الكتاب

خبراء ليسوا كلهم خبراء!

طه بلحاج الخميس 23 أكتوبر 2014
no image

كثرت في هذه الأيام الوجوه التي تطل علينا من الشاشة الصغيرة بهدف تقديم تحليلات وتعليقات على أحداث وطنية وأخرى دولية، ويتعلق الأمر بأشخاص تقدمهم التلفزة على أساس أنهم خبراء مختصين في هذا الميدان أو ذاك، من ميادين السياسة المحلية أو الدولية والمواضيع الاقتصادية.

من هؤلاء أساتذة أجلاء محترمون ولكن آخرين يقولون عن أنفسهم بأنهم مختصون في الشؤون الاستراتيجية يعطون لأنفسهم الحق للتحدث في مواضيع لا قدرة لهم على استيعاب تعقيداتها

ومن الذين اعتادت التلفزة أن تستضيفهم واحد يصر على تقديم نفسه على أساس أنه دكتور يشرف على مركز للدراسات الاستراتيجية وتم اختياره ليحدثنا عن موضوع الساعة، أي التنظيم الارهابي الذي يطلق على نفسه اسم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش).

فهذا الموضوع يحتل هذه الأيام الدرجة الأولى من حيث عدد قصاصا وكالات الأخبار وتحاول كل محطة تلفزية أن تستخرج من هذه القصاصات ما يمكن تقديمه في نشراتها الاخبارية لجعل القراء بقدر الامكان في صورة تطورات الحالة في الشرق الأوسط.

ولأن التلفزة ترغب في تقديم المزيد من المعلومات والتوضيحات بالاضافة إلى ما تحصل عليه من خلال قصاصات وكالات الأخبار فإنها تحاول الاستعانة بأساتذة خبراء أو بمن يعتبرون أنفسهم خبراء بهدف تسليط المزيد من الأضواء على الموضوع من خلال تحليلات وتعليقات لا تتضمنها بالضرورة القصاصات السريعة للوكالات.

لكن في نهاية استضافة التلفزة لمن تعتبره خبيرا في الموضوع تبين أن المعني بالأمر ليس على دراية كافية بتعقيدات قضايا الشرق الأوسط ولهذا اكتفى بتقديم معلومات سطحية يمكن أن يأتي بها أي صحافي مبتدأ.

ويبدو أن المعني بالأمر لا علم له بخطورة الدور الأمريكي والخيوط التي تحركها واشنطن علما بأن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الكبرى في ما آلت إليه أوضاع المنطقة منذ أن شن جورج بوش الابن الحرب على العراق بدعوى البحث عن سلاح الدمار الشامل وفرض نظام ديموقراطي في بلاد الرافدين فكانت نتيجة العدوان الأمريكي هي تفكيك الدولة العراقية وجعل العراق الشقيق يدخل في مسلسل عمليات الاقتتال والفتنة الطائفية وصلت في النهاية إلى قيام «الدولة الاسلامية في العراق والشام».

ويجهل الدكتور المختص في الشؤون الاستراتيجية تعقيدات القضية الكردية وامتداداتها في إيران والعراق وسوريا وتركيا، الشيء الذي يجعل حكومة الطيب أردوغان تفضل ألا تتدخل في الحرب مشيرة إلى أن أمريكا المسؤولة أولا عن استفحال الوضعية في المنطقة عليها أن تعرف كيف تواجه الأزمات المعقدة في المنطقة لا فقط بضربات سلاح الطيران بل بالقيام كذلك بعمليات عسكرية برية ضد دولة داعش.

لهذا لا يحق الحديث عن الوضعية الجديدة في المنطقة على ضوء ظهور دولة داعش في المشهد السياسي بدون ذكر المواقف الايرانية ونفوذ طهران المساندة لنظام بشار الأسد وميليشيات حزب الله في سوريا ولبنان بالاضافة إلى علاقة إيران بتنظيمات الحوثيين في اليمن وما يمثله نفوذهم من تهديدات ضد الأمن والاستقرار في السعودية.

هذه كلها معطيات تؤكد مدى تعقيدات الوضعية المتأزمة في المنطقة العربية ومن الصعب أن يتجاهلها الانسان أو لا يكون له علم بها ومع ذلك فالتلفزة تصر على استضافة أي كان وإعادة استضافة بدعوى تنوير الرأي العام بما يجري في العالم. ويالها من مصيبة.