ثقافة وفن

مرثيات عام لن ينتهي : العام 2020

بنعبد الله المغربي الأربعاء 09 ديسمبر 2020
Capture d’écran 2020-12-09 à 15.53.04
Capture d’écran 2020-12-09 à 15.53.04

AHDATH.INFO

بقلم: المختار لغزيوي

ويحدث أحيانا أن يتحول الفضاء الأزرق إلى كتاب تعازي كبير.

يحدث أحيانا أن تفقد تماما القدرة على الدخول إلى الفيسبوك وإلى بقية مواقع التواصل الاجتماعي، أن تصبح جبانا تخشى « الكونيكسيون » لأنك تعرف المصير وتوقن بما ستلاقيه هناك: رحل فلان ادعوا له بالرحمة. فلان على أبواب الرحيل استعدوا للدعاء له بالرحمة…

تفقد الخاصية، خاصية التواصل نعني، معناها، وتصبح بالمقابل نذير شؤم، ودليل رعب وإرهاب يوميين. تنقل لك مصائب الناس، وتخبرك أنك في اللائحة تنتظر مثلهم إما سماع الأنباء السيئة، وإما الدخول في طابور صناع هاته الموحشة من الأنباء..

مات مارادونا قال القائل. هل يموت الفتى الذهبي ياهذا؟ يطمئنك حامل الخبر السيء أن المعجزة لم يمت بالداء، بل مات بالسكتة القلبية. هل يغير الأمر من الأمر شيئا ؟

قطعا لا أيها الغبي. الخلاصة هي أننا فقدنا أفضل من لعب الكرة على الإطلاق. والخلاصة الأسوأ هي أننا فقدناه في هذا الزمن الخطأ حيث الموت نفسه يفقد معانيه، وحيث لا سرادق للعزاء وحيث لا توديع للأحبة.

أرقام هي تترى وتتوالى، تضع التراب في التراب على التراب، ولا تحيي جنائز ولا تقف حتى لحيظات للتشييع. تقسو القسوة على القسوة في الموقف ولا تدع للرحمة مكانا للتسلل أو الهروب..

الوباء ضرب القوم في المقتل، وهذه السنة لوحدها كفيلة بأن تجعلك كارها مدى الحياة للتقويمين الهجري والميلادي، ولكل أنواع حساب الدهر إلى أن ينتهي الدهر نفسه من الحساب..

مات حسن المنيعي قال القائل الآخر. وهل يموت باحسن؟ هل يموت من صنع للدرس المسرحي في المغرب قداس تفكير فيه قبل أن يفكر في ذلك المحدثون والقدامى؟

نعم يموت. هكذا تحدث زمن كورونا، وهكذا فرضت علينا الأيام الحزينة أن نعيش وأن نحيا وأن نعد الخسارات وأن نضع لكل يوم جملة تصلح لتأبين، تحاول أن تبرز حزننا ولا تستطيع، فنقرر أن نعيد المحاولة في التأبين القادم وهكذا دواليك.

ثم مات محمود الإدريسي. قال له الناس « محال واش ينساك البال »، وهم أيضا طرحوا على أنفسهم السؤال : « هل يموت صاحب الساعة السعيدة؟ ». على مايبدو نعم، هو الآخر يموت. والساعات السعيدة تعيد ضبط عقاربها على حزن هذا الوقت المؤدي بنا جميعا إلى الفناء، المثقل علينا بوحشة التوالي الإرهابي لأخبار المرض والرحيل، القادر على تذكيرنا أننا في نهاية المطاف مجرد أرقام توضع في التوابيت وترصع بها إحصائيات منظمة الصحة العالمية الراغبة في إقناعنا أكثر مما اقتنعنا لحد الآن أن وباء خطيرا يعصف بالناس منذ ربيع هذا العام الغريب.

يموت بعدها محمد المليحي. تسأل جداريات أصيلة وأزقتها التي صنعها على مهل هذا المبدع الرائق الراقي : « هل يموت سي محمد هو الآخر؟ » تجيب الزرقاء الحزينة المتكئة على وليها الصالح سيدي العربي غيلان بخبرة السنوات والفواجع التي ضربتها منذ البدء « نعم يموت ».

تلمح في ثنايا العين منها دمعة فارة هاربة. لا تكبح جماح حزنها ولا تريد ذلك، فهي للحزن خلقت منذ الزمن البعيد، وهي اليوم أكثر حزنا على الماضيات وعلى ماهو قائم، وعلى القادم إليها على صهوة كل هذا المجهول المثير للفزع والآهات.

يموت عبد الحق بنهلال في مكناس، يتذكر الناس لقب البطولة والمسير الراقي الذي كانه قبل أيام كرة الاحتراف الكاذبة. ويموت الحاج أحمد سهوم في معزله في الصويرة أو خارجها، في الخلوة، تاركا للملحون أن يبحث عمن يستطيع تقييد آيات بهائه في الدفتر. يموت حكيم عنكر الصحافي المغربي المؤدب، وقد ترك لأصدقائه ليالي يناجون فيه القدر أن يرحمهم وأن يعفيهم من هذا التمرين القاسي دونما أمل. يموت آخرون وأخريات في لحظة التباس عظمى. لا يعرف فيها الناس إن كان جهازهم التنفسي لازال قادرا على الاشتغال، أم أنه يحتاج هاته الكمية المرعبة من الفيتامينات والمكملات الغذائية لكي يعيد قدرته على الدوران، أم أنه مرتبط بهذا السباق المحموم بين المختبرات العالمية لإقناعنا أن المرحلة الثالثة من التجارب السريرية قد انتهت وأن الروسي أفضل من الأمريكي وأن الصيني ينافسهما، وأن الملاذ الوحيد المتبقي أمام الكرة الأرضية لئلا تفقد صوابها بالكامل هو أن تسلم الذراع لهاتين الجرعتين، وأن تنتظر النجاة أو الفناء..

منذ مارس الماضي، منذ الربيع (وهذا وصف كاذب وانتحال صفة لفصل لم نر فيه إلا كل علامات الخريف القاتلة)، تحيا الكرة الأرضية على وقع الموت.

العالم تحول إلى دفتر عزاء كبير، وفي أحسن الحالات أصبح وريقات موضوعة في باب العيادة الكبرى، يكتب عليها الناس عبارات الأمل في أن يشفوا من مرضهم، وأن يعجل القدر للباقين بالعثور على بر النجاة.

منذ الربيع الكاذب الذي عبرناه، وهذا السيف المعلق على رقاب الناس يحولنا إلى عذاب ويحول حياتنا إلى أكذوبة، ويحول أيامنا إلى سويعات انتظار لمزيد من العد والحساب لأرقام المرضى والراحلين…

شيء ما تكسر فينا هذا العام. سيكون صعبا للغاية أن نعثر له في القادم من السنوات على الترياق وعلى الحل وعلى طريقة ما للإصلاح والشفاء…

شيء ما يمنعنا من الاحتفال بالميلاد المجيد، مثلما منعنا من الاحتفال بكل أعيادنا العابرة، ويمنعنا من التفكير في الوقوف لحظة الانتقال من سنة إلى أخرى والثمالة تغازلنا، لكي نبشر العام الجديد بأننا ننتظره. لن نقرأ الأرقام بالمقلوب هذه السنة، لن نقوم بالعد العكسي. فالعام 2020 حرمنا حتى من القدرة على انتظار الخير في القادمات. سنجلس في ركن ما منزوين، نترقب الثانية عشرة ليلا. سنقوم إلى اليومية المعلقة في الجدار. سنزيل ذلك اليوم الأخير من عام الحزن هذا. ستلقي به إلى حيث يجب أن يكون، سنلمح تاريخ الفاتح من يناير 2021 يكتب نفسه، سنأمل خيرا وكفى. لا حل لنا غير ذلك. لا حل على الإطلاق