آراء وأعمدة

نحو تحول في المشهد النقابي؟

طه بلحاج الاثنين 03 نوفمبر 2014
no image

ثمة تطور في النهج الذي تسلكه المنظمات النقابية التي تمارس نشاطها خارج وصاية الأحزاب السياسية. بدأ منذ مدة، وتبلور بمناسبة إضراب يوم 29 أكتوبر. لا يتعلق الأمر بعدد المنظمات النقابية المنخرطة في الإضراب، ولا بالأهداف التي يراد تحقيقها منه، ولا بمشروعية المطالب المرفوعة. تلك زاويا أخرى للموضوع، عسى أن تنكب الأطراف المعنية(حكومة ونقابات) على معالجتها بأسلوب الحوار الهادئ والبناء والهادف، بغض النظر عن تقييم كل طرف لحجم التجاوب مع الإضراب الإنذاري.

التطور المومأ إليه، يوحي بأن تحولا أخذ يمس المشهد النقابي. لقد حدث تغيير مهم في العلاقات بين ثلاث مركزيات نقابية أساسية في البلاد، هي الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والفدرالية الدميقراطية للشغل، كانت في الماضي تعادي بعضها البعض. تتقاذف بالإتهامات وبالشتائم، وتتصارع صراعا انقلب، في بعض الأحيان، إلى عنف شديد.

اليوم، تخلت كل واحدة عن أنانيها، واعترفت بمشروعية الأخريات، فبدا أن منطق الدفاع عن مصلحة الشغيلة، ربما تغلب على منطق المصلحة الخاصة لهذه القيادة النقابية أو تلك. غدت تنسق فيما بينها، وتشترك في صياغة مذكرات موجهة للحكومة، وتتوافق على لائحة المطالب المطلوب الدفاع عنها، وتنظم ندوات صحفية مشتركة، وتخاطب الحكومة بخطاب واحد. توافقت على اختيار الإضراب لإسماع صوتها، وعلى توقيته، وطبيعته، ونظمته بكيفية تشاركية. حرصت على أن يمر في جو سلمي، بروح المسؤولية والمواطنة. يميزها كلها أنها لا تخضع، حاليا، لوصاية، أو تحكم، أي حزب من الأحزاب، وبالتالي لا تنخرط في الأجندة الحزبية الموالية للحكومة أو المعارضة لها، بل تنحصر أجندتها في المطالب الإجتماعية.

قد يقال إن هذا التطور حل متأخرا. فالنقابات فقدت إشعاعها، وجاذبيتها، وباتت لا تؤطر سوى فئة قليلة من الشغيلة، ولم يعد لها التأثير الواسع الذي كان لها في الماضي. لكن، أليس من الممكن أن يخلق هذا التطور، حتى لو كان متأخرا، دينامية جديدة، تغير صورة المشهد النقابي في المغرب؟ هذه الفرضية، ليست مستحيلة. فمن الجائز أن يدخل العمل النقابي في مسار جديد، يعيد له توهجه، ويرجع للعمال والمستخدمين الثقة في التنظيمات النقابية، ويقنعهم بجدوى الانخراط فيها. وقد يكون بداية لتحرر العمل النقابي من الرهانات السياسية للأحزاب، فتصبح النقابات مستقلة، استقلالا فعليا، في برامجها النضالية والمطلبية. ما كان للمركزيات الثلاث أن تصل إلى هذا المستوى من العمل المشترك لو ظلت تابعة للقوى السياسية التي كانت مرتبطة بها في السابق. إذا تحقق هذا التحول فقد يفرض على النقابات التي ما تزال تحت وصاية الأحزاب السياسية الإختيار بين الاستقلال التنظيمي والسياسي، أو التعرض، شيئا فشيئا، للإضمحلال والذوبان. إنه المسار الذي عرفته مجتمعات أخرى، حيث لم تعد الأحزاب (سواء الحاكمة أو المعارضة) تملك أذرعا نقابية توظفها في معاركها السياسية.

الحاصل أن الحركة النقابية تبدو وكأنها تعيش مقدمات تحول لن يكون هينا، بل قد يصبح تاريخيا، شريطة أن يكون هو الأفق الاستراتيجي الذي تشتغل عليه القيادات. إن ما أنجزته تلك القيادات بمناسبة إضراب 29 أكتوبر، ليس سوى مبادرات وحدوية، شكلت تطورا ملفتا للنظر. لكن ذلك الإنجاز، يحتاج، لكي يشكل علامة لأفق تحول حقيقي، إلى المزيد من المبادرات الوحدوية، والبرهنة على أن العمل النقابي مستقل، استقلالا فعليا، عن الأجندة الحزبية، وأنه محصن ضد المزايدات السياسوية، وأن القيادات النقابية منخرطة في تحديث طبيعته وأسلوبه، وإدارة تنظيماته وأجهزته.