آراء وأعمدة

المحامي الهيني يكتب عن: السلطة القضائية "المظلومة"

بقلم: محمد الهيني السبت 29 يونيو 2019
A6B9EEC0-BC08-408E-83FB-75D4A8798EA4
A6B9EEC0-BC08-408E-83FB-75D4A8798EA4

إن سلوك الحكومة إزاء التقاعس عن إصدار مشاريع المراسيم والقرارات المتصلة بتدبير الجانب المالي للوظائف والمسؤليات القضائية أو تفعيل الاستقلال المالي لمؤسسة النيابة العامة أو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لا يمكن تفسيره إلا في مسلسل التضييق على ولادة حقيقية للسلطة القضائية، والرغبة في إخضاعها والتأثير عليها لتكون تابعة للسلطة التنفيذية بدون أي استقلالية تذكر، وبالتالي الحكم عليها بالفشل انتقاما من حلم الاستقلالية الذي طالما تمنينا أن نراه واقعا وحقيقة لذر الرماد في الأعين كما تبتغي الحكومة.

ومما لا شك فيه فآن توازن السلطات وفقا للدستور يقتضي تقسيم مالية الدولة على السلطات الثلاث بشكل متوازن، ويفرض أن ينال القاضي أجر رئيس الحكومة كممثل للسلطة التنفيذية ورئيسي البرلمان كممثلي السلطة التشريعية.

لكن ما نعيشه اليوم من التضييق المنظم والممنهج على السلطة القضائية وأعضائها يثبت باالقطع عدم وجود أي نية للحكومة في تنزيل الاستقلال المالي وتحصين القضاة، اقتصاديا واجتماعيا، تبعا لمركزهم وكرامتهم وكرامة الرسالة التي يشغلونها لقطع الطريق على أي منفذ يمس تخليق مرفق القضاء ونزاهته والثقة المفترضة فيه.

حاصل القول اليوم إن السلطة القضائية في مفترق الطرق ويراد تحجيم دورها من طرف حكومة العدالة والتنمية لإقبار استقلاليتها وإهانة أعضائها لتكريس تبعيتها للسلطة التنفيذية، لاسيما أن كل الميزانية التي كان يتم توفيرها لوزارة العدل، سابقا، إبان رئاسة وزيرهم للعدل لها، انقطع صبيبها اليوم وكأنه يراد الانتقام من الفصل بين وزارة العدل والسلطة القضائية للحنين نحو التبعية.

فرغم تقديرنا لدور وزير العدل الحالي وحسن نيته في تدبير المرفق، إلا أن الحكومة غير مبالية بأهمية توفير شروط استقلال السلطة القضائية وانضاج التجربة وإنجاحها لصالح الاستقلال المؤسساتي المالي الحقيقي، وليس الصوري، ولصالح ضمان كرامة القاضي.. ويدخل ضمنها تحصينه ماليا بمراجعة الأجور بشكل دوري وضمان حصوله على التعويضات عن الوظائف والمسؤليات حتى يبت في القضايا ويحكم بضمير، لأن الضمير وحده لا ينفع. فالاستقرار المادي هو عنوان الكرامة والضمير والثقة والإحساس بالمسؤلية، لأن الشجاعة لا تكفي إذا كان القاضي غير محصن من مغريات الوظيفة.. فعلى الحكومة أن تحاسب نفسها في هذا المضمار.

لقد ثبت جليا من تنطع الحكومة وظلمها للسلطة القضائية أنها تقول للقضاة إن الاستقلالية لا تنتج بالقانون، وإنما بإرادتي التي يمكنها أن تعصف بأي شيء، طالما أنها تملك مفاتيح الرزق، ومصادر التمويل مما يجعل مطلب الاستقلال المالي للسلطة القضائية بجميع أجهزتها ومحاكمها وقضاتها وموظفيها، اليوم، هو الفيصل لإثبات الذات، وقطع مداخل التأثير عليها. وفي غيابه فإن الاستقلالية ليست سوى خدعة قد يصدقها الحالمون من أمثالي..