الكتاب

من الذي سيصدق أن "سلفيين" شاهدوا "جناح الهوى" على القناة الثانية ؟

أسامة خيي الأربعاء 26 أكتوبر 2016
aa
aa

AHDATH.INFO خاص - بقلم شادي عبد الحميد الحجوجي

 

أعادت القناة الثانية في سهرة ليلة الثلاثاء/الأربعاء بث فيلم المخرج المغربي عبد الحي العراقي "جناح الهوى"، و بهذه المناسبة ينشر موقع "أحداث أنفو" عمود "أونطراكت" الذي تطرق لموضوع هذا الفيلم المتميز، ونشر في جريدة "الأحداث المغربية" منذ حوالي خمسة أشهر، عندما تمت برمجته لأول مرة، و ما رافق بثه من ردود فعل في اطار الاستهداف المستمر للقناة الثانية من طرف تيارات "الاسلام السياسي".. لنتابع..

 

يبدو أن أصدقاء وزير الاتصال في موقع الكتروني معروف تاريخيا بعدائه للقناة الثانية، قد وجد في بث قناة "عين السبع" لفيلم المخرج المغربي عبد الحي العراقي "جناح الهوى"، مناسبة لكي يأكلوا الثوم بفم "سلفيين"، قيل لنا، "والله أعلم"، انهم شاهدوا الفيلم، و أنهم يتابعون برامج "القناة الثانية"، مع أن الأمر صعب التصديق.

ولأن السلفيين لم يشاهدوا الفيلم في القاعات السينمائية، فانهم لم ينتبهوا الى أن القناة الثانية بدلت مجهودا جبارا لحذف مشاهد جريئة عديدة في الفيلم، وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه من كون الحديث عن "السلفيين" الذين شاهدوا الفيلم (كذا)، هي خرافة و أسطورة و كذبة مختلقة لغاية في نفس..

أولا، لنكن صرحاء، أغلبية السلفيين، أو من يطلقون على أنفسهم "سلفيين"، لم يكونوا يتوفرون، الى وقت قريب، على جهاز تلفاز، و عندما وضعوا "بعض الماء في نبيذهم"، بدؤوا يشاهدون القنوات الوهابية المعروفة طبيعة برامجها، و لذلك، عندما تكتب مقالا لتقول لنا ان "السلفيين" تابعوا فيلم "جناح الهوى" على القناة الثانية، فهذا يعني أنك تضحك على ذقون القراء.

ثانيا، هناك تيار ديني فيه الاخواني (تيار وزير الاتصال)، و الوهابي (من يطلقون على أنفسهم سلفيين للتدليس و التلبيس على الناس)، و ما بينهما من شتات.. له كره غير مشروط للقناة الثانية، لا يشاهدونها و لاينصحون بها، لأنهم يعتبرونها حاجزا أمام "فكرهم" و "مشروعهم"، و عائقا أمام "أدلجة" المغاربة على طريقة دول مشرقية فاشلة كثيرة، و لذلك ف"جميع المناسبات" هي "مواتية" للهجوم على من كانت أول قناة خاصة في شمال افريقيا و الشرق الأوسط، حتى قبل السماوات المفتوحة.

ثالثا، من المؤكد أن تصريحات سيطايل الأخيرة حول دفاتر "الخلفي" الذي يريد تطبيقها دون أن يرصد لها "الملايير" اللازمة، قد أغضبت المعني أو المعنيين بالأمر، و لذلك عندما قرأت المقال في الموقع الالكتروني الذي "تشتغل" فيه بعض "الأقلام" التي تشترك مع وزير الاتصال في "مشروع" الأسلمة "زنقة زنقة" و "دقة دقة"، قلت في نفسي، من فرط مشاهدتي للأفلام البوليسية غالبا، "ابحث عن المستفيد".

المضحك في المقال، الذي يريد "صاحبه" و "أصحابه"، الاستعانة ب"سلفيين" في معركة "الاخوان" ضد القناة الثانية، أنه انتقل من الفيلم الى "حل" تعدد الزوجات!! وطبعا، من شاهد هذا الشريط السينمائي منذ خمس سنوات تقريبا، ثم أعاد مشاهدته على شاشة القناة الثانية مشكورة، سيفهم أنه لا علاقة لتعدد الزوجات بما كان يحتاجه بطل الفيلم، و هنا لا يمكن أن نظلم "السلفيين"، لأنهم بالتأكيد لم يشاهدوه، الا من استثناءات لا حكم لها، و المقال انما أخدهم "مطية"، لمهاجمة القناة الثانية نيابة عمن نعرف.

الحقيقة أن عمود هذا الأسبوع كان مخصصا للجزء الثامن من مقالنا حول "أسباب ضعف الأفلام المغربية"، لكنني عندما اطلعت قبل أيام قليلة ماضية على مقال يجمع فيه صاحبه "سلفيين" ب"الهوى"، لم أتمالك نفسي، و قلمي لم يطاوعني و لم يوافقني في قراري القاضي باكمال "السلسلة" و اختار أن يأخد "استراحة" خفيفة هذا الأسبوع، و انساب يكتب ما تقرؤون الآن، أما أنا، فلم آمر بها.. ولم تسؤني.

كنت دائما راغبا في الكتابة عن فيلم "جناح الهوى"، لسبب ما، أو لأسباب عدة، أعجبت بالقصة عندما شاهدتها قبل سنوات في قاعة مظلمة من قاعات مركب سينمائي شهير في المدينة الحمراء. لسبب ما، أو لأسباب عدة، تبنيت معاناة البطل، لسبب ما، أو لأسباب عدة، تنبأت بأن الفيلم سيتصدر شباك التذاكر تلك السنة (2011).. و ذلك ما حصل.

في سنة 2011، سنة "الحراك" المغربي و الدستور الجديد، دستور الحقوق و الحريات، كان مجرد مشاهدتك لشطط رجل الأمن (أحداث الفيلم تجري قبل ثلاثة عقود تقريبا) الذي يسأل بطل الفيلم (التهامي)، (أدى الدور الممثل الشاب عمر لطفي)، عن صلة القرابة التي تجمعه بالجميلة التي ترافقه لمشاهدة فيلم في السينما، كافيا لكي تعي و تقدر و تستوعب المسافة التي قطعها المغرب في تطوره الديمقراطي و حكامته الأمنية اليوم.

في سنة 2011، كان فيلم عبد الحي العراقي "جناح الهوى" قد تنافس في القاعات السينمائية المغربية مع أفلام جيدة و أخرى أقل جودة، مغربية و مصرية و أمريكية، و مع ذلك تابعه عشرات الآلاف من المغاربة، و لو كانت لنا قاعات سينمائية أكثر، لشاهده مئات الآلاف بسهولة.

من الأفلام السينمائية المغربية التي عرضت تلك السنة، فيلم "نساء في مرايا" لسعد الشرايبي، فيلم "نهار تزاد طفا الضو" لمحمد الكغاط، فيلم "شقوق" لهشام عيوش، ثم فيلم "الجامع" لداود أولاد السيد. اضافة الى الأفلام المصرية و على رأسها "بون سواريه" و "زهايمر" للكبير عادل امام، و أفلام أمريكية كثيرة.

ترشح فيلم عبد الحي العراقي "جناح الهوى" لجائزة مهر العرب في مهرجان دبي السينمائي الدولي (2011) والجائزة الكبرى في مهرجان واغادوغو للسينما والتلفزيون الأفريقي (2013) والجائزة الكبرى في مهرجان صوفيا السينمائي الدولي (2013)، وفاز بجائزة أفضل فيلم في الدورة الأولى لمهرجان تولنتينو السينمائي الدولي. كما فاز بطل الفيلم عمر لطفي بجائزة أول دور رجالي في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، بعد سنة فقط من فوزه بالجائزة ذاتها عن دوره في فيلم "كازانيغرا".

يكمن سر نجاح الفيلم المغربي "جناح الهوى"، في نقط قوته الكثيرة، أولها، مخرج متمكن (نذكر له فيلمه القصير "الشيخ الكامل") و أفلامه الطويلة "منى صابر" (2002) و"ريح البحر" (2006)، والتي بثتها القناة الثانية مشكورة (مرة أخرى). ثانيها، الاعتماد على نص روائي مغربي جيد (نص روائي أبدعه الكاتب المغربي محمد نيدالي (Mohamed Nedali) تحت عنوان (قطع مختارة) "يوميات متعلم جزار")، و قد وضعه المخرج في قالب ميلودرامي مثير و متصاعد ببعد رومانسي حتى في تصوير العلاقة الجامحة بين البطل و البطلة. ثالثها، ممثلين رائعين، بدءا بعبدو المسناوي (الأب)، آمال عيوش (عاملة الجنس)، وداد إلما (زوجة العسكري المتقاعد)، إدريس الروخ (مقدم الحي)، زهيرة صاديق (الجارة البركاكة و طيابة الحمام)، فاطمة تيحيحيت (الأم الحنون المتفهمة).. رابعها، تصوير المشاهد الحميمية باحترافية لم تكن ممكنة لو لم يسبقها استعداد واعداد نفسي و جسدي و عقلي قد يمتد لأيام (هناك استسهال من طرف بعض المخرجين حين تصوير مشاهد مماثلة، وهو أمر تفاداه عبد الحي العراقي بشكل واضح). خامسها، الرمزية في التطرق لتيمة "قتل" الأب (في اشارة الى قتل التقاليد البالية المكبلة لبروز الفرد في المجتمع و القامعة لحريته و اختياراته الحياتية)، حيث يبدأ الفيلم بمشهد تغسيل وتكفين الميت (الأب)، ثم ينتهي بدفنه في المقبرة، و بينهما يحكي لنا المخرج القصة عبر تقنية "الفلاش باك".. سادسها، الحوار المكتوب بشكل ممتاز، بدون أدنى اطناب، و بمفردات وفية للمكان الذي تدور فيه الأحداث و للشخصيات التي تتحرك فيه..

و بالرجوع لمن شاهدوا الفيلم بأعضائهم التناسلية، فان الفيلم رغم تصويره الموفق لكثير من اللحظات الحميمية، فانه لا يتحدث عن الجنس، و لكن عن الحب وسط مجتمع تقليدي و علاقات سلطوية، يتحث عن نوع من الحب يقويه الاشباع الجنسي، يتحدث عن شعور المغرم و احساس العاشق الولهان، والبطل يقول عن أول لقاء دافئ مع حبيبته: "من ذاك النهار عرفت بلي كاينة المرا لي غير كاتخليك و حياتك كاتخوى.. كتفارقك في الواقع و كاتسكنك فالخيال.. واش هذا هو الهوى.." ..

العسكري المتقاعد، في الفيلم، والذي اختار تعدد الزوجات، ربما عملا بنصيحة "سلفيين" (!)، لم ينفعه تعدد الزوجات في اشباع رغبة زوجته الشابة التي أحبت من هو في سنها و من يستطيع تعويضها عن الحرمان العاطفي و الجنسي باقتدار، كما أن الشاب الذي أبدى في بداية الفيلم، لحظة انتقاله من فترة المراهقة الى مرحلة الشباب، رغبته في "الطويلة" و "القصيرة"، "البيضة" و "السمرة"، "الرقيقة" و "الغليظة"، "لي عندها المعدل" و "لي ماعندهاش".. لم يكن يبحث عن "تعدد الزوجات"، و لكنه كان يبحث عمن تشبعه و تقنعه و تحويه وتستحوذ على روحه و جسده و تشغل تفكيره، و الدليل هو أنه لم يلتفت للزوجة (أظنه أول دور سينمائي للممثلة الشابة الواعدة نسرين الراضي) التي أتى بها والده، لأن الزواج سواء كان بواحدة أو بأربع، لا يعني الحب، كما أنه لا يعني اطلاقا الاشباع الجنسي، فأحرى أن يعني الحب و الاشباع الجنسي معا، كما وجده البطل "التهامي" عند "زينب".. بعد طول تنقيب..

الفيلم أيضا يتحدث عن أسرة تقليدية تحت "رحمة" الأب المتسلط و رغبته في فرض تصوره على كل أفراد العائلة، و هذه اشارة لبنية المجتمعات المتخلفة التي تنتج الاستبداد في السلطة، هذه الأخيرة مثلها "مقدم الحومة"، في دور أداه بشكل رائع الممثل ادريس الروخ، خصوصا عندما كان يتصرف بصفاقة بدعوى أنه هو "المخزن"، اضافة الى رجل الأمن الذي يعتدي على المواطنين بدون أي سبب..

عندما لا نشاهد "جناح الهوى" الا لكي نتحدث عن "حبة الطماطم" في فم الجميلة وداد إلما، ثم نقترح "تعدد الزوجات" كعلامة على أننا لم نفهم شيئا، فهذا فقط دليل اضافي على أننا نتطفل على أشياء لا نمتلك فيها علما و لاخبرة، و عندما نكتب مقالا ننصح فيه المغاربة بتعدد الزوجات، مع العلم أن كثيرا منهم يتمنون فقط واحدة لمن استطاع اليها سبيلا، فهذا يعني أن مستوى الغباء قد وصل مستويات شاهقة عندنا، و عندما ينصح بعضنا (بعد كل هذا الجهل) القناة الثانية بأن تأخد "رأي" السلفيين بعين الاعتبار، فهذا مغزاه سفه كبير وعدم قدرة كلي على التمييز.

"السلفيون" في كل العالم الاسلامي، لم يستطيعوا انشاء قناة تلفزية واحدة تحقق في بلدها نسبة مشاهدة تتعدى خمسة بالمائة، كما لا نعرف فيهم مخرجا سينمائيا مقتدرا واحدا، و لهذا فهم في موضوع التلفزيون والسينما هذا، ليسو مؤهلين ل"الافتاء"، عطفا على عدم أهليتهم لتولي كثير من الأمور في عصر الناس هذا، تماما كمن يريد "استغلالهم"، في موضوع القناة الثانية كما في غيره، ل"التقلاز".. من تحت الجلابة..