ثقافة وفن

المواجهة: عندما يبدع مرميد و الزروالي في قراءة المشهد الفني

أسامة خيي الثلاثاء 18 أكتوبر 2016
53871
53871

AHDATH.INFO - خاص - بقلم: أحمد الدافري

الحوار التلفزيوني لم يُصنع لكي يُلمّع الوجوه الشاحبة.. بل وُجد لكي يكشف عن مكامن الشحوب داخل الوجوه اللامعة. ولبلوغ هذا المرمى، لابد لكل من أراد اكتشاف حقيقة وجهه في مرآة النجومية، من قَبول قانون اللعبة، والاستعداد للمواجهة الصريحة، قبل الانغمار في طقوس المُساءلة التلفزيونية الحارقة.. يبدو أن هذا هو التصور الذي يعتمده الإعلامي والناقد بلال مرميد في برنامجه الحواري "إف بي إم"، وهو تصور فريد من نوعه في مشهدنا السمعي البصري، لم يسبق لتلفزيوناتنا الوطنية التي تعودت في جل برامجها الحوارية على الأسئلة المُهادِنة، وعلى المحاباة والتطبيل، أن فكرت في تجريبه، لانتشال هذه البرامج من محتواها الفارغ والممل.

الحلقة الثانية لهذا الموسم من برنامج "إفي بي إم ـ المواجهة"، في قناة "ميدي1 تيقي" كان ضيفها الأديب والمسرحي عبد الحق الزروالي. وقد بُثت في حوالي الساعة التاسعة والربع من مساء يوم الجمعة الماضي، عكس التوقيت الذي كان قد تم الإعلان عنه في الوصلات الإشهارية التي خصصتها القناة للحلقة، وهو الساعة التاسعة وخمس وثلاثون دقيقة، مما حرم المُشاهدين الذين يضبطون علاقاتهم مع البرامج التلفزيونية بالتوقيت الدقيق من متابعة الحلقة منذ بدايتها، وهذا خطأ من المفروض ألا يتكرر في الحلقات المقبلة. وقد بدا في هذه الحلقة، بما لا مجال فيه للشك ـ عِلماً أن هناك في الحياة طائفة من الناس حرفتها هي التشكيك حتى في ما ينسجم مع المنطق والعقل، وهؤلاء سيكون من الحمق الاعتداد بشكوكهم ـ بأنه حين تحضر في بلاطو المواجهة قامة فنية كبيرة، تملك زادا معرفيا وعتادا علميا وتجربة ناضجة، تكون المواجهة راقية، ويكون التفاعل مع الأسئلة المستفزة ذكيا، بعيدا عن التشنجات التي تشل الفكر وتعْقد اللسان.. وهنا ينبغي التذكير بأن الفنان عبد الحق الزروالي، لا يحتاج إلى إشادة من أي كان، إذ يكفيه أنه واحد ممن بفضلهم أصبح للمسرح المغربي بنيان، وصدّروا فرجاته إلى ُبلدان العُربان، ومن ثمة، لا وجود لأية فائدة في توجيه الدعوة إليه في برنامج تلفزيوني لتذكير الناس بتاريخه وأمجاده وفتوحاته. فالمقاربة الأجدى في التعامل مع تجربته، هي فتح المجال أمامه للتفكير في هذه التجربة بموضوعية، وإنسانية، وتحديد مكامن القوة والضعف فيها، لأنه لا يمكن لأي تجربة فنية أن تختمر بدون أخطاء، ولا عوائق، ولا مطبات، وقد نجح عبد الحق الزروالي إلى أقصى الحدود في الاختبار، وتوفق في التمرين بشكل أنيق وجذاب.

في الحلقة الأولى من هذا الموسم، التي كانت قد بُثت مساء الجمعة التي سبقت جمعة الانتخابات التشريعية، كان بلال مرميد قد تواجه مع الممثل المغربي أمين الناجي. وقد أثارت تلك الحلقة بعض ردود الأفعال التي لم تستوعب أن البرنامج ليس الهدف منه التقليل من أهمية الضيف، ولا الطعن في كفاءته، بل الغرض منه هو وضع الضيف في وضعية ينبغي أن يدافع فيها عن تجربته، بعدما يكون قد قبل قانون اللعبة مسبقا، ورضي الدخول في المواجهة عن طيب خاطر. وبالتأكيد أنه مع توالي الحلقات، وتعاقب الضيوف ستتضح الرؤية أكثر، ولن يخفى بعد ذلك على أحد ضوء القمر.