ثقافة وفن

كورونا الجهل : بوخبزة يبتسم ونحن نبكي مرتعبين!

بنعبد الله المغربي الثلاثاء 04 فبراير 2020
maxresdefault
maxresdefault

AHDATH.INFO

الموت مسألة جدية ومحزنة ومؤلمة ولا مجال فيها للضحك وإن سمعت آخر نكات العالم وأكثرها طرافة ومرحا…

لكن الحدوشي «مسكين» رأى فيما يرى النائم، أن الشيخ بوخبزة رحمه الله كان يبتسم أثناء تغسيله قبل الدفن، وأنه كان يتجاوب مع من قاموا بتغسيله، وأولهم عمر الحدوشي فك الله سراح عقله، آمين.

قال القائل بعدها إن فيروس كورونا ضرب المغرب بالتأكيد، لأن جملة مثل هاته لن تند عن شخص إلا إذا كان مقصوفا بالكورونا من درجة بي أو سي بكل تأكيد.

وقد رد عبد الوهاب رفيقي على حلفائه السابقين في الفكر إياه، بكل عقلانية وكل اجتهاد -دالان على أن للرجل عقلا يستخدمه هو الذي أدى به إلى التغيير الشجاع الذي خاضه- بأن عضلتي الفم تعانيان من ارتخاء بعد الوفاة، مايجعلهما يعطيان الإحساس أنهما يبتسمان أو يضحكان.

لابأس بالأمر، فمن حق كل إنسان في هاته البسيطة أن يقول ما يشاء، وقد سار المدعو أبو النعيم على سير الحدوشي في تأبين الشيخ الراحل بوخبزة رحمه الله وقال وهو يخطب في الناس القادمين للعزاء إنه ومن معه ليسوا دعاة فتنة، ولكنهم يريدون تطبيق الشريعة وكفى ولا يرضون بالقوانين الوضعية النتنة (كذا وأيم الله ورب الكعبة).

أهالينا من سكان المغرب الأولين، الأصليين، كانوا يعظمون الموت أيما تعظيم، وكانوا يقيمون له الحرمة التي لا حرمة بعدها. وكانوا يصمتون أثناء الدفن، كأن على رؤوسهم الطير. ولم يكونوا يجدون وقتا كافيا للحديث في السياسة، أو أمور الحياة، أو تقليب أمواج الألم والحزن على الناس بإطلاق مثل هاته العبارات التي تدل على أن هاته الأمة هي بالتحديد الأمة التي ضحكت من جهلها الأمم.

كنا في القديم من الزمان نقرأ «ياسين» جماعة، ونحن ندفن موتانا. كنا نردد اللطيف. كنا نستغفر مولانا وندعو بالصوت العالي لراحلينا بالرحمة والثبات عند السؤال…

أتى علينا حين من الدهر ومن الجهل أيضا، فصرخ فينا الصارخون المتجهمون في قلب مقابرنا وفي عز حزننا أنه لا حق لنا أن نقرأ القرآن، جماعة وبالطريقة المغربية أثناء الدفن. و«علاش بالسلامة آمعلم؟» لأن الأمر بدعة، قالوا، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار!!

استغربنا وحملقنا في بعضنا البعض وتساءلنا من أين تسلل إلينا فكر الخوارج الحمقى هؤلاء؟

حدقوا فينا شزرا وقالوا لنا «الويل لكم والثبور وكل عظائم الأمور إن لم تفعلوا مانأمركم به».

سألناهم: «وبعد تقنين الموت على مزاجكم، وبعد تحريم القراءة الجماعية للقرآن وفرض القراءة القادمة من الحجاز، ما الذي تريدونه أيضا أيها السادة اللطفاء؟»

قالوا لنا «لاتغنوا، ولا ترقصوا، ولا تختلطوا مع بعضكم البعض، ولا تقيموا أعراسا، بل أقيموا في كل حفل عقيقة أو ختان أو عرس أو خطبة مناحة، والزموا صمتا كثيرا واعتمروا السواد وألقوا على مغربياتكم الجميلات برقعا بلون غامق لكي لا يظهرن، وكسروا كل أجهزتكم الإلكترونية ولا تمتطوا السيارات. اركبوا البعير والإبل والحمير والبغال - أعز الله قدر الجميع - ثم حاولوا ألا تفعلوا شيئا جميلا واحدا في حياتكم. أبكوا كثيرا، اذرفوا الدموع فإنكم ميتون لا محالة أيها الملاعين».

قلنا لهم: «نعرف ذلك، بل متأكدون منه. لذلك نغتنم ماشاء لنا الرب من هاته الحياة القصيرة الفانية أن نغتنم».

قالوا «ويحكم إنكم إلى العذاب سائرون، وإنكم لا تدرون ما أنتم بأنفسكم فاعلون". حرموا علينا الاحتفالات البريئة منها والمذنبة. قالوا لنا إن رأس السنة احتفال للنصارى وتشبه مقيت بهم. وقالوا لنا إن الاحتفال بالسنة الأمازيغية وثنية مابعدها وثنية. وقالوا لنا إن أعياد الميلاد بدعة، بل حرموا علينا الاحتفال بعيد ميلاد سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا إنه ليس عيد ميلاده وإن العلماء حول ذلك مختلفون.

في نهاية المطاف حرموا على أنفسهم الحديث معنا، وحرموا على بعضهم البعض الحياة، وحرموا على الأمة أن تتطلع إلى الأمام، وقالوا «قدرها الوحيد هو أن تظل إلى الوراء شاخصة تتمنى أن تعود إليها أيام الجاهلية الأولى، وأن يعم الرخاء بعدها وكثير من السلام».

في نهاية النهاية الخوف الحقيقي ليس من كورونا ولا من غيره من الفيروسات التي يجتهد العلماء الحقيقيون، (لا علماء السواك والكحل في العينين والتفصيل في فنون الجماع)، في العثور لها على علاج في المختبرات التي تقدم الخدمة العظمى للناس.

الخوف كل الخوف من هؤلاء الذين يرون الموتى يبتسمون بين أيديهم أثناء الدفن. الخوف كل الخوف على عقلنا الجماعي من عقل هؤلاء العاجز فعلا عن العيش معنا على قيد هاته الحياة… الآن وهنا.

هذا هو الرعب الحقيقي.