ثقافة وفن

#ملحوظات_لغزيوي: رفقا بالقوارير!

بقلم: المختار لغزيوي الخميس 05 سبتمبر 2019
nisaa-708x350@2x
nisaa-708x350@2x

هذه المعركة التي تخوضها فرنسا هاته الأيام، ضد العنف الأسري والعنف الزوجي الممارس على النساء، هي معركة تستحق فعلا كل انتباه.

هناك في تلك الأرض البعيدة عنا تحررت الألسنة أخيرا، وقررت أن تواجه المشكل، وألا ترى فيه مجرد معارك يومية عادية بين زوجين أو رفيقين في الحياة، بل اعتداء ممنهجا وغير متناسب القوة بين رجال ونساء، لا يجب أن يظل محصورا بين أربعة جدران، بل من واجب المجتمع - إن كان متحضرا بالفعل مثلما يدعي - أن يخرج إلى العلن، أن يتحدث عنه بكل صراحة، أن يعترف بحجمه الحقيقي وأن يبحث له عن أقصى العقوبات لكي يتوقف، ولكي ينتهي، ولكي لا يصبح في يوم من الأيام أمرا عاديا أو طبيعيا لأن التوحش والاعتداء على من هم أضعف منا لم يكن ولن يكون أبدا أمرا عاديا أو طبيعيا..

في مجتمعات مثل المجتمع المغربي المسألة موجودة بشكل أسوأ. هي تتسربل بلبوس ديني كاذب، أو لنقل بقراءة ظالمة للدين ونصوصه، وتأخذ الآية الكريمة «واضربوهن» من مكانها الأول الذي نزلت فيه، ومن الناس الذين نزلت إليهم، ومن مجتمع الجاهلية الذي خاطبته آنذاك، وتنقلها بشكل تعسفي وغير عالم وغير ديني بالمرة إلى مجتمعاتنا، لكي تمنح بعض المرضى التبرير أو التأصيل للاعتداء على زوجاتهن بمبرر تربيتهن، لكأن المعتدي أصلا يعرف معنى التربية ويقسمها بالعدل على الآخرين.

طبعا بالنسبة للمتطرفة قلوبهم وعقولهم، هذا الكلام لا معنى له، والمراد منه المساس بالثوابت، وما إلى ذلك من الأقاويل التي يتم استلالها فورا لإجهاض أي نقاش ووأده وهو لازال في بذرة انطلاقه الأولى. لكن هذا التعاطي المتطرف لا يجب أن يمنعنا من الحديث عن الموضوع، واعتبار العنف ضد النساء، وخصوصا العنف في منزل الزوجية، الذي تسكت عنه الأسر مداراة أو خوفا من الفضيحة أو رغبة في الإبقاء على الوضع على ما هو عليه أو تخوفا من الاعتراف، بفشل الزيجة وبأن الطلاق هو الحل الأفضل للجميع، أو لاعتبارات أخرى كثيرة يعرفها الصغير والكبير في مجتمعنا (هذا العنف) لا يجب أن يظل مسكوتا عنه، ويجب أن ننخرط فيما انخرطت فيه الحضارة اليوم ومجتمعاتها لكي نعتبره من بين أسوأ الجرائم وأكثرها رعبا على الإطلاق.

لماذا؟

لأنه يقع تحت حماية الأسرة أو تواطئها وهذا هو الأصح، ولأنه يغطي نفسه بالتأويل الخاطئ والجاهل للدين، عندما يعتبر أنه يحق للزوج أن يضرب زوجته، علما أنه لا حق لأحد في أن يضرب أحدا على الإطلاق..

هذا العنف الأسري أو الدائر داخل بيت الزوجية يجب أن يرعبنا وأن نجعله واحدة من المعارك التي تستحق الانتباه لأن أثره لا ينحصر داخل المنزل، بل يمتد إلى الشارع الذي يتلقى الأبناء نتاج هاته التربية العنيفة، وإلى أماكن الشغل حيث تخرج المرأة المعنفة وإلى كل مواطن التقائنا ببعضنا البعض.

وهذا العنف الأسري المسكوت عنه في غالبية الأحوال والمتفق على اعتباره «شأنا داخليا» في المنازل، ينضاف إلى عنف أسوأ نحياه باستمرار وتحياه نساؤنا هو العنف الجنسي، إن لفظيا أو ماديا في الشارع وفي مقرات العمل، مما نتابع بعضا من فصول فضحه مرة عبر قضية رأي عام يتورط فيها نافذون مع مشتغلات لديهم، ومرة عبر جرائم اغتصاب وحشية تهز مشاعر الناس حين اندلاعها، ومرات عديدة عبر كثير من أوجه الانحراف الجنسي الناتجة عن عدم قدرة هذا المجتمع على تحقيق إشباعه الجنسي، وهو أمر غريزي وطبيعي، بالطرق المتحضرة التي اهتدت إليها إنسانية اليوم، ووفق احترام الحريات الفردية بشكل كامل، وعدم اعتبار الجنس مجال نقاش عام يحق لأي فضولي أن يدلي فيها بدلوه، بل التأكيد على أنه أمر يخص الراشدين العاقلين الملقحين مع بعضهم البعض وكفى.

ولعلنا ونحن نتابع ما استجد في عوالم العنف الجنسي على نسائنا في المجتمع سواء لفظيا أو ماديا، نزداد اقتناعا أن كثيرا من القضايا التي تتفجر اليوم في هذا المجال كان ممكنا لها ألا تندلع لو آمنا بالرضائية والحريات الفردية، ولو عملت حكوماتنا (السابقة والحالية) على إلغاء تجريم الإجهاض، ولو تسلحنا ببعض من شجاعة تنقصنا حين اللحظات الحاسمة فعلا، وفقط عندما تقع وقائع معينة نلجأ إلى سياسة التعويم والتمييع التي نتقنها جميعا لكي ندافع عن المنتسبين للقبيلة، ولكي نحرف الكلم عن مواضعه في عديد المرات.

هذ المجتمع لديه مشكل مع نصفه السفلي. هذه الحقيقة البسيطة ستظل مشكلا كبيرا يهدد نصفنا العلوي ويمنعنا من التفكير بشكل سليم في كل شيء أيها السادة...

في كل شيء دون أي استثناء.