AHDATH.INFO
الثالث من يونيو، تاريخ سوداني ينزلق في الحزن والألم، في هذا اليوم من العام المنصرم تراءى لبعض الذين يعبدون فوهات الرصاص أن يرتكبوا مجزرة في حق شعب جسور ظل يناضل لثلاثين عاما من أجل الحرية والخلاص من جبابرة يرفعون سبابتهم عالية أن «هي لله»، قتلوا وسحلوا ونهبوا وفعلوا كل شيء ضد الإنسانية «باسم الله».
وأنت تتجول في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تنزلق أمامك الأحزان، تارة في شكل كلمات عن ابن أو أخ أو صديق رحل برصاص الغدر، وتارة في شكل صور من استشهدوا في ذلك اليوم المشؤوم، إنه يوم لردم بحر من الأوجاع امتد لاثني عشر شهرا، الضيق يتمدد في كل مكان، كل شبر في أرض النيلين يتحلب الحزن ويلوكه منذ يوم الفجيعة ذاك.
أكثر الصور إيلاما كانت لسيدة تنثر حزنها في الطرقات وهي تحمل صورة ابنها المختفي منذ ذلك التاريخ، بعض الجثث تخلص منها منفذو المجزرة في النيل بعد أن أوثقوها بالحجارة، كأنما الحزن في الكون كله سكن عيني هذه السيدة، يصعب لمن يحمل شيئا من الإحساس أن ينظر إليها مرتين دون أن يتكثف الحزن داخله، تحمل «أم إسماعيل» صورة ابنها في الطرقات آملة أن يتعرف عليه أحد، أو حتى يدلها على مكان «طمر» جثته كي لا تظل دمعتها معلقة بين الأمل وقبر يلفه علم الوطن، إنه الغبن والقهر الذي جعل الوجع يغوص إلى منابع الأفئدة ويفتق سدود الطمأنينة، رغم ذلك لم تيأس «أم إسماعيل» حتى صارت شيئا ثابتا في طرقات الخرطوم كالنيل والأوكسجين والماء، رضع «إسماعيل» هذا الجلد من ثدي أمه ومضى، وقاتله يتمشى بين الناس تحت سماء الوطن.
هذا الحزن لن ينتظر طويلا حتى يتعفن بصمت اللجنة التي كونت من أجل التحقيق في الجريمة، لن يترك ذوي الضحايا تقريعهم معلقا على أعين لجنة التحقيق في فض الاعتصام، التي يترأسها المحامي السوداني نبيل أديب، لن يذهب هؤلاء المكلومون كل جمعة إلى المقابر ويعودون خفافا ينتعلون الوجع على شهدائهم، لم يعد الخوف يحيل الأفئدة إلى رايات منكسة تحملها عوارض منكسرة.
إنا لله.. الألم كل الألم أن يكون للإنسان ثمن.. ناهيك أن يكون هذا الثمن بخسا… رحم الله الشهداء وحفظ هذا الوطن الذي نحب.