ثقافة وفن

لغزيوي يكتب: جراح الجسد الحزبي العاري...زيان نموذجا !

بنعبد الله المغربي الثلاثاء 01 ديسمبر 2020
1-31-550x309
1-31-550x309

AHDATH.INFO

بقلم: المختار لغزيوي

صعب أن يصدق مغربي عاش في التسعينيات من القرن الماضي أن محمد زيان مناضل حقوقي تنصب له الفخاخ العارية للنيل من صورته لدى الرأي العام الوطني.

للرجل صورة واحدة لدي الرأي العام المغربي يجب التذكير بها دوما وأبدا، في إطار محاربة هاته الأمنيزيا الجماعية التي يراد لنا أن نصاب بها هي صورة الوزير المكلف بحقوق الإنسان في المغرب زمن ادريس البصري، رحم الله الجميع .

للرجل أيضا صورة محامي الحكومة الذي كان يقول بأنه على النقابي الشهير  نوبير الأموي أن يذهب إلى السجن لأنه قال في حوار إن « الحكومة كتسرق ». وللرجل سمعة صاحب شركة النقل الدولي  بالحافلات بين أوربا والمغرب مما لاحاجة حتى للحديث عنه إطلاقا، مادامت الحدود مقفلة هاته الأيام ويستحسن ترك عديد الملفات مقفلة هي الأخرى لأن رائحتها ليست زكية على الإطلاق.

طبعا يعرف تسعينيو المغرب، أي من عاشوا تسعينياته، وليس من بلغوا خرف أرذل العمر التسعيني، أن للرجل صورة أخرى كان مقر حزبه وسط العاصمة الرباط مسرحا لها هي صورة المزايدة بالعاطلين من أصحاب الشهادات الذين وجدوا عنده ذات زمن الملاذ، وصدقوا ذلك قبل أن يتم طردهم من مكتبه بعد أن فعل بهم أفاعيله.

لذلك وعندما يريد اليوم زيان لعب دور جديد من الأدوار، التي يعتقد أنه لازال قادرا على تقمصها يبتسم الكثيرون بحزن، برثاء، بشفقة، بعدم قدرة على مواصلة تمثيل دور المنتبه، وبتأفف كامل من القدر الحزين الذي يفرض على المغاربة أمثال هاته الكائنات، ويفرض علينا طيلة هذا الوقت أن نصدق أن الأمر يتعلق فعلا بزعماء حقيقييين لأحزاب حقيقية، يعطى لها وصل التكوين والنشأة، وتمنح لها تمويلات الدعم العمومي للأحزاب وتستدعى هي الأخرى للقاءات الرسمية، ويطلب منها رأيها في هاته وفي تلك، بل ويتم إخبارها بالقرارات الكبرى على سبيل إشراك هذا الفاعل الحزبي المغربي العجيب فيمالايجب إشراكه فيه حقا…

زعيم حزب « السبع » قفز مجددا إلى الواجهة في المدة الأخيرة، علما أنه أصبح إحدى علامات هاته الواجهة المرتدة في السنوات الآخيرة من خلال خرجاته وشطحاته العديدة، بعد أن نشر موقع إلكتروني مغربي شريط فيديو منسوب إليه يظهر فيه في لقطات حميمة محرجة جدا مع إحدى موكلاته.

طبعا لم يستطع زيان أن ينفي أو يؤكد الفيديو، بل انخرط في حملة حمق حقيقية طالب فيها من ضمن ماطالبه بحل كل شيء في البلد وترك الفيديو فقط مقفلا. وطبعا انخرط بعض مكتشفي النضال الافتراضي مع الرجل في التباكي على مالاتباكي عليه. بل إن من بينهم من اعتبر الفرصة مؤاتية لكي يجمع عدة ملفات لارابط بيننها عدا الرابط الجنسي، لكي يعتبر أن المغرب أصبح يختلق الملفات الفضائحية للمعارضين والمفكرين الأحرار الصناديد (من أمثال زيان كذا والله ) - لا داعي للضحك فمن يضحك يبتلى مثلما علمنا المأثور - لأن البلد لم يعد قادرا على التخلص من المعارضة الخطيرة والكبيرة والقوية التي يشكلها هؤلاء.

كيف وصلنا إلى هذا الهوان الذي يجعل هؤلاء القوم يقولون هذا الكلام دون أن يفكروا فيه ولا في معانيه الحقيقية؟ كيف سولت النفس البشرية الأمارة بالسوء لهؤلاء أن يتخيلوا أن زيان يمكن أن يكون معارضا سياسيا خطيرا للمغرب لابد من توضيب صورة مؤخرته - أعز الله قدر الجميع - لكي يتخلص المغرب من معارضته البطولية؟

مثل هاته الأسئلة البسيطة حد الوجاهة لا تجد لدى الراغبين في قول أي شيء أي استعداد للتفكير السليم الموجود في العقل السليم.

بالنسبة لمعارضي الساعة الخامسة والعشرين، الباحثين عن شيء ما صالح للقول واللوك وإن لم يكن حقيقيا، الأساسي هو رسم هاته الصورة والتأكيد عليها باستمرار بتجديد الكذبة يوميا: لا وجود لاعتداءات على النساء، بل هناك مؤامرة تم التخطيط لها. لا وجود لاتهام شاب مثلي لصحافي بأنه اعتدى عليه، بل هناك مؤامرة تم التخطيط لها. لا وجود للقطة فضائحية جمعت زيان بموكلة من موكلاته. هناك دائما تلك المؤامرة التي تم التخطيط لها، وقس على المنوال ذاته إلى أن تتعب أنت من الإنصات إلى كذب « المعارضين »، دون أن يتعبوا هم منه أبدا، لأنهم يجدون فيه الوسيلة الوحيدة للبقاء.

ومع ذلك، هذا الأمر لايحل الإشكال. مشكلة زيان الأساسية مع المغاربة هي أنهم يعرفونه. فقط، لا أقل ولا أكثر.

ومهما بالغ الرجل في البهلوانيات، ومهما صرخ بعلو الصوت محاولا رتق بكارته القديمة التي يعرف المغرب متى اخترقت، فإن الناس ستظل غير قادرة إلا على التحديق فيه بألم وبشفقة وبازدراء.

ترى فيه، مثلما ترى في أشباه له آخرين، علامة حقيقية على أن العرض الحزبي المغربي ضل الطريق ولم يستطع أن يقدم لهذا الشعب النابغة الذكي مقترحات ذكية تساير مستوى وعي الناس.

توقف العرض الحزبي المغربي عند درجة معينة من الغباء - إلا لمن رحم ربك - وفرض علينا جميعا إما أن نقبل بهذا الغباء السياسي أفقا نهائيا وفق منطق « هاد الشي اللي عطا الله والسوق »، أو أن ننفض أيدينا من هذا المشهد أكثر مما قمنا بذلك أصلا وأن نقسم إلا نعود للانتباه إلى هؤلاء مهما فعلوا، ومهما أجرموا ومهما ارتكبوا ومهما تمادوا في الارتكاب.

زيان ليس مهما نهائيا في هاته الحكاية. هو أتفه من التفاهة في الحقيقة. الأخطر بالنسبة لكاتب هاته الأسطر ولمن يفكرن مثله، هو أننا ذاهبون إلى انتخابات أخرى بعروض حزبية فيها وجوه تشبه وجه محمد زيان. هذه هي المأساة الحقيقية.

كيف ستقنع مغربي الألفين والعشرين، أي مغربي مابعد الكورونا بما لم تستطع أن تقنع به مغربي التسعينيات الذي لا زال يتذكر كل التفاصيل؟

تلك هي الحكاية المؤلمة/المؤرقة/ الحارقة التي يجب أن نجد الشجاعة ذات يوم لكي نواجهها، لأن تركها مؤجلة مزيدا من الوقت لن يذهب بنا إلا إلى مزيد من الضياع ومزيدا من الزيانيات أيها السادة…

فقط لا غير.

كاريكاتير: عبد القدوس
كاريكاتير: عبد القدوس