ثقافة وفن

كيف أزاحت ‘‘ العربية ‘‘ قناة ‘‘ الجزيرة ‘‘ عن عرش المتابعة التلفزيونية ؟

سعيد نافع الاثنين 06 فبراير 2017
maxresdefault
maxresdefault

AHDATH.INFO - إعداد سعيد نافع

قناة العربية هي قناة فضائية إخبارية سعودية وجزء من شبكة إعلامية موسعة، تضم منابر إعلامية مكتوبة ومسموعة، وتستكمل بقناة إخبارية موسعة هي قناة ‘‘ الحدث ‘‘.  عند انطلاقتها كانت القناة تبث من الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي بمصر، ثم تحولت فيما بعد للبث من مدينة دبي للإعلام بالإمارات العربية المتحدة، وتهتم هذه القناة بالأخبار السياسية والرياضية والاقتصادية مع تركيز على السعودية وشؤونها الداخلية.

تأسست العربية على يد الشيخ وليد الابراهيم في مارس 2003 . وتولى إدارة القناة حين إنشائها وزير الإعلام الأردني السابق صالح القلاب، حيث بدأت بتغطية الحرب على العراق، ثم تولى الإدارة الإعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد بعد أن ترك رئاسة تحرير جريدة الشرق الأوسط وذلك بعد مرور عام على تأسيس القناة، وأخيرا عين على رأس إدراتها الصحفي والإعلامي السعودي المتميز تركي الدخيل.

بعد صدور دراسة قبل سنوات، كشفت عن بداية توسع نسب المشاهدة وارتفاعها في العالم العربي من حيث الإقبال على المشاهدة، كان عبد الرحمن الراشد ، مدير ‘‘العربية‘‘ في تلك الفترة أول من حاول التخفيف من وقعها قائلا ‘‘ خلال السنوات الأولى للبث، نأت العربية بنفسها طويلا عن سؤال المنافسة مع القطرية الجزيرة وباقي القنوات الإخبارية الأخرى سواء من داخل المنطقة العربية أو خارجها، وحاولت التموقع خلف الاعتبارات المهنية، وتوجيه موادها الإعلامية بطريقة أقل صخبا أو مجاراة للمفاهيم الشعبوية لدى المشاهدين ‘‘. فبحسب الدراسة ميدانية أجرتها مؤسسة إبسوس ستات المتخصصة في أبحاث الإعلام المرئي علي عينة من سكان ومواطني المملكة العربية السعودية ودول الخليج والشرق الأوسط في الفترة ما بين 28 يونيو وفاتح غشت 2006 كانت قناة العربية المصدر الأول للأخبار هناك، وفي دراسة أخرى أجريت على سكان العراق حصلت قناة العربية على المركز الثاني كمصدر للأخبار بعد قناة العراقية.

وبحسب دراسة قامت بها ‘‘ألايد ميديا‘‘ في نهاية أبريل الماضي فإن عدد مشاهدي قناة العربية يقدر بـ 23,396,120 مشاهد، في حين أن عدد مشاهدي ‘‘ الجزيرة ‘‘ توقف عند حاجز ال23 مليون مشاهد .

سوريا تخلق الفارق

أظهرت دراسة أحدث هذه المرة ( ماي 2016 ) قام بها مركز التعاون والانتقال الإعلامي بالتعاون مع فريق من الباحثين في الجامعة الأميركية في بيروت، بإشراف البروفسور جاد ملكي، وبتمويل من وزارة الخارجية الألمانية، بعنوان دراسة الجمهور السوري، تفوقاً مطلقاً لقناة العربية الإخبارية، إضافة إلى حضور ملحوظ ولافت لشقيقتها قناة "الحدث"، الخدمة الإخبارية الموسعة من "العربية" التي نافست قنوات إخبارية معروفة، لدى الجمهور السوري داخل سوريا وخارجها، وطبقاً للدراسة التي سلطت الضوء على استخدام السوريين لوسائل الإعلام داخل سوريا والدول المجاورة لها، شمل استطلاعات رأي لأكثر من 1400 مواطن سوري في مناطق داخل سوريا (دمشق، دير الزور، حماة، حمص، الرقة، والمناطق الكردية في شمال سوريا)، وفي مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا.

وظهر التفوق المطلق لقناة  العربية من ناحية التأثير والمتابعة والمصداقية، بفارق لافت عن القنوات الإخبارية الناطقة باللغة العربية في المنطقة أو الموجهة إليها، في ظل هيمنة القنوات التلفزيونية على ثقافة استهلاك المحتوى الإعلامي لدى السوريين، فهي الوسيلة الأكثر شعبية عند الجمهور السوري، حيث يمضي "أكثر من نصف السوريين أكثر من ساعتين يومياً في استهلاك المواد الإخبارية والترفيهية من خلال التلفزيون والإنترنت، في مقابل أقل من ساعة يومياً على الصحف والراديو"، وذلك طبقاً للدراسة نفسها. وجاءت قناة "العربية" في المرتبة الأولى، بفارق ملحوظ عن أقرب منافسيها، حيث تلتها "الجزيرة" في المرتبة الثانية، ثم قناة "أورينت" الفضائية المعارضة في المرتبة الثالثة. وجاءت قناة "سما" السورية الموالية للنظام في المرتبة الرابعة، في حين نافست قناة "الحدث" المولود الجديد لقناة العربية، قنوات إخبارية أخرى مثل "بي بي سي"، "الإخبارية السورية"،  و‘‘سكاي نيوز- عربية‘‘ و ‘‘الفضائية السورية"، قناة "الجيش السوري الحر"، "المنار"، "حلب اليوم‘‘ . و حتى خارج سوريا، ظلت "العربية" بحسب الدراسة المصدر الأكثر متابعة، والأكثر ثقة لدى المشاهد المهتم خارج سوريا، وتحديداً في مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان، مما يظهر تفوقاً مطلقاً لقناة "العربية" في الشأن السوري حضوراً ومتابعة وتغطية ورصداً وسبقاً إخبارياً .

 

Capture

 

عثرات المنافس

أثار إعلان قناة الجزيرة القطرية في 27 مارس 2014  التخلي عن حوالي 500 موظف من طاقمها، التساؤل عن السبب وراء هذا التسريح الضخم، الذي يصل إلى 10% من عمال المؤسسة. وتناسلت الأسئلة آنذاك حول مغزى هذا الإجراء خصوصا وأن القناة القطرية دائما ما كانت تتبجح بعافيتها المهنية والتواصلية مع قطاع واسع من المشاهدين في الشعوب العربية. وطرح التساؤل هل يرجع لجوء القناة لتخفيض بهذا الحجم إلى عجز في التمويل، أو نقص في المصداقية، أو إلى تراجع في الانتشار. إلى أن نشر الموقع الهولندي المتخصص في نسب متابعة القنوات العالمية الأكثر تأثيرا في مناطق جغرافية مختلفة من العالم، موقع ‘‘ فاناك ‘‘، دراسة خلصت في نهايتها إلى أن قناة الجزيرة الممولة من قطر باتت تفقد بريقها، وهو أمر يعزوه الخبراء في الحقل الإعلامي إلى مشاكل في مصداقيتها، عوضاً عن الثورة في وسائل الإعلام الرقمية. بالمقابل قال مصطفى سواق، القائم بأعمال مدير عام شبكة الجزيرة الإعلامية بالوكالة، إنّ الشبكة اضطرت لاتخاذ هذه الخطوة بتسريح الموظفين للحفاظ على مكانتها ” في ضوء التغييرات الكبيرة الجارية على الساحة الإعلامية العالمية.”

وتظهر الدراسة تراجع متابعة القناة الإخبارية أمام وسائل إعلام أخرى ظلت الجزيرة منافسها الأبرز، ففي البحرين كان غوغل، أكثر من أي هيئة إعلامية رئيسة، أكثر الوسائل الإخبارية شعبية، بنسبة مشاهدة تصل إلى 26%، وحلت الجزيرة في المرتبة الأخيرة بنسبة 4% فقط، بعد البي بي سي وتويتر. أما في مصر فحصدت كل من قناة الحياة والقناة المصرية الأولى ما نسبته 23% من المشاهدة لكلٍ منهما، فيما احتلت قناة سي بي سي المرتبة الثالثة بنسبة 21% وجاءت الجزيرة في المرتبة الرابعة بنسبة 20%. وفي تونس، كان الفيسبوك أكثر الوسائل الإخبارية شعبية بنسبة 52%، بينما تذيلت الجزيرة القائمة بنسبة 9%.

باسم الطويسي، عميد معهد الإعلام الأردني يحلل الموقف من وجهة نظر إعلامية بحتة قائلا ‘‘  إن صناعة المحطات التلفزيونيو الفضائية شهدت طفرة بعد عام 2010، حيث ازداد عدد القنوات التلفزيونية من 450 إلى حوالي 1,400 عام 2015. وقال طويسي إن 91% من هذه القنوات مملوكة للقطاع الخاص، في حين أن الباقي مملوك للدولة. وأرجع الإعلامي الأردني هذه الطفرة إلى تأثير الاستثمار السياسي في صناعة الإعلام، وليس المنافسة، مبينا أن قيمة الاستثمار في المحطات التلفزيونية يتجاوز حاجز الـ25 مليار دولار، فيما لا تتجاوز عائدات الإعلانات 1,5 مليار دولار سنوياً. وأوضح طويسي أن شبكات الأخبار الإقليمية البارزة في العالم العربي، شهدت انخفاضاً في شعبيتها بين المشاهدين، بسبب قضايا تتعلق بالمصداقية، ما أدى إلى إنشاء قنوات وطنية قومية في عامي 2013 و2014، خاصة في مصر والعراق وتونس. وأضاف أن الشبكات الإخبارية كانت تقود وسائل التواصل الاجتماعي، أما اليوم فقد تغيرت الأمور، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تملك زمام المبادرة،” مشيراً إلى أنّ التأثير المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي في الدول العربية أضعف شبكات الأخبار التي كانت تتمتع في السابق بالشعبية.

 

1280x960

معالجة مختلفة

حين أطلق الشيخ وليد «العربية» في فبراير عام 2003 وصفها بالقناة التي تسعى لتقديم خيار بديل أكثر اعتدالا عن قناة «الجزيرة»، وهدفه وفقا لما قاله الشهر الماضي هو وضع العربية بالنسبة إلى الجزيرة في الموقع نفسه الذي تحتله ‘‘سي.ان.ان‘‘ من ‘‘فوكس نيوز‘‘ كمدخل لبث إعلامي هادئ ومتخصص معروفة بالتغطية الموضوعية وليس الآراء التي تقدم في صورة صراخ. وقال إنه يعتقد أن السوق مستعدة لبديل. وأضاف أنه بعد أحداث 11 سبتمبر وأفغانستان والعراق يريد الناس أن يعرفوا الحقيقة وهم لا يريدون الأنباء من وزارة الدفاع الأمريكية أو قناة الجزيرة.

دخول قنوات تنافس الجزيرة إقليميا على الخط، قلص بدوره نسب الإقبال على مشاهدة القناة القطرية، كقناة ‘‘ فرانس 24 ‘‘ التي تبث برامجها من باريس، وتسعى لأن تستقطب أكبر شريحة من المتابعين في شمال افريقيا تحديدا. وبالفعل فقد تمكنت ‘‘ فرانس 24 ‘‘ بعد عشرية كاملة من البث، من أن تقنع نسبة كبيرة من المشاهدين في دول المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا بالتخلي عن متابعة الأخبار والبرامج في القناة القطرية، والارتباط شيئا فشيئا، ببرامج وأسلوب معالجة القناة الفرنسية. وأشارت تقارير في 2014 إلى أن فرانس 24 تجاوزت الجزيرة في نسب المتابعة، بالنظر إلى مصداقية برامجها وابتعادها عن رؤية الدبلوماسية الخارجية في العلاقات الدولية.

القيمة الإنتاجية المتقدمة تميز قناة «العربية» عن قنوات إخبارية عربية أخرى. فتصميماتها وصورها لها مظهر ذو تقنية عالية ونشراتها الإخبارية سريعة، حيث لا يزيد كل موضوع عن دقيقتين ونصف الدقيقة، كما أن إيقاعا موسيقيا دراميا يصاحب هذه النشرات.  بالمقابل  يجلس مذيعو الجزيرة وراء مكتب بخلفية مملة ذات بعدين تشبه إلى حد ما خلفية برنامج إخباري أمريكي في السبعينات، بينما تذيع العربية بثها من غرفة أخبار تتميز بالحداثة ذات تصميم ثلاثي الأبعاد من المعدن الفضي والزجاج. وكان لقناة العربية منذ إنشائها نمط مختلف عن الجزيرة. لم يكن في العربية أي شيء يشبه برامج الجزيرة مثل «برنامج الشريعة والحياة» الذي يقدم نصائح للمشاهدين عن كيفية تطبيق الشريعة في حياتهم ‘‘والاتجاه الآخر‘‘ الذي يقدم حوارات شرسة بين أطراف بوجهات نظر متباينة .