ثقافة وفن

رحم الله الوحيد الحامد: الكبير الذي عرى« الجماعة » !

بنعبد الله المغربي الاثنين 04 يناير 2021
770848ED-D3B9-4EDB-AF7C-9BBCA3F43E4F
770848ED-D3B9-4EDB-AF7C-9BBCA3F43E4F

AHDATH.INFO

عرى « الجماعة » بطريقة فنية وكشف كل عوراتها  قبل الآخرين. ربط « الإرهاب والكباب » أي لقمة العيش ببعضهما، وقالللأنظمة الحاكمة في المنطقة : أنقذوا الناسمن الفقر المادي ولن يسقطوا بين براثن الفقرالمعنوي الذي يمثله المتطرفون بكل تلويناتهم.

تحدث عن « الإرهابي » بشجاعة  قبل الآخرين، وكشف من خلال تناقضاته الوجه الإنساني الآخر لمن يقتلون الناس دون أن يفكروا في الجرم الذي يرتكبونه، وكيف يمكن أن ننقذهم من فخ هذا التناقض إذا وفرنا لهم سبل حب الحياة، عوض أن نجعلهم مهووسين بعشق الموت والقتل وكل الفناء.

أتقن « اللعب » الإبداعي « مع الكبار » لكي يصل إلى الصغار كل الصغار. وكان أبرز حاملي مشعل تبسيط الفن والأفكار لكي تصل إلى عموم الناس. وكانت حربه شرسة ضد المتعالمين والمتفذلكين بالمصطلحات المعقدة، وكان يقول للجميع « لاأتعالى على جمهوري البسيط لأنني أريد أن أصل بأكبرالأفكار إلى أصغر الناس ولأنني أريد أنأشرح لهم بشكل مبسط مالايستطيع معقدوالثقافة أن يقولوه لأن التفذلك اللغوي يكبلهم بكل قيوده ».

حذر قبل الوقت بزمن طويل من « طيورالظلام »، وأخبر العالم العربي النائم في أوهامه أنها طيور قادمة وأنها لن تحمل لنا إلا الخراب تلو الخراب. وتحققت النبوءة يوم صارت الشام الجميلة التي عشقناها جميعا مرتعا لداعش والنصرة ووجوه الخيبة والألم، ويوم أصبحت ليبيا عمر المختار مكان التقاء كل القتلة ومموليهم، ويوم سقطت تونس والجزائر بين أيدي الإرهابيين الذين أرادوا الاستيلاء أيضا على مصر، وجعلها أرض الخلافة الكاذبة قبل أن تنقذها الأيادي الحاسمة ذات يونيو وتعيدها إلى المقاومة الضرورية لكل هذا الموت القادم على أجنحة القرءة الكاذبة للدين.

قدم عن « السياسي » وهو يضعف أمام « الراقصة » الصورة الحقيقية للفارق بين المعلن عنه وبين الواقع، ورسم في « البريء »صورة لظلم الواقع على الناس، الرافض الارتفاع، المستمر في قتل كل المظلومين، ورسم من خلال « عمارة يعقوبيان » صورةمجتمع شوهته تغيرات لم يتخيل وقعهاالحقيقي، ولم يستوعب شراستها إلا بعد أن وقعت.

كتب في « المنسي » واحدة من أروع الحكايات الدرامية عن النسيان الفعلي الكبير الذي نحيا في ظله والذي يجعلنا نمثل دور من لا يرى عددا كبيرا من الناس، ومن خلال « أحلام الفتى الطاير » أو « الهلفوت »انتصر للهامش وأبنائه وهم يريدون « الطيران » والتحليق مثل الآخرين، مع طرحالسؤال: لماذا يغتني الآخرون فقط ونبقى نحنفي السفح ننظرإليهم ونتحسر؟

لم يكن الكبير وحيد حامد الذي ودعناه السبت مجرد كاتب سيناريوهات عادي. كان مفكرا في حال القوم الذي يعيش بينهم. كان عالم اجتماع يقدم دراساته على الورق حكايات وقصصا تصلح للتأمل الكثير. كان نبض هذه التحولات التي مست المكان كله، وكان قدرة حقيقية على استشراف جل ماتعرض له المكان. لذلك كان فقده كبيرا، ولذلك ارتاحت « طيور الظلام » أو أحست ببعض من التشفي وهي تسمع خبر موته، لاعتقادها الواهم أن الأفكار تموت، ولاقتناعها الخاطئ أن الفن شيء تافه يذوب تأثيره مع الوقت…

تعرف الطيور الظلامية الظالمة أن الكبير الذي رحل ضربها لسنوات وعقود في مقتل، وهو يعريها ويكشف سوءاتها والعورة منها قبل الكل للجميع، وتعرف أن التشفي في موته أو الشماتة في رحيله لن يستطيعا أبدا منع الجيل الجديد، والأجيال التي ستلي، المرة بعد الآخرى من الفرجة على الأعمال التي كتبها، ومن التفكير فيما كتبه، ومن الترحم على من كتب تلك الروائع، ومن الاقتناع بأنه كان في الصف الأول للمواجهة مع من ظل يعتقد دوما وأبدا أنهم لن يأتوا إلا بالموت إلى هذا المكان.

رحم الله الكبير الوحيد الحامد، ورحم معه عقل الأمة من أثر الظلام وزارعيه ومموليه وبقية القتلة.