ثقافة وفن

نقاش فرنسة التعليم ومجانيته: مزايدات فارغة

بقلم: المختار لغزيوي الاثنين 22 يوليو 2019
files-6
files-6

AHDATH.INFO

إنهم يرفضون فقط إصلاح منظومة التعليم. هذا كل ما في الأمر لاأقل ولا أكثر. هم يرسلون أبناءهم إلى مدارس البعثات الأجنبية والمدارس الخاصة، وينفقون عليهم أموالا كثيرة لأجل أن يلقنوهم اللغات الأجنبية. لكنهم بالمقابل يريدون أن يظل أبناء الفقراء في "دار غفلون"، لايعرفون لغات أجنبية ويتعلمون الرياضيات وبقية المواد العلمية بالعربية، وفقط حين الانتهاء من الدراسة الثانوية وحين الرغبة في الدخول إلى الجامعات ينتبهون إلى المقلب الذي شربوه، ويجدون أنفسهم ملزمين بتعلم اللغات الأجنبية من جديد

حكاية القانون الإطار الخاص بالتربية والتكوين تصلح لكي تختزل لنا النقاش بأكمله من بدئه حتى المتم: أناس تسللوا إلى مؤسسات الدولة ولديهم تصور معين للمجتمع يختلف تماما عن تصورنا، ويريدون فرض هذا التصور وإن أدى بهم الأمر إلى تجييش الشعب والكذب عليه، وتقديم إصلاح ضروري باعتباره انتصارا للغة المستعمر.

هم يعرفون مع من يتحدثون، ويتصورون أن القاعدة الانتخابية التي تمنحهم أصواتها كل مرة هي قاعدة غير ذكية كثيرا، يكفي أن تقول لها بأن هناك حربا على الهوية الإسلامية في البلد وعلى لغة القرآن لكي تصدق ترهاتك.

لكن هذه القاعدة عندما تقول لها بأن السيد عبد الإله ابن كيران مثلا لديه مدرسة خاصة هو وزوجته ستجد نفسها ملزمة بطرح السؤال: "طيب لماذا يقول لنا إنه يدافع عن المدرسة العمومية؟"

هذه القاعدة الانتخابية عندما ستقول لها بأن أغلبية النواب الذي عارضوا تمرير الإصلاح وقالوا إنهم انتفضوا ضده يدرسون أبناءهم في المدارس الخاصة ستطرح السؤال مجددا: طيب لماذا يكذبون علينا؟

هذه القاعدة الانتخابية عندما تقول لها بأنهم يفعلون المستحيل لكي يسجلوا أبناءهم مدارس البعثات الأجنبية والمدارس الخاصة الراقية ويفعلون مستحيلا مضاعفا لكي يتعلم أبناؤهم الفرنسية أولا ثم الإنجليزية ثانيا ثم بقية اللغات الحية فعلا، ستسأل نفسها "واحنا؟ وولاد الشعب؟ ماليناش الله ولا كيفاش؟"

الجواب بسيط: هم يريدون أبناء الشعب في مستوى تعليمي معين لكي يصوتوا عليهم هم بالتحديد، لأنهم يعرفون أن مستوى أبناء هذا البلد إذا ما ارتقى بتعليم مقبول أو جيد، وإذا ما أتقن يوما إعمال العقل لا النقل، وإذا ما انتقل من تقنية الحفظ إلى تقنية الفهم، وإذا ما عرف كل اللغات الأجنبية وقرأ بها كل شيء فلن يصوت للنصابين وتجار الدين أبدا

لن يكذب عليه مهرج بالادعاء إن حزبه لايريد شيئا من هذه الدنيا الفانية وأنهم يريدون الإصلاح فقط مااستطاعوا، وفي الختام نكتشف أن تقاعداتهم المريحة تتضمن أرقاما لم يسبق لنا أن سمعنا بها منذ ولدنا وحتى ننقرض

لن يستطيع تجار الدين حينها أن يقولوا للناس في الحملات الانتخابية : صوتوا علينا وستدخلون الجنة". الكل سيعرف حينها أنهم يريدون فقط دخول البرلمان وأن هذا الشعب لن يدخل إلا "فالحيط" إذا ما واصل الرهان على أولئك النصابين

هم يعرفون أن الحكاية ابتدأت بالتعليم والتربية والتكوين، لذلك يبدون شراسة أكبر هاته المرة، ويكشرون عن أنيابهم ويظهرون وجوههم الحقيقية ويقولولون لنا جميعا "لن تمروا".

نحن نعرفها منذ البدء، وقلناها مرارا وتكرارا: هذه المنظومة التعليمية العليلة، الضعيفة، التقليدية استطاعت أن توصل هؤلاء إلى حيث هم اليوم، وهي إذا ماواصلت الانحدار سيواصلون هم الصعود. انتعاشهم مرتبط بمواصلتها الأفول، لذلك هي بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت.

وعندما ندرك جميعا المقلب ونقول إن نظاما تعليميا مثل هذا الذي نعاني جميعا من آثاره يجب أن نصلحه وإلا فإنا جميعا ذاهبون إلى  زوال، يستلون لنا الألفاظ الكبيرة والشعارات الفارغة ويتهمون الأمة كلها أنها تريد العودة إلى الاستعمار…

الأمة تريد شيئا واحدا: التخلص من التخلف الذي جاء بكم، والذي يفرضكم علينا بديلا واحدا ووحيدا

الأمة تريد أن تعلم أبناءها بلغات العصر كلها، وتريد أن تدخل أبناءها هي الأخرى أرقى المدارس والمعاهد والجامعات، والأمة تريد أن يتمكن أبناؤها من تعليم راق وجيد يشبه التعليم الذي تمكنون أبناءكم منه.

هاته الأمة المسكينة بأبنائها الفقراء هي التي صانت العلم منذ القديم عن الضياع، وهي الأخرى تريد أن يكون لها حق في تعليم رفيع المستوى يشبه التعليم الذي تمنحونه لأبنائكم.

أنتم اليوم تستكثرون على الأمة ما ترون أنه حق لكم ولأبنائكم. وفي هاته فضحتم أنفسكم بأنفسكم: أنتم لا تعتبرون أبناء الشعب لكم أندادا. أنتم تريدونهم أقل منكم ومن أبنائكم لكي تواصلوا البيع والشراء بهم إلى يوم الدين.

لحسن الحظ أن البلد فطن لكم، ولرغبتكم هاته في الاستحواذ لأنفسكم على كل شيء، وفي استكثار كل شيء على أبناء الفقراء.

هي ليست حكاية لغة فقط أو مدرسة عمومية فقط. هي حكاية تصور كامل للمجتمع، اليوم علينا أن نحسمه قبل أن يفوت الأوان...