ميديا

#ملحوظات_لغزيوي: ياصبر أيوب !

بقلم: المختار لغزيوي الأربعاء 28 نوفمبر 2018
5bfbdfa62100009c06ca29d4
5bfbdfa62100009c06ca29d4

AHDATH.INFO

ماتعرضت له زوجة اللاعب أيوب الكعبي، عقب نشر صور زفافها من حقد ومن عنصرية مقيتة على مواقع التواصل الاجتماعي، أمر من المفروض أن يخجلنا جميعا، وأن يشعرنا بأن ثمة  أشياء كثيرة غير سوية نحياها ونعيش معها ونتصورها طبيعية وعادية

بعض المرضى وجدوا مايكفي من قلة المروءة وانعدام الحياء لكي يتسللوا بين الرجل وبين زوجته، ولكي يجدوا عبارات نابية كشفوا بها عن معدنهم السيء، وأكدوا لنا مرة أخرى أن التربية أمر أساس في بناء مجتمع سليم من الأمراض خال من العيوب، مستوعب للجيد مقبل عليه، ومتفهم للسيء معرض عنه

ومع الإدانة الكاملة لتمظهر الحقد والحسد هذا، ومع التنديد بقوة بالعنصرية الكامنة في أعماق بعضنا، والتي لازالت تمنعه من عيش العصر الذي نحيا فيه، لابد من التأكيد على أن المسألة متجذرة فينا وأنها أصبحت عادية نطبع معها ونعتقدها هي القاعدة وماعداها هو الاستثناء

تريدون دليلا على الأمر؟

يكفي أن ترى كيف يتعامل عدد كبير من أبناء جلدتنا مع المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء. يكفي أن تسمع التسمية التي يطلقون عليهم لكي تفهم أن العنصرية ليست مجرد تدوينة أو تغريدة حاقدة عابرة في تويتر أو فيسبوك، نَفَّسَ بها مريض أو مريضة عقدة حياتية لديه لا يجد سبيلا آخر لتصريفها غير سب الناس وشتمهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي

لا، هو مرض حقيقي ينخر المجتمع ويمنعه من النظر إلى كل أفراده بعين المساواة، ويمنح أقلنا نجاحا في الحاة إمكانية الانتقام ممن يفوقونهم بالتركيز إما على اللون أو على الجنس أو على الدين معتقدين أنهم بالانتقاص من اختلاف الآخر يستطيعون أن ينتقموا لفشلهم ومن نجاحه.

المشكلة تكبر عندما نسمع الآباء والأمهات في المنازل يتحدثون بهاته العبارات العنصرية أمام صغارهم، مانحين إياهم الإذن بترديدها مستقبلا، ومدخلين إلى عقولهم الصغيرة أن هاته العنصرية هي الأصل فينا وأن ماعداها أمر لايعنينا نهائيا

المفارقة المضحكة هي أننا مجتمع إفريقي لا ننتمي للدول الاسكندنافية ولا لأمريكا الشمالية، بل جذورنا الأولى في إفريقيا ومعالم أغلب أهلنا تنتمي إلى هاته القارة، ومع ذلك لدينا هاته القدرة على هذا "الانزياح"  الغريب حد نسيان أنفسنا ونسيان قارتنا ونسيان ملامح وجوهنا لكي ننال من الآخر الذي نعتبره مغايرا عنا (أقل منا بشكل أو بآخر)  ولكي نسبه ونشتمه باختلافه هذا

كثير من الأحاديث الكبرى التي ننخرط فيها عن وعي أو عن غير وعي ترسب في اختبارات يومية صغيرة مثل هاته. وكثير من محترفي ترديد الكلام الكبير لدينا، تفضحهم أحيانا كلمة بسيطة تصدر عنهم دون انتباه تكشف عمق التفكير، أو حركة تقزز عابرة أو شيء من هذا القبيل يؤكد لنا أن المعركة لأجل التربية التي لا نمل من الحديث عن أهميتها في بناء مجتمع خال من العقد والأمراض هي المعركة الأهم التي تنتظرنا وأن كل ماعداها يستطيع الانتظار.

هذه مجتمعات تعتبر الاختلاف الديني كفرا مع أن الدين ينص على أنه رحمة، وأنه لا إكراه في الدين، وهذه مجتمعات تعتبر الاختلاف الجنسي مرضا وتسحل من تعتبرهم "مصابين به"، ولا تترك لهم حتى فرصة عيش حياتهم الفردية مثلما يتصورون. وهذه مجتمعات تعتبر الاختلاف السياسي إما مؤامرة مؤدى عنها أو دفاعا مؤدى عنه، ولا ترى فيه أي تصور مغاير من الضروري أن تتقبله، وهذه مجتمعات تعتبر الاختلاف في اللون مسايرا لبيت أبي الطيب المتنبي عن العبد الذي يجب أن تشتريه والعصا معه، وترى أن المسألة عادية ولا تتطلب كل هذا الكلام، وهذه مجتمعات تعتبر الآخر - بكل أنواعه - عدوا لها فيما هي تمتلك عدوا واحدا فقط هو هذا الجهل الذي يضربها في مقتل، والذي يمنعها من التفكير بمنطق العصر الحديث وبآليات العصر الحديث، وبأفكار العصر الحديث

هل بقينا على قارعة الطريق نحو الحضارة، مهملين وغير قادرين على امتطاء الركب؟

السؤال لا أهمية له إطلاقا لأن إجابته معروفة، ولأننا تحدثنا طويلا فيما كانت الناس تشتغل وجلسنا مع بعضنا البعض ندردش ونتذكر الأمجاد الخالدة الخالية، فيما العوالم الأخرى تمضي قدما نحو الدخول إلى المستقبل.

لذلك لامفاجأة إطلاقا إن كان أكبر قدر من البدائية يوجد في هاته الأرجاء معششا في أذهان قتلها الجهل، وملأها  الاعتداد الفارغ باللاشيء، وجعلها مقتنعة أنها خير أمة أخرجت للناس، مع أن سؤال كبيرا يطرح حول انتمائها فعلا لهاته الأمة، وحول مدى فهمها أصلا لكلمة الأمة، وحول عديد الأشياء

طيب…باستثناء الصبر الطويل والجميل على كل هذا الجهل، هل من حل؟

نعم، وهو يوجد داخل كل واحد منا ووسط أسرة كل واحد منا، وهو يحمل إسما دالا  للغاية: التربية ولا شيء غير التربية.

البقية كلها تفاصيل تقنية صغيرة يمكن العثورعليها في أقرب بقالة. وحدها التربية يصعب العثور عليها إلا داخل كل واحدة وداخل كل واحد منا أيتها السيدات والسادة