بورتريه

عثمان بن جلون : الصرح الاقتصادي المغربي  

سعيد نافع الخميس 02 يونيو 2016
عثمان بن جلون : الصرح الاقتصادي المغربي  
otmane

AHDATH.INFO - خاص - بقلم سعيد نافع

عثمان بن جلون هو واحد من أكبر قصص النجاح المغربية على الإطلاق . صحيح أنه امتح من تاريخ العائلة الطويل في التجارة الكثير من مقومات هذا التميز، لكن ذكائه الفطري وجرأته الاقتصادية وسرعة البديهة والقدرة على المخاطرة، كانت لها نسب أكبر في رسم معالم هذا النجاح . مؤخرا، انكب عثمان بن جلون، بفضل حسه التوثيقي الكبير، على إعادة رسم تاريخ شجرة العائلة، ونجح فعلا في العودة إلى أبعد أصول ممكنة لعائلة بن جلون، قبل حوالي 400 سنة . بفضل مرجعية الأملاك الموثقة، والشهادات العدلية التي تعود لتلك الفترة وما بعدها، تبين لعثمان بأن التجارة كانت الخيط الناظم لكل قصص النجاح الممتد في آل بن جلون .

خلف صورة الرجل الأنيق، تجربة مشوار كبير ومثقل بالتجارب. عثمان بن جلون صاحب واحدة من أعلى ثروات البلاد، ولد في فاس سنة 1931 ، بنكي ورجل أعمال مغربي من الطراز الأول. هو أيضا رئيس مجموعة ‘‘فاينانس كوم‘‘ والرئيس المدير العام للبنك المغربي للتجارة الخارجية . ينحدر عثمان بن جلون من سلالة فاسية، اشتغلت في التجارة منذ زمن بعيد. الوالد الحاج عباس بن جلون، تاجر فاسي اكتسب ثروة مهمة في مطلع القرن الماضي من خلال نشاطه في التصدير والاستيراد . عثمان الابن، سافر إلى سويسرا في سن مبكر، وبعد حصوله على أعلى الدبلومات الممكنة من المدرسة التقنية الفيدرالية في لوزان، عاد إلى المغرب سنة 1959 . في تلك الفترة، التحق بشقيقه عمر بن جلون، الذي طور مكتسبات الأسرة، التجارية والمعرفية، وشعب أنشطتها لتشمل ميادين إنتاجية أخرى غير التجارة المباشرة، كتركيب السيارات وصناعة الألمنيوم والمشتقات المعدنية .

خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، نجح عثمان بن جلون في نسج شبكة علاقات ومصالح مهمة، فيما يمكن اعتباره الميزة الأولى لعبقريته الاقتصادية. توصل عثمان بن جلون إلى عقد شراكات متينة ومستدامة مع كبار مصنعي السيارات في العالم، نذكر منهم : فولفو السويدية وجينرال موتورز الأمريكية و‘‘كوود يير‘‘ و ‘‘ويستينغ هاوس‘‘، الشراكة الأخيرة مكنته من رفع قيمة نشاطه التجاري ماديا خلال ثمانينات القرن الماضي . سنة 1988، تمكن عثمان بن جلون من الفوز بصفقة شراء ‘‘ الملكية للتأمينات ‘‘ بمبلغ مالي ناهز ال300 مليون أورو، الشركة التي أنشأت في العام 1949 من طرف عشرة أشخاص عرفوا بحسهم الوطني ودفاعهم عن استقلال المغرب، ومن بينهم الأب الراحل الحاج عباس بن جلون. سنة 1995 وبفضل أرباح شركة التأمينات نفسها، دخل عثمان بن جلون غمار الخوصصة التي كان المغرب قد تبناها كتوجه اقتصادي جديد، فحاز أيضا صفقة شراء البنك المغربي للتجارة الخارجية، ثم انتخب أشهرا فقط بعد إتمام الصفقة، رئيس للتجمع المهني البنكي في المغرب .

تحت إدارته، في البنك المغربي للتجارة الخارجية، عمل على نسج شراكات جديدة مع مؤسسات مالية عالمية مكنت من إضفاء وهج مالي أكبر للبنك، كالشراكة مع مؤسسة ‘‘نامورا‘‘ اليابانية أو ‘‘ كوميرزبانك ‘‘ الألمانية . في العام 1999 أصبح عثمان بن جلون مساهما في الفاعل الهاتفي الإسباني ‘‘ تيلفونيكا ‘‘ والبرتغالي ‘‘ بورتوغال كوم ‘‘، بالتزامن مع حيازته لصفقة الفاعل الثاني في الهاتف المغربي ‘‘ ميديتيلكوم ‘‘ بقيمة مالية ناهزت المليار أورو. فيما بعد تمكن عثمان بن جلون أيضا من الاستحواذ على مجموعات أسهم الهولدينغ الملكي ‘‘ أس أن أي ‘‘ تدريجيا إلى أن أصبح المساهم الأول فيه .

مجموعة عثمان بن جلون ستنتقل إلى الأسواق الخارجية، كامتداد طبيعي لتطورها الاقتصادي والتجاري. أول العمليات في هذا الإطار، اشترى رجل الأعمال المغربي 35 بالمائة من ‘‘ بنك افريقيا ‘‘ ( ثالث تجمع بنكي في دول الاتحاد الاقتصادي والمالي في افريقيا الغربية )، ثم أنشأ في 2007 ‘‘ ميدكابيتال بنك ‘‘ المؤسسة المالية التي تتخذ من قلب العاصمة البريطانية لندن مقرها .

خلال العام 2013 اختير عثمان بن جلون كالشخصية الأكثر ثراء في المغرب حسب تصنيف المجلة الأمريكية المتخصصة فوربس، بثروة قدرت آنذاك ب3.1 مليار دولار ، منحيا بذلك من هذا المركز، رجل الأعمال المغربي الآخر الراحل ميلود الشعبي الذي صنف ثانيا على رأس لائحة  ثروات المغرب ب 2.3 مليار دولار .

التميز والنجاح الاقتصادي والتجاري لعثمان بن جلون مكنه من تلقي امتيازات تشريفية استثنائية نذكر منها حصوله على ‘‘ الوسام العلوي ‘‘ ووسام الاستحقاق الملكي السويدي ووسام الاستحقاق الوطني من دولة السينغال . كما يترأس عثمان بن جلون اتحاد الأبناك المغاربية، ويعتبر من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تكوين وإنشاء الاتحاد العالمي للأبناك العربية . في شهر يونيو من العام 2008 حصل عثمان بن جلون على تكريم خاص من العاصمة الفرنسية باريس حيث اختير ‘‘ البنكي العربي لسنة 2007 .

اليوم يساهم عثمان بن جلون في بناء صرح المغرب الجديد المستعد للإقلاع كدولة صاعدة في المنطقة . وهو دور وطني ليس بجديد على سليل آل بن جلون، التي كان الهم الوطني واحدا من أهم محركات أنشطتها على مر التاريخ، من خلال مشروع أبي رقراق حيث تشرف مؤسسته المالية التابعة للبنك المغربي للتجارة الخارجية في تمويل أشغال بناء برج يتألف من 45 طابقا، المشروع الرائد الذي يتمم ويثري المخطط الجديد لتهيئة وادي أبي رقراق. ويعتمد هذا البرج، الأعلى في إفريقيا بارتفاع 250 مترا، والذي يعد بمثابة رمز للانبثاق والإشعاع، في تصوره، تكنولوجيات من الجيل الجديد تتيح نجاعة طاقية أفضل، تماشيا مع التزامات المغرب في مجال التنمية المستدامة. كما سيتم تغطية ثلث المساحة الإجمالية للواجهة بألواح شمسية من شأنها تغطية حاجيات البرج من الكهرباء.

عن سن الخامسة والثمانين لا يعرف عثمان بن جلون معنى التقاعد، ويؤمن بأن العمل والعمل فقط هما وسيلة الإنسان للاستمرار على قيد الحياة أطول فترة ممكنة. وبانخراطه في الأعمال على عدة مستويات مختلفة، منها التجاري البحث، ومنها الاجتماعي والخيري يكون قد كسب كاريزما خاصة ، دفعت هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق إلى وصفه ب ‘‘ المغربي الكبير المجتهد دون كلل ‘‘ .