مجتمع

كورونا ترغم طنجة على حب الفراغ وتفقدها أجواءها الصيفية

محمد كويمن الاثنين 10 أغسطس 2020
IMG_4031
IMG_4031

Ahdath.info

الطبيعة لا تحب الفراغ، لكن كورونا تحب الفراغ، بعدما ساد الفراغ جل فضاءات طنجة، وصار لا شيء يعلو فوق الحواجز المنتشرة في كل مكان، حين أصبح المنع يطارد ساكنة المدينة في المنتزهات والشواطئ والساحات العمومية، وطغى على ليل عروس الشمال هدوء حذر، يحن إلى الصخب، ويخشى العاصفة وسط ترقب يومي لتطورات الرصد الوبائي، في صيف غير مسبوق تخيم عليه أزمة خانقة تضع موسمه على حافة الإفلاس.

فقط كورونا وحدها تتجول بكل حرية بطنجة، بعدما ارتفع بشكل سريع أعداد الحالات المؤكدة الجديدة طيلة الأيام الأخيرة، فيما على السكان التقيد بمجموعة من التدابير الوقائية المشددة التي طبقت على المدينة، بدءا باستمرار إغلاق البحر إلى إضافة إغلاق الكورنيش والمنتزهات الغابوية.

فسرعة انتقال العدوى فرضت على السلطات اتخاذ مجموعة من القرارات، ظل يراها البعض قاسية في عز هذا الحر ومؤثرة على نفسية المواطنين خاصة الأطفال، لكن آخرون يرونها ضرورية لفرض التباعد مع وجود مستهترين بشروط الوقاية الصحية.

وهكذا شاءت الأقدار أن تقضي مدينة البحرين موسم الصيف بدون بحر، ويحرم ساكنتها من الاصطياف بشواطئها الممتدة على المتوسط والأطلسي، بل ويمنع عليهم حتى الانتقال إلى شواطئ ظلت تنتمي لذاكرتهم الصيفية كسيدي قنقوش ووادي اليان والقصر الصغير والداليا، قبل أن يفرض عليهم انتماءها لعمالة إقليم الفحص أنجرة الحصول على رخصة التنقل للوصول إليها.

وصار البحث عن فرصة للاستحمام بالبحر يشغل بال العديد من أهل المدينة كلما اقترب موعد رحيل الصيف، لدرجة أن كل الطرق بالنسبة إليهم وإن كانت لا تؤدي إلى البحر فإنها قد تمنحك ممرا لتخطي الممنوع من أجل عيون البحر.

أجواء الرعب من زحف الفيروس التي تعيشها طنجة، وهي عاجزة عن تجاوز أزمتها الصحية بسرعة عبر تحديد مكامن الخلل والعمل على معالجة واقع التدبير المحلي للحالة الوبائية، حولت سهام النقد صوب الجهات التي جعلت المدينة لم توفق في تأهيل بنيتها الصحية مقارنة مع مشاريع التأهيل الحضري، وما حظيت به من إقلاع على المستوى الاقتصادي جعلها تستقبل يد عاملة من مختلف مناطق المملكة.

وما ساهم في الرفع من كثافتها السكانية، وهو من العوامل التي حالت دون التحكم في انتشار الوباء أمام كثرة التنقلات وصعوبة التزام الجميع بتدابير السلامة الصحية.

وهكذا احتارت المدينة في تصنيفها، بين إكراهات الافتخار برتبة وطنية تبوئها مكانتها كثاني قطب صناعي وصعوبات إنقاذ قطاعها السياحي والتجاري في ظل مخلفات هذا الوضع، باعتبار أن طنجة شكلت استثناء في حصيلتها الوبائية خاصة على مستوى الوفيات، وكذا في حصيلة القرارات الصادرة عن سلطاتها المحلية ما بين المنع والترخيص والفتح والإغلاق في غياب قنوات تواصلية تواكب هذه المرحلة بتوضيح ما يجري ويدور للرأي العام المحلي لجعله شريكا في تحمل المسؤولية.

الأمر جدي ولا وقت لتضييعه، إذا كانت المدينة تسعى للخروج من هذه الأزمة، هكذا حاولت السلطات العمومية تفسير مدى خطورة الوضع الوبائي، بعدما تمت الاستعانة بوحدات من القوات المسلحة الملكية، التي انتشرت بمجموعة من المدارات والمحاور الطرقية لتأمين تطبيق إجراءات الطوارئ الصحية، ودعم باقي الفرق الأمنية المتواجدة بالشارع العام.

وهو إجراء أثار ردود فعل مختلفة، بين الحديث عن دور المدرعات في مكافحة الوباء، وإن كان الجيش قد انطلق بدعم مستشفيات المدينة، عبر مساهمة الطب العسكري في الرفع من الطاقة الاستيعابية لأقسام الإنعاش، بعد التنسيق مع الصحة العمومية في إحداث وحدات جديدة على مستوى مصحة الضمان الاجتماعي ومستشفى طوفار وكذا إضافة وحدة ميدانية بمستشفى محمد السادس.

إنها سنة بيضاء لمدينة العبور، بعدما أفقدتها كورونا أجواءها الصيفية، وصارت تقاوم من أجل النجاة والوصول لبر الأمان بأقل الخسائر، وأضحت سلطاتها العمومية عالقة في وحل البؤر الصناعية وتسابق الزمن لمحاصرة الوباء في الأحياء، وتحاول التغلب على العياء والضغط بمراكز الاستشفاء، بحملات التوعية لتفادي توافد المزيد من الإصابات الجديدة، حيث كان الرهان على وعي المواطن حين رفعوا في وجهه شعار الوقاية خير من العلاج، قبل أن يكتشف الجميع أن مع كورونا الوقاية هي العلاج إلى أن يرفع الله عنا هذا الوباء ونستخلص العبر والدروس من جائحة عرت كل العيوب.