فكر و دين

المبروكي :دعوة المغاربة للتعايش الديني إهانة لهم لأنها خارج السياق

أحداث أنفو الخميس 20 أغسطس 2020
جواد مبروكي
جواد مبروكي

AHDATH.INFO - بقلم الدكتور جواد مبروكي*

ألاحظ أكثر فأكثر حركات دينية تنظم موائد مستديرة لمناقشة التعايش الديني في المغرب. وأرى أن هذه الدعوة للتعايش في نطاقها الاجتماعي والفلسفي عمل نبيل. ولكن في سياقنا المغربي وحسب تحليلي أراها غير مناسبة تماماً، بل أعتبرها تحريض على الانفصال بسبب الاختلاف الديني وسوف أوضح نتيجة تحليلي هذا كما يلي.

1- هل نعيش في المغرب حروب الأديان؟

في حياتي لم أرى المغاربة يقتلون بعضهم البعض بسبب الانتماءات الدينية المتنوعة. وبالتأكيد هناك سوء تفاهم ومواقف يتخذها كل مؤمن فيما يتعلق بمعتقداته. وبصرف النظر عن هذه المناقشات المثيرة للجدل في كثير من الأحيان، يعيش كل المغاربة بهدوء وسلام واحترام. وهذا العيش المشترك الهادئ للحياة الجماعية في المغرب بين المواطنين المسلمين والمسيحيين واليهود والبهائيين تم الاعتراف به في جميع أنحاء العالم ومنذ مئات السنين. وشخصيًا، سواء عائلتي الصغيرة أو أنا، بحكم أننا ننتمي للديانة البهائية، لم نكن أبدًا ضحايا للمضايقات أو العداوة أو الاضطهاد من طرف مواطنينا المسلمين (الأصدقاء والجيران والمقربين والزبناء والعائلات وتجار القرب ..).

ألَنْ يكون من الحماقة دعوة جميع معارفي للتعايش معًا بينما لدينا صداقات قوية وعلاقات عاطفية؟ وبالتالي لا أرى فائدة من دعوة المغاربة للتعايش الديني طالما أنهم يعيشون معًا بشكل طبيعي و وِدّي.

2- ما هي دوافع الذين يطلقون هذه الدعوة للتعايش الديني؟

إن ما يحفز هذه الحركات الدينية التي تدعو إلى التعايش الديني هو البحث عن الاعتراف بمختلف انتماءاتها الدينية كأقليات من المغاربة. وعلاوة على ذلك، لا يشارك يهود المغرب في هذه المائدة المستديرة لأن اليهودية معترفٌ بها من قبل الدولة المغربية ويعيشون في هدوء كسائر المغاربة.

فلماذا إذن تسعى هذه الأقليات الدينية إلى خداع المواطنين المسلمين واتهامهم دون كلام شفهي بأنهم غير متسامحين وبالتالي دعوتهم للتعايش؟ أليس هذا خداعا خبيثا؟ وتظل بالتالي الدوافع غامضة لأن هذه الحركات الدينية تدعو المغاربة لحل مشكلة لا وجود لها!

حسب تحليلي، تحاول هذه الأقليات الدينية حل مشكلة زائفة وخاطئة من خلال هذه الدعوة للتعايش الديني. وفي الواقع تقرع هذه الحركات الدينية على الباب الخطأ ولهذا أحثهم على ترك المواطنين المغاربة في سلام. ولكن في الحقيقة مشكلتهم تبقى مع آلة الدولة التي لا تمنحهم الاعتراف وحرية الاحتفال بمعتقداتهم علناً والسماح ببناء دور العبادة وأشياء أخرى كثيرة. ومع ذلك فإن مطالبهم الحقيقية لا علاقة لها بالتعايش أو مع المواطنين، بل هي مشكلة حقوق الإنسان العالمية والحرية الفردية.

وبدلاً من أن تطرق هذه الأقليات الدينية على رأس المواطن المغربي بالتعايش الديني، فمن الأفضل لها أن تقوم بعمليات إدارية مع الحكومة وأن تنظم مؤتمرات صحفية على سبيل المثال. لكن يجب أن يسمحوا لنا نحن المواطنين المغاربة، أن نعيش في سلام بيننا بغض النظر عن انتماءاتنا الدينية المختلفة.

3- مخاطر هذه الدعوة للتعايش

إن هذه الدعوة إلى التعايش الديني هي إهانة للمغاربة واعتبارهم صبيان من خلال وصمهم بالمتعصبين! وماذا ستكون ردود أفعالهم بعد ذلك؟ لماذا تخلق الأقليات الدينية صراعات لم يكن لها وجود من قبل؟

4- نداء للأقليات الدينية

نحن المواطنون المغاربة نعيش في سلام وصداقة وأرجوكم التوقف عن مضايقتنا بدعواتكم للتعايش الديني لأننا لسنا في حاجة إليها طالما أننا نتشارك كل شيء معًا بطريقة طبيعية وأخوية. نحن المغاربة بحاجة إلى التقدم وإلى الانفتاح وإلى الحصول على حقوقنا كمواطنين وعلى التمدرس الشامل وإلى الدخول إلى الجامعات وإلى المعرفة وإلى التدريب المهني وإلى ظروف السكن اللائق والصحة والقضاء على الفقر....

أنتم الذين تناشدون التعايش الديني، إذا كنتم تهتمون بنا نحن المغاربة فذلك لأنكم تعتبرون أنفسكم مختلفين عنا في وقت نحن نعتبركم فيه مغاربة مثلنا ولا نراكم مختلفين عنا!

بعد ندائي هذا يبدو لي أن الأمر متروك لهذه الأقليات الدينية لبذل الجهد للتعايش معنا وقبولنا لأننا نحن المواطنون المغاربة نعيش معها العيش المشترك في سلام منذ قرون!

 *طبيب نفساني، باحث وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي