ثقافة وفن

توماس فريدمان: اعزلوا ترامب.. أنقذوا أمريكا قبل فوات الأوان

متابعة الاحد 15 ديسمبر 2019
ترامب-1024x576
ترامب-1024x576

AHDATH.INFO

قال الكاتب الصحفي الأمريكي الشهير توماس فريدمان، إن الرئيس ترامب ليس فقط ينبغي عزله، بل يجب عزله إذا أريد للديمقراطية الأمريكية أن تظل سليمة.

وأوضح فرديمان مبررات رأيه هذا في مقال له :

أن الحقائق هنا لم تعد موضعَ شك، حتى إن حلفاء ترامب في وسائل الإعلام والكونغرس ما انفكوا يتخلون إلى حد كبير عن كل ما قد يشكك في الموقف منهم: لقد عطّل ترامب تسديدَ تمويلات مالية جُمعت من دافعي الضرائب الأمريكيين ووجّها الكونغرس لتقوية الجيش الأوكراني في مواجهة روسيا، حتى يوافق الرئيس الأوكراني الجديد على ما أسماه ترامب بـ»خدمة» طلبها منه، وهي إعلان أوكرانيا فتح تحقيق بحق منافسه الأقرب في انتخابات 2020 الرئاسية، جو بايدن، ونجله، الذي كان على صلات بشركة غاز أوكرانية. وعلى ما يبدو فإن ترامب اعتقد أن مجرد الإعلان عن فتح مثل هذا التحقيق سيقتل حملة بايدن في مهدِها.

أعتقد عامةً أن الرؤساء ينبغي أن ينتخبهم المواطنون ويزيحوهم عن السلطة من خلال صناديق الاقتراع. لكن عندما أسمع صراخ المدافعين عن ترامب، «السعي لعزل الرئيس يقوّض إرادة الناس وينقلب عليها»، أقول: «حقاً؟ ماذا بحق الجحيم تعتقد أن ترامب كان يفعل عندما تصرف على هذا النحو مع أوكرانيا؟» لقد انقلب على إرادة الناس حينما تآمر ودبر المكائد لاستخدام أموال الضرائب التي جُمعت من المواطنين لضرب خصمه الأكثر إثارة لخوفه في الانتخابات المقبلة، بدلاً من الوثوق بالناخبين وفي اختيارهم.

لم يُجهض المؤامرة سوى أن مخبراً من دائرة الاستخبارات كشف خطة الرئيس ولفت انتباه الناس إليها، وهو ما اضطره إلى الإفراج عن الأموال التي يحجزها عن أوكرانيا، قبل لحظات من انفجار الموضوع برمته وانكشافه أمام الرأي العام. كان ترامب يشبه سارق البنك الذي وقف موجهاً مسدسه إلى رأس أحد الصرافين، لكنه تفاجأ بصفارات الإنذار تنطلق وصوت سيارات الشرطة يقترب، فهرب من المكان قبل أن يتمكن من دسِّ الأموال في حقيبته.

وعلى هذا النحو، فإنه في حين أن المؤسسين أرادوا الاحتفاظ بحق إزاحة أي رئيس في يد الشعب ومن خلال الانتخابات، فقد أدركوا أنه قد تكون هناك مواقف يصبح حينها عزل الرئيس ضرورةً لحماية ووقاية الإطار ذاته الذي يحكم إجراء انتخابات حرة ونزيهة. هذا الإطار هو الدستور وسيادة القانون، والحالة التي نحن بصددها هي واحدة من تلك الحالات.

إذا قلنا، كما يقول الجمهوريون، إن ما فعله ترامب ليس جريمة تستوجب عزله، فنحن نقول لأنفسنا ولكل رئيس في المستقبل إنه، رغم ما في ذلك من تناقض مباشر مع ما نصَّ عليه المؤسسون في الدستور، فإن من المقبول أن يتعامل مع قوة أجنبية ويستخدمها لترجيح كفة الانتخابات لصالحه. هل يمكنك أن تتخيل مقدار الأموال التي يمكن للمرشحين جمعها من السعودية أو الصين لتوجيه نتيجة أي انتخابات مقبلة لصالحهم، أو كم من النشطاء الإلكترونيين الذين يمكن لروسيا أو إيران تجنيدهم لإشاعة وبث أخبار مزيفة، أو إعاقة عملية التصويت لصالح مرشح ما، أو إثارة الاحتقان والانقسامات؟

إذا حدث ذلك، فستتحطم نزاهة الانتخابات الأمريكية، ولن يتولى أمريكا رئيساً شرعياً مرة أخرى، أي رئيس، سواء أعجبت به أم لم يعجبك، فإنك على أسوأ الفروض تنظر إليه على أنه رئيس شرعي. وسيكون ذلك بمثابة وصفة مثالية لحالة دائمة من الفوضى السياسية، إذ لن تُحترم، على هذا النحو، سلطة أي رئيس في المستقبل إذا بات ثمة اقتناع أنهم جرى انتخابهم بدعم أو تدخل من طرف أجنبي.

لكن هذا عينه هو ما يروج له الجمهوريون بدفاعهم الأعمى عن استغلال ترامب الذي لا يمكن تبريره وطلبه مساعدة أوكرانيا لإسقاط بايدن، ومن خلال ترديدهم لنظرية المؤامرة حول ترامب، والتي أطلقها عملاء روسيون، بأن أوكرانيا هي التي اخترقت رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بـ»اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي» في عام 2016، وليس روسيا. وبلغ الأمر بهم أن زعموا أن خادم أجهزة الكومبيوتر الخاص باللجنة الوطنية الديمقراطية جرى تهريبه وشحنه إلى أوكرانيا قبل أن يتمكن «مكتب التحقيقات الفيدرالية» من فحصه.

قد يكون هذا صحيحاً إذا كنا في مسلسل «The Twilight Zone».

أيها الناس، هل يمكنكم أن تتخيلوا ما يقوله الرئيس الروسي بوتين لنفسه اليوم؟ «يا لي من محظوظ! لم أجعل ترامب فقط يردد نظريات المؤامرة التي أطلقتها، بل بات حزبه كله يرددها! ودون أن يكلفني ذلك شيئاً! من كان يظن أن يتخلى الأمريكيون بهذه السهولة عن دستورهم من أجل رجل واحد؟ يا إلهي، حتى أنا لدي مشرّعون روسيون في برلمان بلدي كانوا ليستقيلوا ولا يجرؤوا على فعل ذلك. ومع ذلك، فإن هذا كله يثبت صحة وجهة نظري: أمريكا لا تختلف عن روسيا في شيء، فأعفوني إذاً من تلك الدروس والخطب».

إذا أقدم الكونغرس على فعل ما يطلبه الجمهوريون، أي التخلي عن عزل هذا الرئيس الذي استغل منصبه للحصول على دعم من قوة أجنبية لضمان انتخابه، وبعد أن رفض تسليم أي من الوثائق التي طلبها الكونغرس وحظر على جميع مساعديه الرئيسيين الذين كانوا على علم بما يحدث الإدلاءَ بشهادتهم، فقد بات من الممكن القول من الآن فصاعداً إن الرئيس غدا فوق القانون.

ويمكن القول حينها إنه لم يعد لدينا منظومة تنطوي على ثلاثة فروع متكافئة للحكومة [تشريعية وتنفيذية وقضائية]. كما لم يعد لدينا فصل حقيقي بين السلطات.

بل يمكن القول حينها إن رئيسنا الآن هو ملك.

إذا فعلنا ذلك، فإن أمريكا التي درستها في صف التاريخ، وأمريكا التي تربيت على قيمها وحبها، وأمريكا التي لطالما احترمها بقية العالم بوصفها منارةً للديمقراطية والعدالة، لن تعود كذلك. ويا للهول، كم سنفتقدها عندما تختفي!

وفي الوقت الذي اختار فيه كل نائب جمهوري ومذيعو قناة  Fox News التخلي عن شرفهم من أجل ترامب، فإني، رغم ذلك، أرى بصيص أمل في الأفق.

إذ وفقاً لما ورد في تقرير نشرته صحيفة The New York Times يوم السبت الماضي، فإن الرؤساء المترشحين لدورة ثانية خلال فترة توليهم لمناصبهم دائماً ما يستفيدون على نحوٍ كبير من الاقتصاد القوي، ومعدلات النمو الكبيرة في عدد الوظائف، وارتفاع متوسط الأرباح في الساعة، إلا أن أرقام استطلاع ترامب لا تشي بذلك: «الواقع أن ترامب لا يتمتع على أي نحو بشعبية ساحقة على أساس ٍ اقتصادي، فقد ظل معدل التأييد الوطني لترامب منخفضاً، حتى إنه انخفض بنحو نقطتين مئويتين ليصل إلى 41% منذ الكشف عن قصة أوكرانيا».

وكتب ترامب في تغريدة، يوم الجمعة، «لقد حققت أسواق الأسهم أرباحاً قياسية»، مضيفاً، «إنه الاقتصاد يا غبي».

نعم، إنه الاقتصاد، يا غبي، عندما يكون لديك رئيس لا ينتهك يمينه بالحفاظ على الدستور وحمايته. لكن إذا قرأت أرقام استطلاعات الرأي اليوم إلى جانب أرقام الاقتصاد، سيتبين لك أن عدداً كبيراً من الأمريكيين أصبحوا يقولون: «إنه الدستور، يا غبي، وعلى عكسك يا سيد ترامب، فإننا نقدّر بعض الأشياء أكثر من المال».

نحن نهتم بألا يكون لدينا رئيس يكذب 20 مرة في اليوم. نحن نهتم بألا يكون لدينا رئيس يهين خصومه ويسخر من مظهر معارضيه وأجسادهم. نحن نهتم بألا يكون لدينا رئيس يستمع لكلام الرئيس الروسي فيما يتعلق بأجهزة المخابرات الأمريكية التابعة له. نحن نهتم بأن يكون لدينا رئيس يقدر موظفي الخدمة غير الحزبيين. نحن نهتم بأن يكون لدينا رئيس يريد أن يكون رئيساً للبلاد بأكملها، لا لقاعدته ومناصريه فقط.

والأهم من ذلك كله، نحن نهتم بأن يكون رئيسنا شخصاً يأخذ قسمه على محمل الجد ويحافظ على الدستور ويحميه. إذ بدون ذلك، سينتهي بنا الأمر في يوم من الأيام مفلسين أخلاقياً واقتصادياً. أما فيما يتعلق بكم من الأمريكيين سيظل شعورهم على هذا النحو حتى يوم الانتخابات، علينا الانتظار لنرى، كما أن ذلك سيعتمد أيضاً على البديل الذي سيطرحه الديمقراطيون. لكن في الوقت الحالي، من الجيد أن نعرف أن عدداً كبيراً لديه هذا الموقف –رغم ثلاث سنوات من رئاسة دونالد ترامب- وأن البلاد لا يزال في قلبها نبض دفاع عن المدنية وقيم المواطنة.