ثقافة وفن

موليم العروسي ل "الأحداث المغربية": وسائل التواصل سهلت انتشار الجهل والدجل بسرعة

حاوره: عبد العالي دمياني الأربعاء 07 أكتوبر 2020
moulim laaroussi
moulim laaroussi

AHDATH.INFO

* أثارت الهوية البصرية "لوغو" لمدينة أكادير، والتي صممها الفنان التشكيلي المعروف محمد المليحي ردود فعل سلبية انتقصت من القيمة الفنية لهذا المنجز واعتبرته لا يعكس عناصر "الهوية الأمازيغية" لعاصمة سوس، وقد تبلور هذا الرفض على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الجرائد الورقية والإلكترونية من قبل نقاد سينما ومثقفين. بوصفكم ناقدا فنيا وجماليا كيف تنظرون إلى هذا السجال وخلفياته؟

** تابعت بالفعل السجال على الجرئد الإلكترونية لكن لم يسعفني الحظ لمتابعته على الجرائد الورقية بحكم تواجدي خارج المغرب لظروف خاصة. تابعته أيضا على وسائل التواصل الاجتماعي ولاحظت أنه كان فرصة لمعرفة رأي العديد من الناس أو قل ردة فعل الناس. وبما أن الأمر يتعلق بفنان كبير وبمدينة عالمية تابعت باهتمام بالغ كل ردرود الأفعال وخصوصا تلك الصادرة عمن أسميتهم بنقاد ومثقفين.

أثارني أو قل أغاظني ذلك المجهود الكبير الذي قام به البعض للبحث عن أصل اللوغو وظن أنه وجد ضالته في فنان سوري لا أعرفه قيل أنه صمم لوغو مدينة القاهرة سنة 2016. الذين انجرفوا مع هذا الطرح وراحوا يتقاسمون صورة لوغو القاهرة المستوحى من الأهرامات، لم يكونوا يعرفون أن محمد المليحي وزملاءه في مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء والذين كانوا في بداية ستينات القرن الماضي يجتهدون في إحياء وعصرنة التراث البصري المغربي، كانوا قد اهتدوا إلى الحلي الأمازيغية وطوروها بشكل مذهل ولا زالت الوثائق شاهدة على ذلك وليس أقلها مجلة «أنفاس» التي كانوا أعمدتها من الناحية الفينة. ومن يعرف هذه الحلي يعرف أن لها شكل هرم. إذا اتهمنا محمد المليحي بالسرقة الفنية يجب أن نتهم أجدادنا أيضا بنفس السرقة. لا أفهم هذا المستوى من كره الذات، فإما أننا نسرق من الغرب أو أننا نسرق من الشرق، أليست لنا شخصية متفردة؟ يقال هذا عن السينما وعن التشكيل وعن الرواية وعن الفكر وعن كل مجالات الإبداع أي كل ما يؤسس الروح المغربية.

من الضروري فتح نقاش واسع حول هذا الموقف من الذات.

المسألة الثانية هي الحديث عن مدينة أكادير كمدينة أمازيغية، صحيح ولكن المغرب كله أمازيغي. يجب أن لا نسقط في هذا الفخ. من قال أنه لا بد لكي يكون اللوغو جيدا يجب أن يرتبط بإثنية ما؟ من الذي طور الخط المغربي وجعله متميزا عن الشرقي أليس هم الأمازيغ؟ صحيح أنهم استغلوا جمالية الخط الكوفي التي لها صلة قرابة جمالية مع  الكرافيك المغربي ولكنهم جعلوا من الخط المغربي خطا متواجدا في كل أرجاء إفريقيا الغربية. هنا أيضا جلد وكره للذات لا أفهمه وكأنني بمغاربة يحاولون سلب المغاربة الأمازيغ كل ما أسسوه من حضارة ميزتهم عن العرب. أكادير مدينة دولية وليس من الضروري أن نجد في اللوغو عناصر مقروءة. اللوغو أيقونة تفرضها الدعاية والتواصل وكل ما تقدمه المدينة لساكنتها ولزوارها. وإلا سوف يكون أول لوغو أن ننتقده لعدم توافقه مع ما يرمز إليه هو لوغو ماكينطوش (Macintosh)، إذ ما الذي تعنيه تفاحة مَقْضُومَة؟ ومع ذلك فإن آبل (َApple)، تسيطر على جزء كبير من عالم الإلكترونيات والاختراعات والأموال.

* يترجم السجال الدائر حول الهوية البصرية لمدينة أكادير وقضايا أخرى سابقة الدور الكبير، الذي صارت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه النقاشات والتأثير، إلى أي حد يمكن الحديث عن سلطة جديدة للرقمي والافتراضي في تكوين الرأي العام؟ وما الحدود الفاصلة بين تكريس هذه السلطة للنزوعات الشعبوية وبين ترسيخ قيم المواطنة والحرية في التعبير؟

** ما لاحظته على وجه الخصوص هو ما نبهت إليه أكثر من مرة وهو انتشار الجهل والدجل بسرعة بفضل وسائل التواصل. وهذا شر بدأ يؤثر حتى على الماسكين بالسلطة وأصبحوا يتجاوبون معه دون أن يفطنوا إلى أنهم يشجعون سلطة الشارع وقد تصل إلى ما لا تحمد عقباه. ينتشر الجهل على شكل عدوى (Viralité de la bêtise) كالنار في الهشيم ولا يمكن إيقافه فيأتي على الأخضر واليابس (تحدثت عن هذا الأمر في عمودي الشهري في مجلة زمان النسخة الفرنسية عدد غشت 2020 ). يريد البعض وخصوصا منذ ما سمي بحملة المقاطعة أن يستغل الهفوات لتصفية الحسابات التي غالبا ما تكون سياسية، فتنجرف الجموع وراء الخطابات الشعبوية إلا أن ضررها أكثر من نفعها هذا إن كان لها نفع أصلا.

ألم يتساءل المنتقدون ولو لحظة واحدة إن كانوا على خطأ؟ إنهم يشعلون الشرارة ثم يتراجعون إلى الخلف ويتركون جحافل، غالبا ما تكون بدون هوية أو مشروع اجتماعي أو سياسي، تردد اللازمة دون معرفة محتواها. خطير كل ما يحدث ويجب أن نتساءل من يكون وراء كل هذا؟ من الصواب في نظري أن لا يخاطر الإنسان بالدخول في هذه الجذبة لأنه يمكن أن يحترق بها. ولنا فيما حدث بين سياسيين من نفس الحزب (اليسار) من العبرة مما يجعلنا نفكر ألف مرة قبل الانخراط في فعل كهذا. من السهل أن نجيش الناس للنزول إلى الشارع لكن من الصعب أن نتحكم فيهم لنعيدهم إلى منازلهم. الخطر في هذه الكتل البشرية التي ليست لها هوية حقيقية والتي تخرج كالعفاريت من قماقمها وتنشر الدمار (تلويث سمعة الناس والإجهاز على خصوصياتهم...). لا يمكن أن نسمي هذه الجحافل التي لا يوجد أي رابط لا عقدي ولا إيديولوجي ولا قيمي،  بينها رأيا عاما. هل يمكن تسمية مشاهدي ما ينشر على شاكلة ''روتيني يومي'' رأيا عاما؟ المستفيدون من هذا النوع من النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، هم السياسيون الذين يعجزون على مقارعة الأفكار والسوق الرأسمالية التي تستعمل هذه الجحافل لكي تنشر الدعاية لمنتوجاتها خلال هذه الحملات المشحونة.

* في إطار الحديث عن الهوية البصرية للمدن كيف تنظرون إلى "لوغو" الدار البيضاء، الذي أسندت السلطات صياغته إلى شركة مناولة محلية ونجمت عن عبارة ذات نفحة أنغلوساكسونية We Casablanca بكلفة 300 مليون سنتيم،هي مايرى من أسندت إليهم الأمورأنه االهوية البصرية للمدينةالتي شكلت مختبر الحداثة بالمغرب؟

** كون اللوغو أسند لشركة، هذا ليس شرا في حد ذاته، ولكن كون اللوغو أنجز باللغة الإنجليزية يمكن أن يناقش. هناك من يقول أن ولوج الكونية (العولمة) لا يتم إلا بتبني لغة عالمية وهناك من يقول أن الوصول إلى العالمية يجب أن يتأسس أولا على إثبات الذات. وهذا فرق كبير. في الأدب مثلا هناك من راهن على الحصول على جائزة نوبل من خلال الكتابة بإحدى اللغات لتي يقال أنها عالمية وهناك من ارتبط بحياة بلده وطور كتابته فوصل. الإشارة هنا إلى نجيب محفوظ. مدرسة الدار البيضاء الفنية وعلى رأسها محمد المليحي كانت تراهن على إثبات الذات وحاولت التميز على المستوى العالمي بالهوية البصرية المغربية الأمازيغية وبهذا استطاع الفن المغربي أن يجد له مكانا داخل أروقة المتاحف العالمية. أما فيما يتعلق بالكلفة هذا شيء آخر... من واجب المسؤولين في الوزارة الوصية والمنتخبين التحقق منه.

* دأبت بعض جمعيات الشباب البيضاوي على تنظيم ملتقى سنوي للجداريات بهدف تجميل الوجه الحضري للمدينة بمشاركة فنانين عالميين، من بينهم الفنان الإيطالي الكبير فرانشيسكو كاميلو جيورجينو المعروف بـ"ميللو"، الذي تم مؤخرا طمس الجدارية التي أنجزها العام الفائت بوسط الدار البيضاء. كيف تفسرون هذا الصمت تجاه هذا الاعتداء السافر على عمل فني في الفضاء العمومي؟ وكيف يمكن أن يكون رد فعل فنان عالمي متخصص في رسم الجداريات في عواصم العالم أما هذه الفضيحة؟

** هي فعلا فضيحة، ولكن يبدو أن المسؤولين عن مدينة الدار البيضاء لا علم لهم بما حدث على هذا المستوى. أن يقبل فنان كميللو التنقل لمدينة الدار البيضاء للمشاركة في هذه التظاهرة فقط لأنه أراد تشجيع مبادرة قام بها شباب يحبون مدينتهم فهذا شيئ جميل، ولكن أن تقوم بلدية أكبر حاضرة في المغرب بطمس هذه الجدارية فهذا شيئ مخجل ولا يمكننا الدفاع عنه أبدا. لقد أبدى الفنان أسفه من خلال جرائد بلده وتساءل ''لم أفهم لماذا قاموا بطمس جداريتي؟''، لم يكن أحد هنا بإيطاليا يعرف الجواب. لكننا نحن نعرف للأسف الشديد. لقد وصل بنا الأمر في هذه البلاد إلى إسناد أمورنا إلى أشخاص لا يعرفون معنى المدينة. إن الإيديولوجية التي يتبنون تمجد كل ما له علاقة بالطبيعة ولا تعرف معنى للثقافة. أن تَلِجَ زمن الثقافة يجب أن تنفصل عن الطبيعة حتى على المستوى الفكري والنظري. ولكي تنفصل عن الطبيعة يجب أن تنظر إليها ولا يمكنك أن تنظر إليها وأنت جزء منها. وهذا ما يمكن تسميته بالبداوة. عندما يتمتع المثقف بمشهد الشمس والغروب فإنه يفعل ذلك لأنه انفصل عن المشهد الطبيعي على عكس الراعي الذي يمكن أن يكون جزءا من المشهد، فهو لا يرى المشهد. ولذلك لا تتعجب إذا لاحظت أن الأزبال تتراكم بمدينة الدار البيضاء فلأن الواقفين على أمر المدينة لا يرون ماتراه أنت، إنهم يتجولون داخل مشهد الأزبال دون أن يطرح لهم ذلك أدنى مشكل. كيف تكلمهم عن جمالية المدينة؟ من الصعب جدا. والأصعب أن هناك كتلة انتخابية حملتهم إلى السلطة. فلنتأمل حالتنا.

* سبق الاعتداء في مناسبات عدة على أعمال نحتية وفنية في البيضاء ومدن أخرى دون أن يترتب عن ذلك أي رد فعل من السلطات المحلية، هل يتعلق الأمر بوجود فراغ قانوني في هذا الاتجاه؟ أم أنكم تؤمنون بضرورة تعميم التربية الفنية في المدارس لخلق جيل جديد يؤمن بالجمال والاختلاف ونبذ العنف والتطرف؟

** سبق فعلا الاعتداء على منحوتات أمام قصر الولاية وقصر العدالة بالدار البيضاء وأمام المسرح الجديد الذي يعد معلمة معمارية فريدة. ولكم أن تذهبوا إلى مدينة الجديدة حيث كانت الفنانة المغربية إكرام القباج قد نظمت سبوزيوم نحتي عالمي وتفضل الفنانون بترك أعمالهم للمدينة بحديقة محمد الخامس. لن أجد الكلمات لوصف ما يحدث لهذه الأعمال. جريمة بكل المقاييس. منها ما كسر ومنها ما نقل من مكانه... منحوتات أخرى تستعمل لأشياء أخجل من ذكرها... فليتفضل أحد الصحافيين ويسأل مسؤولي المدينة... سوف يحدثونه عن أحجار يضيق بها المكان ولا يعرفون لماذا هي هنا. كيف يمكننا الحديث عن المدينة، هذه ليست مدنا، إنها تجمعات سكنية ضخمة تتنج البؤس والفوضى الذهنية. لا أظن أن سن القوانين قد يفيد على الأقل في اللحظة الحالية ولكن ربما أن التربية قد تؤتي أكلها في زمن ما.

يجب على العكس تحديد المسؤولية عن المدينة. من هو المؤهل لتسيير المدينة؟

* تعرضتم بالنقد والتفكيك لاستشراء اللوحات الإشهارية في المدن الكبرى وما تشيعه من فوضى في الفضاء العام في كتابكم "الفضاء والجسد"، الآن وقد تحولت المدن نفسها إلى "غابة" من اللوحات الإشهارية بلغات هجينة، كيف تنظرون إلى تأثير هذا النسيج اللامتناسق والمسكون فقط بروح الاستهلاك على نفسية وذوق المواطن المديني في ظل غياب فسحات الجمال والترويح عن النفس؟

** هناك من المدن الأوروبية، وخصوصا تلك التي وصلت إلى تسييرها أحزاب الخضر، من منعت لوحات الإشهار نهائيا واعتبرتها نوعا من التلوث البيئي البصري. بالنسبة لمدن المغرب قد لا يكون من الضروري الوصول إلى هذا الحد ولكن الفوضى البصرية هي المشكل. هناك من لا يعتبر أن الملصق يدخل في باب التربية الجمالية. عندما تكون لدي مهمة تسيير مدينة ما فإنه من واجبي أن أسهر على جمالية المدينة حتى يحس المواطن فيها بالراحة النفسية والبصرية. ولوصول ذلك لا يمكن لي أن اسند مهمة جمالة المدينة إلى أي كان. هناك مختصون في هذا المجال لا بد وأن تستعين المدن بخبرتهم. أعطي مثالا واحدا في هذا الباب: لماذا تتميز، على المستوى الجمالي، المشاريع الملكية بمدينة الدار البيضاء عن بقية المشاريع وخصوصا مشاريع مجلس المدينة؟ الجواب معروف، هناك جيش من المعماريين والمختصين بالجمال الذين يتكفلون بالمشاريع الأولى وهناك غالبا جيش من المنتفعين يسهرون على الثانية.   

* تفتقر المدن المغربية إلى نصب ومنحوتات وتنصيبات فنية من شأنها أن تضفي بعدا جماليا على فضاءاتها العامة، هل يتعلق الأمر بغياب حس جمالي تكفله التربية الفنية، أم للأمر علاقة بالتحريم الديني للتجسيم كما هو شائع؟

** في الساحات العمومية بكل البلدان العربية هناك نُصُبٌ وثماثيل في ساحات المدن باستثناء المغرب وموريتانيا. لا نعرف ما هو السبب وكيف أن فرنسا وإسبانيا اللتين احتلتا المغرب في فترة ما لم تؤسسا لهذا التقليد. ليس هناك في الدين ما يحرم النُصُب التي تستعمل لغير العبادة. لقد بدأنا نرى في الآونة الأخيرة الاهتمام بالطيور والحيوانات. من فترة طويلة أنجز الفان بنيسف حمامة تطوان ثم تلته بعض المنجزات التجريدية التي لا تصور حيا بعينه قبل أن نرى جملين عند مدخل مدينة طانطان وأحصنة في مدخل مدينة الجديدة، ثم توالت بعض المبادرات هنا وهناك. ما نستشفه من هذا الأمر هو الابتعاد عن الجمال والتوجه إلى الاستعمال التوضيحي. جِمالُ طانطان للتأكيد على دور الجمل في المدينة، أحصنة الجديدة للتأكيد على الحصان في منطقة دكالة... وكأنه من العيب التصريح بأن المعالم الفنية تنتج فقط للمتعة البصرية، وكأن هناك مشكلة ما مع الفن بما هو كذلك... ومرة أخرى يبرز دور المنتخبين ومستواهم الثقافي ودورهم في الرفع من مستوى مدنهم. يحكى أنه في إحدى دورات المجلس الجماعي لمدينة الجديدة اقترح أحد الأعضاء هدم المسرح البلدي ليحل محله مرآب جماعي نظرا لافتقاد المدينة لمرفق كهذا. إلى هنا فالأمر عادي، يمكن لعضو أن يقترح ما شاء ولكن المعضلة هو أن النقطة سجلت لينظر فيها جماعيا، إلا أن عامل المدينة تنبه للأمر وأعطى أوامره ليتم التشطيب على هذه الفضيحة وحرص على أن يرمم المسرح على أمل إعادته لأمجاده. إذا صحت هذه الرواية، وأظن أن هناك الكثير مما يمكن أن يؤكد حدوثها، فإنها تعطينا فكرة واضحة عمن يسير مدننا.

هل ستتغير الأمور في الاستحقاقات المقبلة؟ هل تغيرت عقليات وآمال وطموح الناخبين؟ لا أدري.