اقتصاد

حوار.. مشروع قانون مالية 2021 بعيون الباحث عثمان مودن*

أحمد بلحميدي الخميس 22 أكتوبر 2020
مودن
مودن

AHDATH.INFO

قدم وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة محمد بنشعبون مضامين مشروع قانون مالية السنة المقبلة. في هذا الحوار نستطلع مع عثمان مودن الباحث في المالية العمومية مرتكزات هذا المشروع, والتحديات المحيطة بتنزيل بعدد من الإجراءات الطموحة التي جاء بها, ولعل أبرزها تنزيل ورش الحماية الاجتماعية وبعث دينامية جديدة في الحياة الاقتصادية بعد فترة صعبة غير مسبوقة بسبب جائحة كورونا.

 

قدم وزير الإقتصاد والمالية مشروع قانون المالية أمام البرلمان يوم الاتنين  19 أكتوبر 2020  ماهي أبرز مرتكزات وتوجهات هذا القانون؟

قبل الحديث عن التوجهات الكبرى لمشروع قانون المالية 2021 لا بد من الإشارة إلى أن الإعداد لهذا المشروع إنطلق منذ مارس الماضي ، مع منشور رئيس الحكومة حول البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات , والذي تم تحيين معطياته بمنشور 01 يوليوز  2020 ، وقد فرضت جائحة كورونا توقف نسبي لأشغال إعداد مشروع هذا القانون والانشغال بقانون المالية التعديلي، قبل أن تستأنف هذه المسطرة بصدور الرسالة التأطيرية عن رئيس الحكومة .هذا القانون تم إعداده  في سياق اتسم ولا يزال بإنتشار جائحة كورونا وانعكاساتها الإقتصادية والإجتماعية والصحية على المستوى الدولي والوطني، ومدى تأثير هذه المتغيرات على الإقتصاد الوطني، الذي عانى أصلا من موسمين فلاحيين سلبيين بسبب تعاقب سنتين من الجفاف ، وهي العوامل التي تداخلت لتجعل الإقتصاد الوطني يفقد حوالي 100 مليار درهم كقيمة مضافة خلال سنة 2020.

لذلك  كان لزاما على واضعي المشروع أن يستحضروا مجمل هذه المتغيرات,ولو مع صعوبة التحديد الدقيق لحجم تأثيراتها, لوضع مشروع يستهدف أولا استعادة الاقتصاد الوطني لعافيته وتنزيل خطة طموحة لإنعاشه ،عبر تمكين القطاعات الانتاجية من استعادة نشاطها والحفاظ على التشغيل وتمكين الشباب من الولوج للتمويل و دعم الإستثمار العمومي، وثانيا يستحضر مفهوم الدولة الاجتماعية من  خلال ورش التفعيل التدريجي للتغطية الإجتماعية التي برزت الحاجة اليها في زمن الجائحة وتفعيل السجل الإجتماعي الموحد، وثالثا يعزز مثالية الدولة عبر تحسين فعالية الدولة وعقلنة نمط تدبيرها وخاصة ورش اصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية.

 

مشروع قانون المالية لسنة 2021 تضمن ما سمي بالمساهمة الإجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول. لكن أصوات انبرت منذ الآن ضد هذا الإجراء؟

لا بد من الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بتغيير مواد بمدونة الضرائب، وأن المساهمة الإجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول, جاءت لتعوض ما سمي بالمساهمة الإجتماعية للتضامن المترتبة على الأرباح، والتي كان أدائها بنسبة 2.5 % حصرا على الشركات التي يتجاوز ربحها الصافي 40 مليون درهم والتي تم إحداثها  بموجب قانون المالية 2019 وطبقت على مدى سنتي 2019 و 2020 .

لكن  هذه المساهمة في نسختها الجديدة التي جاء بها مشروع قانون المالية 2021 تم تعميمها لتشمل إضافة إلى الشركات (بإستثناء الشركات المعفاة بقوة القانون بصفة دائمة،والعاملة بمناطق التسريع الصناعي وشركات الخدمات بالقطب المالي للدار البيضاء)  - لتشمل كذلك - الأشخاص الذاتيون الذين يتحصلون على دخول مهنية او فلاحية أو دخول الأجور والدخول المعتبرة في حكمها أو الدخول العقارية، إذا كانت هذه الدخول تساوي أو تفوق 120 ألف  درهم سنويا (10 ألاف درهم شهريا) بينما الشركات التي يقل ربحها الصافي عن 5 ملاين درهم فهي معفاة من هذه المساهمة، والتي يتراوح ربحها الصافي بين 5 و 40 مليون درهم ستؤدي نسبة 2.5% أما التي يتجاوز ربحها الصافي 40 مليون درهم ستؤدي نسبة 3.5% ، وقد تم حصر تطبيق هذه المقتضيات في السنة المالية 2021 فقط، ما لم يتم تمديدها بموجب قوانين المالية المقبلة.

 

ألا يمكن تشكل هذه المساهمة فرضا ضريبيا جديدا قد يؤدي إلى خلل على مستوى العدالة الضريبية التي مازالت تتلمس طريقها منذ المناظرة الأخيرة للجبايات؟

قبل أن نتحدث عن عيوب تنزيل هذه المساهمة، لا بد أن نؤكد على  أن الغاية من إحداث المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول هي في حد ذاتها غاية نبيلة, مرتبطة بضرورة توفير مبالغ لفائدة منظمات الحماية ، وذلك تجاوبا مع الخطابين الملكيين ليوليوز 2020 و أكتوبر 2020  في شقهما المتعلق بتعميم التغطية الإجتماعية.

غير أن مقترح تنزيل هذه المساهمة هي التي يشوبها نوع من القصور قد يؤثر على العدالة الضريبية ويزيد من حجم الضغط الضريبي لفئة على أخرى خاصة فئة الموظفين التي عانت من التأثيرات المالية السلبية الإصلاحات,إذ لا يعقل أن تفرض المساهمة بنسبة 1.5% على الأشخاص الذاتيين من قبيل الموظفين والأجراء لمبرر أن أجرهم يصل إلى 10 درهم شهريا وكأن هذا المبلغ هو مؤشر على الغنى؟ مع العلم ان أغلب هؤلاء تفوق التزاماتهم المعيشية الأجر الشهري أو في لديهم اقتطاعات دائمة مرتبطة بقروض السكن، وهو ما سيشكل ضغطا إضافيا عليهم، بالمقابل نجد المشروع يستثنى باقي الشركات الأخرى المنصوص على اعفائها بمقتضى القانون ، وتستثنى من هذه المساهمة كذلك الشركات التي يقل ربحها الصافي عن 5 مليون درهم .كان لزاما على هذه الشركات أن تؤدي كذلك هذه المساهمة ولو بنسبة مخفضة (1.5%) مادام الأمر يتعلق بمساهمة تضامنية يفترض ألا تنضاف إلى الإعفاءات التي تستفيذ منها هذه الشركات في الأصل ، كما كان من الأفضل أن يتم تطبيق نسبة تصاعدية كذلك على مساهمات الأشخاص الذاتيين متناسبة مع دخولهم   مع رفع الشطر المعفى من هذه المساهمة إلى حدود 180.000 درهم مثلا(15 ألف درهم شهريا) لتحقيق العدالة الجبائية ولو بشكل نسبي، ناهيك عن السؤال المطروح حول مدى خضوع التعويضات التي يتلقاها رؤساء وأعضاء الجماعات الترابية و مختلف ممثلي الهيئات والمؤسسات الاستشارية الدستورية لهذه المساهمة من عدمه؟ وهنا سأستعير مقولة للسياسي الإجتماعي الديمقراطي الألماني، فرانس مونتيفيرينغ بأن " الأكتاف القوية ينبغي أن تتحمل الأعباء التقيلة" وهو ربما ما لم يتحقق في تنزيل هذه المساهمة.

مادمنا تحدثنا عن التعليمات الملكية حول التغطية الإجتماعية؟ كيف يكن الحديث عن تنزيل هذا الخطاب في مشروع قانون المالية 2021؟

المشروع الكبير لتعميم التغطية الإجتماعية والذي تحدث عنه صاحب الجلالة في خطابه الأخير بتاريخ 09 أكتوبر 2020 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة للولاية التشريعية العاشرة ، المؤكد أنه يحتاج لموارد مالية مهمة لتمويله.

على هذا المستوى تنبغي الإشارة إلى أن مشروع قانون المالية 2021 جاء في مادته 15  ليغير من الحساب المرصد لأمور خصوصية المسمى " صندوق دعم التماسك الإجتماعي" الذي سبق إحداثه بموجب المادة 18 من قانون المالية 2012 ، ليصبح إسمه " صندوق دعم الحماية الإجتماعية والتماسك الإجتماعي" وتم دعم هذا الصندوق بموارد إضافية تتمثل في حصيلة الضريبة الداخلية على الإستهلاك وكذا حصيلة الواجب التكميلي برسم  المدونة العامة للضرائب، وكذا حصيلة المساهمة الإجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول ، وهو ما سيرفع من موارد هذا الصندوق من 3برسم سنة 2020 إلملايير إلى 9.5 مليار دره م درهم برسم سنة 2021.إن رصد هذه الموارد " لصندوق دعم الحماية الإجتماعية والتماسك الإجتماعي" يأتي بغية توفير المبالغ المدفوعة لفائدة منظمات الحماية الإجتماعية برسم المساهمة في تمويل الحماية الإجتماعية.

 

يعد الاستثمار العمومي محرك رئيسي للمقاولة الوطنية و مصدر انتعاش للاقتصاد الوطني ، كيف تعامل مشروع قانون المالية 2021 في هذا الإطار؟

قلنا إن  من بين مرتكزات مشروع قانون المالية 2021 هو تسريع تنزيل خطة لإنعاش الإقتصاد الوطني، وإحدى مداخل تحقيق هذا الهدف هو الرفع من المجهود الإستثماري للدولة، على هذا المستوى نسجل أننا انتقلنا من 182 مليار درهم التي كانت مقررة برسم سنة 2020 وعرفت ارتباكا على مستوى تنفيذها بسبب إكراهات الجائحة، لنصل إلى 230 مليار درهم كحجم اجمالي للاستثمارات العمومية بمشروع قانون المالية 2021، خصوصا مع إحدات "صندوق الإستثمار الاستراتيجي" بموجب مرسوم سيصادق عليها في إطار  مشروع قانون المالية 2021، مع الإشارة إلى أن صاحب الجلالة أطلق عليه اسم " صندوق محمد السادس للاستثمار" وعموما تتوزع هذه الإستثمارات العمومية  ب 85.1 مليار درهم لفائدة الميزانية العامة ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات الخصوصية للخزينة (37%) و 81.9 مليار درهم لفائدة المؤسسات والمقاولات العمومية (36%) و 45 مليار درهم لصندوق محمد السادس للاستثمار(19%)، و 18 مليار درهم للجماعات الترابية (8%).

 

سجلت المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية 2021 أن الموارد العادية للميزانية العامة عرفت زيادة بنسبة 7.65 %؟ الأمر مستغرب بعض الشئ إذا ما استحضرنا تداعيات كورونا على هذه المداخيل؟

الموارد العادية للميزانية العامة يتوقع أن تصل في مشروع قانون المالية 2021 إلى أزيد من 228 مليار درهم، و حين الحديث عن هذه الموارد نميز بين المداخيل الضريبية (المتوقع أن تصل إلى 201مليار درهم, و المداخيل غير الضريبية (,المحتمل أن تصل إلى 26 مليار درهم.

ومعرفة مدى تراجع أو زيادة هذه الموارد في مشروع قانون المالية 2021 رهين بمقارنتها بالتوقعات الأولية التي حددها قانون المالية 2020 والتوقعات كما تم تحيينها بموجب قانون المالية المعدل له.

فقانون مالية 2020 كان قد حدد الموارد العادية للميزانية في 257 مليار درهم .بينما قانون المالية المعدل كان قد حدد الموارد العادية للميزانية في 212 مليار درهم,وبالتالي فمقارنة حجم الموارد العادية للميزانية العامة برسم مشروع قانون المالية 2021 مع قانون المالية المعدل يفرز زيادة بنسبة 7.56%، لكن داخل هذه الزيادة الإجمالية التي شملتها مختلف مكونات الموارد العادية للميزانية العامة، لا بد أن نسجل تراجع على مستوى الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة بمعدل انخفاض يتجاوز 11% وعلى مستوى الموارد المختلفة بمعدل انخفاض قدره 39% .ويفسر الإنخفاض على مستوى الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة بتراجع حصيلة الضريبة على الدخل والشركات بسبب تداعيات الجائحة.

إذن ماهي الوضعية المالية لعجز الميزانية ؟

إذا  ما أردنا الحديث عن الحاجيات الحقيقية المتبقية لمويل ميزانية الدولة  في مشروع قانون المالية نينبغي القيام في مرحلة أولى بموازنة بين الموارد الإجمالية للميزانية التي تصل الى 325 مليار درهم,دون أن ندرج في هذا المستوى موارد الاقتراضات وبين التحملات الإجمالية للميزانية البالغة 476 مليار درهم، وهوما سيفرز لنا عجزا قدره 151 مليار درهم يشكل الحجم الاجمالي لتمويل ميزانية الدولة.

وفي مستوى ثان يتم اضافة موارد الاقتراضات المتوسطة والطويلة الاجل (الداخلية والخارجية) البالغ قدرها 107 مليار درهم إلى باقي موارد الميزانية، لينخفض العجز في حدود مبلغ 43 مليار درهم وهو ما يشكل الحاجيات المتبقية لتمويل ميزانية الدولة.

لكن ما ينبغي الإنتباه اليه في تحليل العلاقة بين الموارد والتحملات هو أن الموازنة بين المداخيل العادية للميزانية وبين النفقات العادية يعطينا ناتج سلبي بقرابة 26 مليار درهم    أي أن الرصيد  للميزانية في قانون المالية 2021 هو رصيد سلبي، وأن مختلف المداخيل الضريبية وغير الضريبية لا تكفي حتى لتمويل النفقات العادية؟ وهي وضعية غير سليمة في التدبير المالي العمومي، وتعبر عن تدبير سيئ للعلاقة بين الموارد العادية للميزانية و بين النفقات العادية، ودليل على قصور لنظرة الحكومة وتنم عن ضعف تدبير الحكومة لهذا المجال، وعدم اهتمامها بترشيد نفقات التسيير خصوصا نفقات المعدات والنفقات المختلفة والنفقات الطارئة والمخصصات الإحتياطية، التي كان من الممكن الإشتغال عليها وعقلنتها أكثر، لتحسين  الرصيد العادي للميزانية الذي يوجد في وضعية غير مقبولة.

*عثمان مودن رئيس منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية وباحث في المالية العمومية. كلية الحقوق أكدال بالرباط.