الصحراء

مؤسس البوليساريو يكشف تفاصيل تزوير تاريخ الصحراء في شهادات تنشر لأول مرة

حاوره عبد الكبير اخشيشن الاثنين 31 أغسطس 2020
IMG_4736
IMG_4736

Ahdath.info حاوره عبد الكبير اخشيشن

نورالدين بلالي الإدريسي، واحد من مؤسسي جبهة البوليساريو، عاد إلى المغرب عام 1989 بعدما قاد رفقة مجموعة من زملائه من القياديين في البوليساريو انتفاضة 1988 من داخل المخيمات، يحمل أسرار أول انتفاضة ضد الاستعمار الإسباني بمدينة العيون تحت قيادة رفيق له هو محمد بصيري. البوليساريو اليوم تحاول جاهدة تزوير نقطة البداية التي كانت خالصة لله والوطن، قادها زعيم وطني يدعى محمد بصير، وجاءت في سياقات معقدة جعلت اختطافه جزءا من وأد الصوت الوطني، حين كانت إسبانيا تحرك داخل الصحراء خدامها لخنق كل نداء تحرر يخاط بالوطن. البوليساريو، التي تحاول تزوير تاريخ هذا الرجل، عبر إلصاق تهمة الانفصال به، ستصدم حين تسمع تفاصيل أسرار البداية يحكيها من كان ينوب عن رفيق دربه في إلقاء أول كلمة مناهضة للاستعمار الإسباني.

بلالي شارك في انتفاضة العيون يوم 17 يونيو سنة 1970، وألقى فيها كلمة نيابة عن قائد المنظمة الطليعية محمد بصيري، وساهم في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصارا بـ«بوليساريو» ويعرف تفاصيل الاختطاف الذي تعرض له مشروع لتحرير مناطق صحرواية بهدف إرجاعها لأهلها، ليتحول إلى رسم تجاري لبيع حاضر ومستقبل كثير من الصحراويين الذين قضوا عقودا في ظروف مأساوية، وعاشوا كل أشكال الاستبداد وراء أسوار مخيمات تم تشييدها لابتزاز الوطن.

في هذا الحوار، الذي نقدمه لقراء «أحداث أنفو» في جزأين، يقدم نور الدين بلالي معطيات دقيقة وحصرية عن انطلاق أول انتفاضة بالصحراء، مرورا بحملات الاعتقال واختفاء رمز هذه الانتفاضة، وكيف عمدت العناصر المنحرفة في جبهة البوليساريو إلى تجاهل مصيره كمختطف من قبل العسكر الإسباني، ولم تطالب بتبادله واسترجاعه، وكثير من البوح حول ما جرى داخل العلبة السوداء للانفصال من تآمر واستبداد.

< هل كان محمد بصير من هذه اللجنة التي تم اختيارها؟

> لا.

< هل تعرف أعضاء هذه اللجنة؟

بعضهم.

< هل تتذكر أسماءهم؟

> بدة ولد احمد حمادي، سدي أحمد رحال، البشير السويلكي، وآخرون.

< هل لازال بعضهم على قيد الحياة؟

> أعلم أن بعضهم لازال على قيد الحياة.

< جيد، هذه اللجنة سلمت المذكرة للإسبان، هل كانت الاستجابة من طرف الحاكم العام الإسباني لهذه المذكرة؟

> كان جواب الإسبان هو المطالبة بتفكيك الحركة وانضمامها إلى التظاهرة الحكومية الإسبانية، وتحمل العواقب في حالة الرفض.

< هل كان لهم علم مسبق بأن ليلة المظاهرة سيكون هناك خطر على أرواحهم؟

> اليوم الذي سبق المظاهرة، كانت هناك مظاهرة في المدينة باللافتات، ومرت الأمور بطريقة سلمية، ولم تعترض طريقها السلطات الإسبانية، لكن في اليوم الموالي الذي هو 17 يونيو، أمرت السلطات الإسبانية الحركة بهدم خيامها والتخلي عن التظاهرة، وللإشارة كانت الحركة في الحي الحجري بالعيون، وكانوا يسمونه حي الزملة آنذاك، وأمرتهم بالانضمام للتظاهرة المنظمة من طرف الحكومة الإسبانية... مظاهرة حركة بصيري كانت بحي الزملة، ومظاهرة الحكومة الإسبانية كانت في ساحة إفريقيا وسط المدينة.

< إذن أنت شخصيا شاركت في مظاهرتين الأولى والثانية ؟

> نعم شاركت في الأولى وفي الثانية، حيث ألقيت كلمة باسم محمد بصير.

< حينما كنتم تستعدون للمظاهرة الثانية، هل كنت خائفا مرتبكا في الليلة قبل المظاهرة الثانية؟

أبدا لم أشعر بأي خوف، كنا شبابا ولم نكن نعير أي اهتمام للعواقب، لكن كنا نخاف على سلامة محمد بصير، لأنه كان مقيما حديث العهد بالمنطقة، بل بعض أعضاء الحركة طلبوا منه أن ينتقل معهم إلى أماكن آمنة لحمايته لكنه رفض ذلك وقرر أن يصمد معهم.

< لم يكن عندكم أي تخوف على أنفسكم، لكن كنتم تخافون على حياة محمد بصير؟

> كان لدينا إحساس أنه مستهدف، لأن إقامته بالصحراء كانت مؤقتة، وجاء من وسط المغرب، وكان مثقفا ومفكرا ومؤثرا، وإسبانيا كانت تعرف أن الآخرين لن يستطيعوا التأثير على وعي الساكنة.

< ماذا عن يوم المظاهرة؟

> في صباح يوم المظاهرة، الحركة الوطنية لمحمد بصيري أرسلت عناصر منها لمداخل المدينة، وذلك لاستقبال الوفود الصحراوية، التي أتت من مناطق أخرى، والتي استدعتها إسبانيا للمشاركة في التظاهرة المضادة التي كانت تتهيأ لتنظيمها، ولكي يخبرهم بأن هناك مظاهرة مؤيدة للحركة ومظاهرة مؤيدة للإسبان. وتجدر الإشارة إلى أن المنظمة نحرت الإبل وحضرت الشاي في الخيم، أما الإسبان فأحضروا فرقا موسيقية، ولذلك ذهب الكثير من الناس لتلك التظاهرة.

< كم عدد الأشخاص الذين حضروا؟

> أعداد كبيرة، لكن لا أعرف الرقم بالتحديد.

< أين كنتم أنتم بالضبط؟

كنا في الخيام نستقبل الناس ونؤطرهم.

< أنتم شخصيا تؤكدون أنه في يوم المظاهرة كانت عدة خيام لاستقبال الوفود، وكان هناك عدد كبير من الناس، بعد ذلك ماذا جرى؟

> جاء ضابط مبعوث من الجنرال الحاكم العام الإسباني.

< هل تعرف اسمه؟ هل رأيته ؟

> لم أتذكر اسمه، نعم رأيته، وتحاور مع اللجنة التي قامت بتقديم المذكرة، كانت نبرة كلامه قوية، وحدث توتر وتشنج في الحوار، بعد ذلك أتت قوة من الجيش الإسباني.

< هل كان هذا الشخص ضابط في الجيش الإسباني؟

لا كان ضابطا في الشرطة الإسبانية.

< هل كان هذا الضابط مقيما بالعيون؟ هل كان الناس يعرفونه؟

بلالي: نعم كان معروف لدى الساكنة.

< ماذا قال لكم؟

> أمرنا بهدم الخيام وإخلاء المكان وتفكيك المظاهرة.

< كم كانت الساعة آنذاك ؟

الثانية عشرة أو الواحدة زوالا.

< هل كان محمد بصير حاضرا؟

لا، محمد بصير كان في خيمة أخرى غير معروف مكانه.

< كيف عرفت ذلك؟

عن طريق عناصر الحركة التي كانت تنتقل بين الخيام، حيث تسلمت رسالة من محمد بصير عن طريق هذه العناصر.

< هل قبل المظاهرة تمت كتابة الخطاب من طرف محمد بصير وأعضاء الحركة ؟

كان محمد بصير هو الشخص الوحيد القادر على تحرير الخطاب، وهو الخطاب الذي ألقيته في المظاهرة، سلمت لي رسالة الخطاب من طرف بعض أعضاء الحركة، الذين كانوا ينتقلون ما بين الخيمة التي كنا فيها والخيمة التي كان فيها محمد بصير.

< كم عدد أعضاء الحركة الذين كانوا معك؟

> تقريبا 20 أو 15 فردا.

< إذن ضابط الشرطة طلب منكم أن تنهوا المظاهرة؟

> نعم أرسل دوريات من الشرطة من أجل ذلك، ووقعت بعض المشادات مع الساكنة، وقام الأطفال برشقهم بالحجارة، وفي الساعة الرابعة مساء جاءت القوات الإسبانية على متن سيارات مسلحة، يرفعون راية حمراء ترمز للخطر.

< هل شاهدت أنت هذه الأحداث؟

> نعم كنت حاضرا، وأخذت القوات في إطلاق الرصاص الحي على الناس وأصابوا الكثير من الناس، وسقط بعضهم جرحى.

< أي نوع من الأسلحة استخدموا؟

> بنادق، أطلقوا الرصاص على الناس، فمات بعضهم، وكثير منهم جرح، أنا كنت في الجانب الخلفي للمظاهرة، ولما بدأ الرصاص فررت إلى الخلاء خارج العيون.

< كم استغرق هذا التدخل من الوقت؟

> تقريبا 20 دقيقة، وبدأ الناس يفرون هنا وهناك.

< هل كانت القوات تتبع الأشخاص وتطلق عليهم النار، أم كانت تطلق النار عشوائيا، أوم أحاطوا بالناس وأطلقوا عليهم النار؟

لم يكن هناك تطويق لمكان المظاهرة، أتوا من أحد الجوانب وبدؤوا في إطلاق النار، ففر الناس وتفرقوا في المدينة، وكانت الشرطة الإسبانية تبحث عن الأشخاص المعروفين بانتمائهم إلى الحركة، وتجدر الإشارة إلى أن من أطلقوا النار هم القوات العسكرية الإسبانية.

< هل كانت هذه القوات العسكرية تلبس الزي العسكري؟

نعم كانوا بالزي الرسمي.

< كيف كان لون الزي العسكري؟

> لونه معروف لدى الجيش الإسباني.

< هل كانوا يلبسون خوذات مضادة للرصاص على رؤوسهم؟

نعم.

< إذن أنت هربت برفقة أفراد آخرين؟

> نعم هربنا إلى منطقة الكرارة خارج العيون.

< كم هي المسافة بين الكرارة والعيون؟

> 4 كلم تقريبا.

< أين ذهبت الوفود التي أتت إلى المظاهرة؟

تفرقوا في المدينة واختلطوا مع الناس. قضينا الليلة في الخيام خارج المدينة، وكنا نراقب تحرك السيارات من وإلى المدينة، كان الناس يدخلون المدينة، ولكن السيارات لا تغادر المدينة، فعلمنا آنذاك أن الخطر مازال قائما، طلب مني أحد رفاقي أن أذهب معه إلى مدينة الدورة، فقلت له إذا ذهبت معك سيكتشفوا أمري، لأني غريب عن المدينة، فذهبت عند عائلة لي قريبة من مدينة العيون، وغيرت شكل حلاقة شعري وطريقة لباسي لكي لا يتم التعرف علي.

< هل تعرف أناسا يمكن أن يتذكروا اسم ضابط الشرطة؟

> نعم هناك السيد أحمد رحال يعرف الكثير من أسمائهم.

< هل كان هذا الشخص حاضرا أثناء التدخل الأمني للقوات العسكرية ؟

> نعم كان موجودا.

< هل رأيته أنت شخصيا أو شاهده شخص آخر؟

مجموعة من الأفراد في الحركة أخبروني بوجوده هناك.

< هل ضابط الشرطة شاهد القوات الإسبانية تطلق النار كما رأيتموها أنتم؟

> ضابط الشرطة ذهب، لكنه أرسل دوريات أخرى للشرطة، كانت موجودة بعين المكان قبل تدخل القوات العسكرية، وكان ذلك بحضور الشرطة.

< هل الشرطة طوقت مكان المظاهرة تمهيدا للتدخل العسكري؟

> الشرطة كانت عاجزة عن مواجهة المتظاهرين، لذلك تكلفت القوات العسكرية لتقوم بهذا الدور، وهو التدخل بالقوة لتفكيك المظاهرة، بما أنه كان هناك حاكم عسكري، فإنه كان يعطي الأوامر للعسكريين والأمن معا.

< ما هي ردة فعل ساكنة العيون التي لم تشارك في التظاهرة؟

> الساكنة التي كانت موالية للإسبان، اتهمتنا بكوننا نحن من عرض أنفسنا للضرب، وبالتالي نحن المخطئون في نظرها، والساكنة الأخرى الموالية للحركة كانت تقول إن الإسبان استعملوا قوة عسكرية لا مبرر لها.

< عندما كنت مختبئا عند أقربائك قرب مدينة العيون، هل علمت ماذا حصل لمحمد بصير؟

> الذي وصلني آنذاك أن الشرطة ذهبت يوم 18 يونيو إلى منزل العائلة التي كان بصير يقيم معها، وأخذوه من هناك إلى السجن المركزي بالعيون، هذا ما قالته الساكنة المحلية، حيث كان هناك بعض من رجال الأمن تابعين للشرطة الإسبانية، وكانوا ينقلون لنا ما يقع هناك.

< هل تعرف اسم العائلة التي كان محمد بصير يقيم عندها؟

> عائلة موسى البصير أحد أقربائه بالعيون آنذاك.

< هل عندك اليقين التام أن محمد بصير تم إيداعه السجن؟

نعم كل قادة الحركة اعتقلوا وسجنوا، واعتقل بعضهم بسجون «لاس بلماس» و«الداخلة» و«أوسرد» و«العيون».

يتبع