ميديا

طلحة جبريل يكتب : كتاب اندثر وأرقام الحليمي

أسامة خيي الأربعاء 08 يونيو 2016
Capture d’écran 2016-06-08 à 15.06.43
Capture d’écran 2016-06-08 à 15.06.43

AHDATH.INFO - بقلم: طلحة جبريل

تأسفت كثيراً عندما علمت أن مشروع " كتاب في جريدة" الذي أطلقته منظمة اليونسكو عام 1995 أندثر.

كنت قد قرأت في إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط أن معدل القراءة عند المغاربة تراجع الى دقيقتين يومياً في أفضل الأحوال.

أرقام أحمد الحليمي عنيدة. لغة الأرقام دائماً عنيدة، وإذا كان الأمر يتعلق برجل دولة، النتيجة لا تقبل النقاش.

أعود الى موضوع "كتاب في جريدة ". أعترض دائماً على لفظة "جريدة". هي "صحيفة" ومن يقول غير ذلك عليه أن يعود الى القواميس.

كنت سعيداً أن تكون لي علاقة بمشروع "كتاب في جريدة" عندما إنطلق.

سعدت أكثر إنني كنت أكتب في صحيفة تقف مع المشروع على الرغم من تكلفته المرتفعة في ظل أوضاع اقتصادية خانقة تعرفها صحف تأمل أن تعتمد على مواردها الذاتية.

مشروع " كتاب في جريدة" أنطلق في بعض دول اميركا اللاتينية بغرض توزيع كتب مكتوبة اللغتين الاسبانية والبرتغالية، واطلق عليه " الكتاب الدوري".

كانت فكرته بسيطة لكنها من نوع الافكارالمضيئة، وهي إصدار كتاب في كل شهر كملحق في حجم التابلويد يوزع مع إحدى الصحف مجاناً تشجيعاً للقراءة، أي أنك تشتري صحيفتك اليومية بالسعر نفسه وتجد بداخلها كتاباً.

فكرة مدهشة، خاصة في الدول التي يؤدي فيها ضعف القدرة الشرائية الى عزوف القراء ومعظمهم من الطلاب، عن شراء الكتب…وللأسف بات المغرب إحدى هذه الدول.

المعادلة مع الكتب مختلة، إذ ان تكلفة الورق والطباعة في تصاعد والقدرات الشرائية في  هبوط، كما ان وسائط الاعلام الحديثة على وجه التحديد الإنترنيت والشبكات الإجتماعية، قلصت الاقبال على القراءة.

هذه الوسائط تمطرنا بالكثير من الغث، ولعلهم في الغرب فطنوا الى المسألة لذلك يعلمون الاطفال من صغرهم التعود على القراءة ... قراءة الكتب تحديداً . إذ المدارس الإبتدائية في أوربا وأميركا تهتم كثيراً بتشجيع الأطفال على القراءة.

قراءة الكتاب فيها فوائد كثيرة من غير التثقيف.

لذلك كان مشروع "كتاب في جريدة " الذي اطلقته اليونسكو، مشروعاً لافتاً، تولى الإشراف عليه عند انطلاقته الكاتب والشاعر العراقي شوقي عبدالامير، الذي طلب منه مدير عام اليونسكو فردريكو مايور عام 1995 وضع جميع التصورات لاطلاق المشروع ثم متابعة التنفيذ.

مايور وعبد الامير شخصيتان رائعتان.

مايور يعد من أفضل من انشغلوا بالهم الثقافي في تاريخ اليونسكو، وهو من طينة المثقفين الإسبان الكبار الذين كرسوا حياتهم للقيم العليا.

عبدالامير الذي عاش معظم سنواته في باريس ، يعتقد أن لديه هدف واحد في هذه الحياة ، وهو ان يقرأ اي مواطن عربي أكبر قدر من الكتب.

تعرفت على شوقي عبد الامير في بيروت في مارس 2001 ، عندما عقد المؤتمر الثالث الذي ضم اللجنة الاستشارية لمشروع  "كتاب في جريدة" ورؤساء تحرير الصحف التي تشارك في المشروع عبر نشرها الكتاب كل شهر كملحق مجاني مع عددها اليومي.

وجدت عبدالامير يتدفق حماساً.

ظل يعمل دون كلل ولا ملل منذ ان كلف من طرف مايور بإطلاق المشروع حتى أبصر النور في نوفمبر 1997 .

وزع اول كتاب كملحق مجاني مع عدد من الصحف العربية بعنوان " مختارات من شعر المتنبي" قدم لها الشاعر ادونيس.

عندما تعثر المشروع عام 2003 بسبب شح موارد اليونسكو التي تأثرت كثيراً بعد مقاطعة اميركا لها، لم يترك شوقي عبد الامير المشروع بل طرق جميع الابواب الى ان تطوع رجل أعمال وقرر تمويله.

ظلت اليونسكو تنفق على تصميم الكتاب وسحبه على أفلام وتعويض الكتاب الذي توزع كتبهم، وكذلك الرسامين الذين يرسمون الرسومات المصاحبة، وتسلمه جاهزاً وبالمجان للصحف لتتحمل فقط تكلفة الطباعة والورق.

أختم بواقعة حدثت اثناء مؤتمر بيروت.

كنا نحضر حفل عشاء بدعوة من رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان يومئذ في داره التي يطلق عليها اللبنانيون "دارقريطم".

تحدث يومها طلال سلمان ناشر ورئيس تحرير صحيفة "السفير" اللبنانية وبصوت تعمد أن يكون مرتفعاً " سنقف مع هذه المشروع حتى النهاية ولن نفعل كما فعل آخرون رموه على قارعة الطريق (وكان يقصد صحيفة "النهار" اللبنانية) ".

ثم راحت الأيام تمر أياماً بعد ايام، وإذا مشروع "كتاب في جريدة" يندثر ، وإذ الضغوطات المادية كادت أن تعصف بصحيفة "السفير" نفسها وتجعلها مجرد ذكرى.

وإذ الحقيقة إن المشهد الإعلامي راح يتشكل مستعيناً بما بات يعرف "الإعلام الجديد" (نيوميديا)، الذي جعل قراءة الأخبار ليس متاحة فقط على الهواتف الذكية بل على أبوب الثلاجات المنزلية، وعلى الرغم من ذلك تتراجع أرقام القراءة.. و"الأمية المعرفية" التي لا يحاربها أحد.