كلمة الأحداث المغربية

تحرير أسعار المحروقات ليس فخرا!

حكيم بلمداحي الاثنين 11 مارس 2019
بنكيران1
بنكيران1

AHDATH.INFO

غضب عبد الإله بن كيران من إدريس الكراوي، لأن مجلس المنافسة الذي يرأسه اعتبر قرار تحرير أسعار المحروقات خطأ.

ابن كيران لجأ إلى سلاح «اللايف»، الذي استسهله واستحلاه، ليعبر عن سخطه على رئيس مجلس المنافسة، وليقول له إن «أمر تحرير الأسعار لا يهمك، فذاك قرار سياسي وأشغالك كما يحددها القانون لا تطال قرارا سياسيا اتخذته كرئيس للحكومة».

لست هنا للدفاع عن الكراوي، كما لا أريد أن أخوض في مدى قانونية تدخل رئيس مجلس المنافسة في الموضوع، لكن المثير للانتباه هو هذا الغضب، الذي ينتاب رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران كلما وجه انتقاد لحكومته. وكأن ابن كيران يريد أن يقول لنا: «لا أحد يتحدث عني فأنا قمت بواجبي وانتهى الكلام».

لكن ما يخيف حقا هو أن يكون عبد الإله بن كيران متيقنا في قرارة نفسه من أن قراراته الحكومية، ومنها تحرير أسعار المحروقات، صائبة ولا عيب فيها. هنا سنكون أمام أمر سيكولوجي لا أرغب في وصفه أو الحديث عنه.

غير أنه، وسواء رضي ابن كيران أم لم يرض، فإن هناك شبه إجماع مغربي في التعبير عن أن مسألة تحرير أسعار المحروقات بالشكل الذي تم به، كانت خطأ. هذا الرأي عبر عنه، أيضا، وزراء كانوا مع ابن كيران في الحكومة، بل وينتمون إلى نفس حزبه.

أمر آخر لم ينتبه له ابن كيران، هو السخط العارم للمواطنين من تحرير أسعار المحروقات، والذي تم على حساب معيشة المواطنين. المحروقات التي تعتبر المؤشر والمحدد الرئيسي لكل الأسعار، وهذه قاعدة يعرفها الجميع، كان لتحريرها الأثر الكبير على معيشة المواطنين.

ابن كيران، الذي دافع بشراسة على قرار تحرير أسعار المحروقات وما زال يدافع عن ذلك، ينطلق من الضرورة التي كانت مفروضة عليه لخلق التوازنات المالية للدولة. غير أن رئيس الحكومة السابق، وكما يقال بالدارج المغربي «شاف الربيع ما شاف الحافة». لقد بينت الأيام، وبالسرعة الفائقة، خطأ القرار، وتبين أن المستفيد الرئيسي منه هي الشركات الكبرى، ورأس المال بصفة عامة، في حين خسرت الفئات الشعبية الفقيرة وخسرت الطبقة المتوسطة.

أكيد أن ميزانية الدولة تخلصت من عبء مالي كبير، غير أن العملية لا يجب أن تحسب بهذه الطريقة.

المفروض أن من مهام الحكومة الرئيسية هي تحقيق الرفاه لمواطني بلدها، والسهر على تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. غير أن هذا الأمر يستحيل تحقيقه بقرارات تغرق في الإذعان لتوصيات صندوق النقد الدولي، وعدم اعتبار  وضعية الشعب والمواطنين. قد يتجرأ رأي براغماتي اقتصادي ويقول إن صندوق النقد الدولي لا يفرض علينا شيئا، وأن سيادتنا محفوظة، وأن العقل يقتضي بعض الحسم في عديد من القضايا، وغير ذلك من التبرير، غير أن بلدا يتسع فيه هامش الهشاشة باستمرار يقتضي شجاعة كبيرة وتصورا سياسيا، لو اتبعه ابن كيران لحق له اليوم أن يخرس كل صوت منتقد. لكن للأسف هذا لم يحدث، لم يقم ابن كيران سوى بدعم التوجهات الليبرالية المتوحشة التي توسع الهشاشة ولا تحد منها. ولم يقم بتوسيع حماية الدولة لمواطنيها، وعدم نفض يدها من قطاعات اجتماعية أساسية في بلد كالمغرب…

لقد كانت لابن كيران الجرأة في إخراج قرار من حجم تحرير أسعار المحروقات لحيز الوجود، بعدما عجزت عن ذلك حكومات سابقة، حتى في عز ما سمي بالتقويم الهيكلي. لكن هذا الأمر ليس مدعاة فخر للرجل، من منظور الفئات الشعبية التي تزيد مثل هذه الاختيارات الشرسة من بؤسها، وأما رأس المال فهو كالمنشار يأكل أنى تحرك...