بوابة الصحراء

حرب باردة تحوم حول ملف الصحراء المغربية بمجلس الأمن

عبد الكبير اخشيشن الخميس 26 أبريل 2018
907181D6-D96B-4623-8288-815EDBEE7699_cx0_cy10_cw0_w1023_r1_s
907181D6-D96B-4623-8288-815EDBEE7699_cx0_cy10_cw0_w1023_r1_s

بوابة الصحراء: عبد الكبير أخشيشن

أرجأت الولايات المتحدة تصويتا كان مقررا أمس الأربعاء، في مجلس الأمن الدولي حول مشروع قرار حول الصحراء وبعثة المينورسو، وذلك من إجل إعطاء مزيد من الوقت للمفاوضات، بحسب ما أعلنه دبلوماسيون، وحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية فإن دبلوماسيين قالوا: «إن روسيا وإثيوبيا اقترحتا تعديلات على النص بعد أن اشتكتا من أنه يفتقر إلى التوازن، ويعطي موقف المغرب مكانة أكبر».

وأبلغت بعثة الولايات المتحدة مجلس الأمن الثلاثاء بأنها «تحتاج إلى قليل من الوقت للنظر» في التعديلات المقترحة، وأنها تنوي عرض نسخة جديدة من مشروع القرار، بحسب رسالة إلكترونية اطلعت عليها وكالة فرانس برس، وينص مشروع القرار على التجديد لمدة عام لبعثة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة التي تنتهي مهمتها أواخر أبريل الحالي، كما يحدد أسس العودة إلى المفاوضات.

وكما وقع في السنة الماضية، فإن روسيا تتدخل مرة أخري لتخفيف خسائر البوليساريو والجزائر في مشروع القرار الحالي، لأن القراءة الأولية لمشروع القرار الذي كان سيصوت عليه مجلس الأمن أمس الأربعاء، لتجديد ولاية بعثة المينورسو، ظهر الضغط القوي على جبهة البوليساريو لحملها على الامتناع عن اتخاذ أي إجراء، قد يتسبب في زعزعة الاستقرار في المنطقة.

الخبير في الشؤون الإفريقية الموساوي العجلاوي، اعتبر أنه من غير المستبعد أن تمارس روسيا استراتجية وضع اليد على العديد من القضايا الخلافية مع الولايات المتحدة وحلفائها، في إطار تنويع مناطق معاكسة مصالح خصومها، وإن اعتبر أن قضية الصحراء بالنسبة لروسيا ظلت لحد الآن بعيدة عن اعتبارها جزءا من اصطفافات مجلس الأمن، لكن يمكن لتطور الصراع في المجال الجيوستراتجي أن يجعل منها جزءا من هذا الصراع.

لغة مشروع القرار الذي وزعه فريق أصدقاء الصحراء على أعضاء مجلس الأمن الإثنين، بدا متجاوبا مع مطالب المغرب والتعامل مع تحركات البوليساريو بجدية لتجنب أي تصعيد في المنطقة، وهو ما أغضب البوليساريو والجزائر، التي تحركت بكل ثقلها في اتجاه روسيا للتخفيف من خسائره، فالمشروع لم يعالج فقط توغل البوليساريو في الكركرات، بل أيضا محاولاتها لفرض الأمر الواقع في بير لحلو وتيفاريتي، وهي المناطق التي تردد من خلالها أسطوانة الأراضي المحررة، والتي بنيت عليها خطة التحرك، الذي تم قبل اجتماع مجلس الأمن، والتي تصدى لها المغرب بقوة.

الفقرة الثانية مكرر من مشروع القرار، عبرت عن قلق مجلس الأمن، فيما يتعلق بانتهاكات البوليساريو لاتفاق وقف إطلاق النار، وتدعوها إلى الانسحاب فورا من الكركرات. وتعيد هذه الفقرة تأكيد ما جاء في واحدة من الفقرات المتضمنة في التقرير السنوي للأمين العام حول القضية التي دعا فيها الأمين العام جبهة البوليساريو إلى الانسحاب من المنطقة.

اللغة الجديدة التي تشكت منها روسيا وإثيوبيا، بحسب ما نقلته وكالة فرانس بريس، كانت واضحة في تفنيد خطاب الأراضي المحررة، المشروع عبر في الفقرة 2 (Paragraph 2ter) عن قلقه بشأن نية البوليساريو نقل جزء من عملياتها الإدارية من مخيمات تندوف إلى بئر لحلو، ودعها إلى «الامتناع عن أي أعمال مزعزعة للاستقرار».

وإلي جانب الفقرات التي تهم البوليساريو مباشرة، جاءت الفقرة المخصصة لمساهمة دول الجوار في المفاوضات، هذه المرة أكثر وضوحا حيث أضاف مشروع القرار فقرة جديدة يدعو فيها الدول المجاورة (الجزائر وموريتانيا) إلى زيادة مساهمتها في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.

وتبرز أهمية هذ الفقرة في الاحتفال الذي أبداه النظام الجزائري عبر إعلامه، حين اعتبر وكالة الأنباء الجزائرية أن «الجديد في المشروع الأمريكي، هو أنه يتحدث عن «حل يفضي إلى حصول الشعب الصحراوي على حقه في تقرير مصيره، وهو الأمر الذي ترفضه السلطات المغربية بقوة، وتصر على ما تصفه بـ«مشروع الحكم الذاتي»، الذي وقعه العاهل المغربي في العام 2007».
وأضافت الوكالة: «كما يتحدث مشروع القرار عن ضرورة مشاركة جميع الأطراف المعنية بهذه الأزمة، لكن من دون أن يسميها، ويصف مشاركتها بـ«الأمر المهم» من أجل «الدفع بالعملية السياسية»، حيث بدا التركيز في فقرات المشروع على دور الجزائر، وهو ما جعل وكالة الأنباء الجزائرية تعزو ما وصفته بالجديد والإيجابي لها في تشكيلة الإدارة الأمريكية الجديدة.

وقالت وكالة الأنباء الجزائرية إن: «معالم السياسة الأمريكية الجديدة تجاه القضية الصحراوية، بدأت ترتسم في الأفق، بعد تولي جون بولتون، منصب مستشار الرئيس الأمريكي، للأمن القومي، وتجلى ذلك من خلال مشروع القرار الذي تم إيداعه على مستوى الأمم المتحدة من قبل الولايات المتحدة.
ويدعو مشروع القرار الذي تقدمت به واشنطن، الإثنين، أطراف النزاع في الصحراء الغربية إلى «استئناف المفاوضات بين جبهة البوليساريو والسلطات المغربية، من دون شروط مسبقة وبنوايا حسنة»، على حد ما جاء في المشروع، الذي كان موضع نقاش على مستوى الهيئة الأممية.

وإلى جانب هذه الفقرات المزعجة للجزائر، فإن مشروع القرار الأمريكي، انتقل بالتقرير للغة سيكون لها ما بعدها، من بينها استعمال مصطلحات تمهد لتبني لغة تتشابه مع ما وقع سنة 2007.

فمنذ القرار 1754 لعام 2007 الذي يدعو فيه مجلس الأمن الأطراف بطريقة لا لبس فيها إلى العمل على التوصل إلى حل واقعي للنزاع، ستكون هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها نعوت كـ«الواقعية» و«العملية» في مثل هذا القرار.

وتبدو بصمات المجهود الدبلوماسي المغربي، وواقع الحال الذي تعرفه المناطق الجنوبية متفهمة في المشروع، لأن مطالب البوليساريو تصطدم مع الواقع على الأرض، ومع حرص المغرب على الدفاع عن وحدته الترابية مهما كلف الثمن، وهو ما دفع العديد من المراقبين والمتخصصين إلى الإقرار بعدم واقعية إقامة دولة مستقلة في جنوب المغرب. وذلك ما عبر عنه المبعوث الشخصي السابق للأمم المتحدة في الصحراء، بيتر فان فالسوم، الذي قال في مقابلة مع صحيفة «الباييس» الإسبانية في غشت 2008، إن إقامة دولة جديدة في جنوب المغرب أمر غير واقعي.

القضية الثانية التي استدعت تحركات قوية للجزائر لتدخل روسيا تتعلق بوظيفة المينورسو الحالية، والتي كانت موضوع جدل قوي مع المغرب في عهد بان كي مون، والتي أفضت لطرد جزء من مكونها، حيث تبدو المناقشات الدائرة في مجلس الأمن حول وظيفة المينوروسو مفضية لتحديد وضع القضية الحالي.

والحديث في المشروع عن حاجة بعثة المينورسو إلى «مواءمة تركيزها الاستراتيجي وتوجيه مواردها لهذا الغرض» يعكس جزءا من روية المغرب، والتي كانت موضوع نقاش حاد بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة بشأن مهام وولاية المينورسو. وقد وصل هذا الجدل إلى مستويات غير مسبوقة عندما قام المغرب بطرد المكون المدني لبعثة المينورسو في أبريل 2016، بعد البيان المثير للجدل الذي أدلى به الأمين العام السابق، بان كي مون، ووصف فيه وجود المغرب في الصحراء المغربية بأنه «احتلال».

فالصيغة الجديدة والتركيز على إعادة توجيه موارد بعثة المينورسو، يصب في صالح المغرب، وهو ما يرعب الجزائر والبوليساريو، لأن ما يترتب عن تحديد المهمة سينعكس في العمق على مسارات مهمة فيها، السؤال المطروح الآن حول ما ستنتزعه روسيا لفائدة البوليساريو والجزائر.

في أبريل 2016، كانت روسيا قد قوضت إجماع مجلس الأمن، عندما امتنعت عن التصويت لصالح تجديد ولاية المينورسو. وبالإضافة إلى ذلك، فقد لعبت دورا بارزا مع أوروغواي وبوليفيا في العام الماضي لإعاقة جهود مجلس الأمن لاتخاذ قرار قوي ضد خروقات البوليساريو في الكركرات.

وقد انصبت معظم المناقشات حول قرار العام الماضي حول قلق روسيا من كون مشروع القرار كان منحازا بشكل كبير للمغرب. ومن غير المستبعد أن يعيش مجلس الأمن سيناريو السنة الماضية ذاته، ما لم تستطع كل من فرنسا والولايات المتحدة إقناع روسيا بضرورة اتخاذ موقف حازم ضد البوليساريو لتفادي اندلاع حرب في المنقطة.