الكتاب

مسألة ديمومة

أسامة خيي السبت 14 مايو 2016
مسألة ديمومة
MM6

AHDATH.INFO خاص - عبد العالي دمياني

يشكل متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط معلمة ثقافية تؤرخ لمائة عام من فن التصوير الصباغي والتشكيل المغربي. ويستطيع زائره أن يخرج بصورة إجمالية عن نشوء وتطور هذه الفنون من خلال الأقسام الأربعة، التي يوثق كل واحد منها لمرحلة من مراحل هذا التاريخ الفني متعدد الأوجه والأبعاد.

لقد ارتأى القيمون على المتحف، بتكوينه الفسيفسائي المماثل للثقافة المغربية نفسها، جعل المرحلة الأولى في الطابق العلوي، والمرحلة الأخيرة في الطابق تحت الأرضي. وفعلا، ما إن يلج الزائر ذلك «المرآب» الذي يضم الفترة الراهنة المخصصة للفن المعاصر حتى يتغير المشهد أمام إدراكه رأسا على عقب، وتشرع الأسئلة في الانثيال عليه منصبّـة على طبيعة «الآثار الفنية»، التي يضمها هذا القسم.

ماذا يعني عرضُ عربة دفع باليد ملأى بقنينات غاز من الحجم الصغير ومشفوعة بلافتة كتب عليها «كاميكاز»؟ وأي دلالة فنية لغرفتين مؤثثتين بكل أنواع المهملات والمتلاشيات والأشياء منتهية الاستعمال والصلاحية؟ وهل يمكن اعتبار صندوق بيع «السيديات» في الأزقة والأسواق عملا فنيا يستحق العرض في متحف وطني؟

لقد ثـوّر مارسيل ديشامب عالم الفن التشكيلي عندما أقدم على عرض مبولة سماها «النافورة»، ومذّاك، صار مفهوم «الفن المعاصر» أكثر لصوقا باسمه وتصوره الطليعي للعمل الفني ولعملية تسويقه. والمطلع على ما يزخر به قسم الفن المعاصر بالمتحف ليقف مشدوها أمام كل «تحفة» فنية تشحذ وعيه بأشياء الحياة المحيطة به في يوميّـه دون أن يوليها الاهتمام الخاص الذي يوليها إياه الفنان بحاسته السادسة.

إن الخصيصة الجوهرية لـ«الفن المعاصر» تكمن بالأساس في هذا المهماز الذي يوقظ حواس التلقي تجاه ظواهر الحياة المعاصرة في إيقاعها الملهوج وتقاطعاتها المدوخة، ويحمل الوعي بها المحفز من خلال الأثر الفني على التأمل والاعتبار والانفلات من كماشة البعد الواحد للحياة واكتشاف أوجهها الأخرى المغفية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا النوع من الفن هو سؤال الديمومة. إذ، إلى أي حد يمكن اقتناء هذه «التحف» والاحتفاظ بها؟ أليست «نافورة» ديشامب نفسها سوى فكرة أكثر منها عملا فنيا له صفات الديمومة؟