آراء وأعمدة

تفحم طفلة.. جريمة عمرانية واجتماعية بالرباط

طه بلحاج الخميس 27 أغسطس 2020
IMG-20200827-WA0000
IMG-20200827-WA0000

AHDATH.INFO

تعيد فاجعة احتراق وتفحم الطفلة "سهام" ذات الخمس سنوات بحي أبي رقراق بالرباط مشكلة هذا الحي والأحياء المجاورة إلى الأذهان ( المعاضيد، دوار الحاجة، دوار الدوم، قريش، دوار لآحونا...)، والتي يمكن اعتبارها جريمة عمرانية واجتماعية من اقتراف مسؤولين جماعيين ورجال وأعوان سلطة من العهد السابق.

توفيت الطفلة "سهام" في حريق شب في الغرفة التي تكتريها أسرتها بسطح أحد المنازل المكون من ثلاثة طوابق.

وللتذكير فهذه الأحياء العشوائية المبنية بالطوب والحجر دون أساسات متينة توجد في موقع جغرافي يعد من أحسن المواقع في مدينة الرباط، بحيث لا يبعد عن الموقع الأثري لشالة والقصر الملكي وحي الوزارات ووسط المدينة إلا بحوالي ثلاثة أو أربعة كيلوميترات.

تتميز هذه الأحياء بممراتها وأزقتها الضيقة جدا لدرجة أن جثامين الموتى تخرج منها واقفة وليست مسجية كما في الحالات الطبيعية، بحيث لم تعد توجد بهذه الأحياء دور سكنية من طابق واحد، بل معظم دورها هي عبارة عن "عمارات" من ثلاثة إلى خمس طوابق، بنيت في جنح الظلام بتواطؤ مسؤولين سابقين، وأمام العجز المتراكم للمسؤولين الحاليين على المستوى المحلي والإقليمي.

هذه الجريمة العمرانية والاجتماعية هي التي تجعل هذه الأحياء مرتعا للاتجار في المخدرات واعتراض سبيل المارة بالعنف، وفوضى احتلال الملك العام، ومنع مرور السيارات والحافلات، وإغلاق المنافذ المؤذية لداخل الأحياء، والتضييق على التجارات المنظمة..، والتي يساهم فيها "فراشون" وافدون من مناطق خارج المدينة كسلا وعين عودة..وهو الوضع الذي يخلق صعوبات كبيرة جدا لتدخل رجال المطافئ والإسعاف والشرطة، بل وهي الصعوبة الأساسية التي وقفت في وجه عمل رجال الإطفاء عندما هرعوا لمكافحة الحريق المشتعل في "غرفة" الأسرة المنكوبة وإنقاد طفلة صغيرة شوتها النيران بشكل مفجع حتى الموت..وللعلم فليست هذه هي المرة الأولى التي تقع فيها مثل هذه الحوادث التي يذهب ضحيتها أطفال، بسبب عجز رجال المطافئ عن الوصول بالسرعة المطلوبة إلى مكان الحريق بحيث قضت سيارات الإطفاء في حادثة مماثلة سابقة وقتا ثمينا يفرق بين الحياة والموت، في انتظار أن يفسح لها "الفراشون" الطريق من صناديق الخضر والحجارة والأعمدة والخيم.

نعم، لا أحد يستطيع أن ينكر المجهود الذي بذلته وكالة تهيئة ضفة أبي رقراق، في تجميل مدينة الرباط والارتقاء بجودة الحياة فيها (مناطق خضراء واسعة وفسيحة، ملاعب قرب في جميع الأحياء تقريبا، شوارع واسعة ونظيفة، مسابح عمومية، دور للثقافة والشباب...)، لكن لا أحد ينكر كذلك أن عاصمة المملكة، ما زالت تعاني من نقطها العمرانية السوداء، وخاصة منها هذا التجمع الكبير من الأحياء العشوائية الذي يفسد جمالية المدينة وتنظيمها ( المعاضيد، دوار الحاجة، دوار الدوم، قريش، دوار لاحونا...)

صحيح أن هذه الأحياء تطرح مشكلا كبيرا ومعقدا بالنسبة للسلطات والهيئات المسؤولة، بسبب الكثافة السكانية التي أصبحت عليها، بحيث يصعب عليها التعامل معها بنفس الشكل الذي تعاملت به مع "دوار الكورة" و "حي الكرعة"، لكن هذا لا يمنع من التفكير في حلول لها، لأن كل المجهودات التي بذلت في جعل مدينة الرباط تضاهي مدنا أروبية في جمالها وتنظيمها، وكل الارتياح والاستحسان الكبير الذي صادفه هذا المجهود من طرف السكان، وكل الشكر والثناء الذي يثني به سكان مدينة الرباط على الإرادة الملكية التي أمرت بانطلاق هذا الورش الكبير، يكاد ينسى أمام استمرار ووجود هذه البشاعة العمرانية والمشاكل الآجتماعية التي تطرحها، لأننا لا يمكن أن ننمي فرحة مدينة بجماليتها وتنظيمها العصري الحديث دون أن ننتبه للأشواك التي تدمي خاصرتها. لابد من حل جذري سريع دون إبطاء.