك مقدسة ولا يجوز نقاشها أو حتى انتقاد مضامينها، ولكن التقزز يأتي من تلك السطحية في الفهم والتسرع في الاستنتاج، بشكل يدل على أن البعض لديه مواقف مسبقة ونتائج محددة سلفا، وينتظر فقط أن يلوي عنق المقدمات والمعطيات كي تنتهي إلى ما يريده هو وليس ما يوجد في واقع النص وليس في استيهاماته.

في خطاب الرياض أعطى الملك لأول مرة وبشكل صريح تقييمه لمآلات الربيع العربي الذي قال إنه تحول إلى خراب وكوارث ومشاريع للتجزئة والتقسيم في العالم العربي، وعلى الفور سمعنا وقرأنا من يستنتج أن العاهل المغربي يهاجم الربيع المغربي ويستعد لإغلاق القوس الذي فتحته تواريخ 20 فبراير و9 مارس. ولأن الشعبويين السطحيين يختارون المزايدة على بعضهم البعض، بدأ الكثير منهم في تجميع ما قال إنها مؤشرات تدل على أن خطاب الملك يؤسس لتراجع مقبل عما تم فتحه من هوامش للتغيير خلال الأربع سنوات الماضية. والمصيبة أن أساتذة جامعيين فهموا رسالة الخطاب الملكي خطـأ وبدؤوا يطلقون نيرانهم على دينامية الشارع المغربي سنة 2011

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها خطاب الملك لهذا النوع من التحريفات إما عن جهل أو سوء نية ظاهر، في فبراير من سنة 2011 تزامن انطلاق مـظاهرات حركة 20 فبراير مع خطاب الملك في تنصيب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وردت فيه عبارة «الديماغوجية»، وفي تعليقه على الخطاب حينها قال «راديو سوا» الأمريكي إن «العاهل المغربي يرفض الإذعان للمطالب»، ونفس الاستنتاج نقلته «قناة العربية»، وذهبت وكالة «رويترز للأنباء» على نفس المنوال وهي تعمم قصاصة جاء فيها أن «العاهل المغربي يرفض بشدة دعوة للتخلي عن بعض سلطاته»، وزادت في التفاصيل مضيفة « قال العاهل المغربي الملك محمد السادس (…) إنه لن يذعن للديماجوجية بعد يوم من احتجاج آلاف المغاربة الذين طالبوا بأن يتخلى عن بعض سلطاته لحكومة جديدة منتخبة».

أثارت هذه القراءة للخطاب استغرابي حينها، تساءلت هل فعلا وصف الملك مطالب المتـظاهرين بالديماغوجية؟ عدت إلى نص الخطاب بتفحص دقيق فوجدت الملك يقول بالحرف «وعندما نتولى اليوم، إعطاء انطلاقة هذا المجلس، فلأن حرصنا الدائم على نبذ الديماغوجية والارتجال، في ترسيخ نموذجنا الديمقراطي التنموي المتميز، قد اقتضى الوقت اللازم لإنضاج مسار إقامة هذا المجلس، بما يجعل منه مؤسسة للحكامة التنموية الجيدة، علما بأن كل شيء يأتي في أوانه».

فمن الواضح أن الملك تحدث عن «الديماغوجية والارتجال» في سياق تبرير التأخر الحاصل في تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي بقي مؤسسة دستورية معلقة منذ خمسين سنة، وليس في السياق التعليق على المظاهرات التي دعت إليها حركة 20 فبراير في اليوم الذي سبق الخطاب.

وهاهي نفس الحكاية تتكرر مرة أخرى، وكما كتب الصديق والأستاذ الجامعي حسن طارق، فإن الخطاب الملكي في القمة المغربية الخليجية «لايجب بالمطلق، كما ذهبت بعض التحاليل المتهافتة، أن يقرأ بشكل متسرع، كتشكيك في دينامية الربيع المغربي، الذي تأسس على مقاربة مختلفة للإصلاح السياسي والمؤسسي، ولا أن يفهم بشكل متعسف كإعلان رسمي عن غلق قوس ما بعد 2011».

وبالفعل، حين نعود مرة أخرى إلى نص خطاب الملك نجد أنه لم ينجز تقييمه لربيع المطالبة الشعبية بالتغيير في حذ ذاته، بقدر ما أخضع للتحليل التوظيفات التي تعرضت لها مآلاته ونتائجه المؤسفة من طرف من يخططون لإعادة إنتاج الدولة الوطنية في العالم العربي على أسس طائفية وعرقية، أما الاستثناء المغربي في تدبير النسخة المحلية من ذاك الربيع، فلا يوجد حتى الآن ما يدل على أنها قوس يراد إغلاقه بعدما هدأت زوابع الثورات التي انقلبت على أوطانها ومواطنيها الذي صاروا يفرون من بلدانهم التي تحولت إلى جحيم للعنف وليس جنات للديمقراطية.

ولا ضرر من التذكير مرة أخرى بأن قوس الربيع العربي كان ممكنا إغلاقه مغربيا سنة 2013 حين طرد الإسلاميون من السلطة في مصر وتونس، وحين طلب من قطر أن توقف دعمها للمشروع الإخواني في العالم العربي لدرجة أن تطلب ذلك التدخل لإحداث تغيير في القيادة القطرية، وعلى العكس من ذلك، حرص القصر على أن تستمر حكومة الإسلاميين في المغرب، وشدد أكثر على أن تكون انتخابات الرابع من شتنبر بعيدة عن التحكم ما سمح للإسلاميين مرة أخرى بأن يضاعفوا مقاعدهم ثلاث مرات في الجماعات والجهات، بل يمكن القول أن كل المؤشرا تدل على أن تجربة تحرير اللعبة السياسية وتوسيه المجال الديمقراطي ستستمر بمناسبة انتخابات سابع أكتوبر المقبل.

لن أفرط في استعراض التفاصيل التي تبرهن على ما أذهب إليه، لكني أود التأكيد على أن الشعبوية والعدمية لا تقدم إضافات نوعية للبناء الديمقراطي، ولا هي تساعد على تفكيك المخزن أو تأبينه، إنها لا تعمل سوى على أنها تعطي عن أشباه الديمقراطيين والبؤساء الثوريين صورة نصابين ومحتالين في سعيهم لصناعة رأي عام مبني على استيهامات و«فهلوات» تحريف الوقائع، وليس على حقائق جديرة بأن تدق نواقيس الخطر وتكون جديرة بأن تناقش كأفكار وليس كإشاعات.