ثقافة وفن

سكينة بنزين تكتب:يسألون .. هل يجوز الاحتفال ب"الناير" !!؟

سكينة بنزين الثلاثاء 12 يناير 2021
سنة أمازيغية
سنة أمازيغية

AHDATH.INFO

لماذا تُرعبنا لحظات الفرح على قلتها وسط أجندة نكد حافلة؟لماذا نتمتم خلف كل قهقهة "الله يخرج هاد الضحك على خير" وكأن الفرح جرم تقابله سوء عاقبة؟ ولماذا نستحضر ميزان الحلال والحرام في المكان والزمان الخطأ، قافزين عمدا فوق مظاهر "حرام" حقيقية نتعمد التغافل عنها، لأنها باب إحراج شديد نجتهد في إقفاله مقابل فتح باب آخر على مصراعيه أمام فتاوى خارج السياق.

أمام هول مشهد جثت استخرجت من تحت الردم بعد انهيار منازل آيلة للسقوط، وأمام أصوات مبحوحة تسأل الدفء في عز البرد والتشرد، وأمام ضياع ممتلكات و غيرها من المشاهد التي كان الأولى معها سماع أصوات تستفتي الشرع حول ما يمكن فعله لتضميد جراح أخ مواطن، وما يمكن تقديمه للتخفيف من موجة الغبن التي تجتاز البلاد تزامنا مع موجة برد كشفت عورة سوء تدبير موغل في العشوائية ليس هذا مكان تفصيله، نجد أصواتا تستل من الفتاوي ما يفرق الناس بين معسكر الصالح والطالح/الموحد والمشرك/الداخل للملة والخارج منها .. وتطرح تساؤلات موغلة في اتجاه الخلاف من أجل الخلاف، من قبيل "هل يجوز الاحتفال برأس السنة الأمازيغية؟"، و" ما حكم العادات الوثنية لطقوس الناير؟"، "ما حكم تخصيص أطعمة معينة لهذه المناسبة؟؟؟" ...

هل نحتاج حقا لطرح هذا السؤال كل سنة؟ وبعبارة أدق:هل نحتاج إلى افتعال هذا السؤال كل سنة لدحرجته بين صفوف بسطاء يسهل استمالتهم باسم الحلال والحرام نحو نقاشات متشنجة؟ طبعا السؤال ليس عيبا، بل هو المطلب المقدس لبحث دائم عن أبواب مشرعة على إجابات لا تنتهي، لكن للأسف بعض الأسئلة وضعت لسد الطرق وخلق اللغط وبث الفرقة وتفويت فرص التعدد من طرف المسكونين بالمشهد الرتيب الواحد الأوحد.

دعونا أولا نذكر أنه لا أحد ادعى أن "الناير"أو "رأس السنة الأمازيغية"، أو "السنة الفلاحية" أو غيرها من المسميات، عبادة يرجى منها التقرب إلى الله، أو يزاحم بها ما أقره الله من أعياد، بل الكل يجمع أنها عادة وانتهى الأمر. نعم عادة تكشف مسمياتها المتعددة أنها ممتدة في الجغرافيا والتاريخ بما يتيح لها إعادة تشكيل طقوسها حسب المحتفين بها. وللتذكير لا يمكن إقبارها ببساطة لأنها احتفاء بالخصب و بالطبيعة ، وبالأرض وغلالها، وما يتخلل ذلك من محطات تاريخية لا يمكنك فرض الوصاية على من يرى أنها تعنيه وتعني جزء من هويته الضاربة بعمق في تاريخ المنطقة.

هي استبشار بأن يكون القادم أحلى. هي تحلق حول قصعة تنوع يجتاز المادي لما هو معنوي وثقافي ... هي كثير أشياء يحاول البعض طمس ملامحها بورقة فتوى تطوع البعض لحملها في شكل سؤال توزع بين منتديات ومواقع الفتوى المشرقية التي حسمت الأمر بجرة قلم جوابا على سؤال "ما حكم الاحتفال بعيد الناير الأمازيغي البربري وتناول أطعمة خاصة بذلك اليوم"؟ ليكون الرد الموثق منذ خمس سنوات على صفحات أشهر موقع فتوى مشرقي " لا يجوز الاحتفال بذلك، فهذا من جملة الأعياد غير المشروعة، وأكل الأطعمة المخصوصة على قصد الاحتفال ممنوع"..

وماذا ينتظر السائل من غريب عن العرف؟ ولماذا تشد تفاصيلنا العصية عن الفهم الرحال نحو المشرق طلبا للفتوى في ظل وجود مؤسسة دينية رسمية تسري في عروقها دماء من هم أدرى بتفاصيل عرف هذا البلد؟ ولماذا لا يصيغ طالب الفتوى سؤاله بتجرد من خلفيات فكرية تحمل في طيات الاستفسار باسم الشرع مواقف من تيار وفكر معين ...؟ نُذكر أنه لا عيب أبدا في عدم الاقتناع بمشاركة الناس احتفالاتهم، فالحق في عدم الاحتفال مشروع كما الحق في الاحتفال. والحق في النكد والعبوس أيضا مكفول كما الحق في الفرح، ففي النهاية هي قناعات وأمزجة، لكن المرعب دائما هو محاولات دفع الناس مكرهين نحو منطقة الحسم، منطقة ال"مع" أو ال"ضد" الضيقة، مقابل استبعاد مناطق التوافق الشاسعة.

ومن بين ركام النقاشات الموسمية التي غزت خلال الأيام الماضية مواقع التواصل، دعونا نستل معطيات بعيدة عن الخلاصات الجامدة والنصائح الفوقية النشاز، لنتدرب في القادم من الأيام على تدبير الخلاف بعيدا عن لغة الخصومة .. إن ما ورد في "النقاشات" أو حملات تبادل السب والشتم -إن أردنا الدقة في تسمية الأشياء بمسمياتها- التي تتخللها آيات قرآنية وإحالات على المواثيق الدولية وغيرها من كبير العبارات ، يجب "إعادة تدويره" لتبديد الرعب الذي يسكن البعض تجاه كلمات من قبيل العرف، والوثنية، والطقوس،والآخر المختلف،و الخصوصية، والفتوى وغيرها من المسميات التي تحمل مفاهيم وجب الاجتهاد في اقحامها داخل كل الفضاءات،لرفع الالتباس الذي يجد فيه البعض منفذا لزرع بذور الرفض من أجل الرفض، فالناس في نهاية المطاف أعداء لما يجهلون.

من المؤكد أن الدعوات لرفع العداوة القائمة بين الناس وكثير من المفاهيم ليس الهدف منها التنظير لعالم وردي، قد لا يستقيم وجوده إلا على الورق أو أحلام الساذجين، لكنه محاولة للاقتراب والتقريب. محاولة لا تعني طمس معالم الآخر كما يتخيل البعض، ففي النهاية يجب ضمان الجو المسعف على قول "أنا ضد المسألة الفلانية" ، بشرط أن لا يكون هذا التموقع إقصائيا/متعاليا أو موهما للآخر أنه تحصن بدائرة "الفرقة الناجية"، أو خانة "الوصاية" التي تسير بالبعض نحو فخ الرفض كرد فعل تجاه رفض مقابل.

فتح القوس على نقاش احتفال رأس السنة الأمازيغية وغيرها من المواضيع، خطوة شيقة وممتعة لو وضعت في سياقها الصحيح الذي يستحضر أن الأشياء لا تنتزع انتزاعا من إطارها، ولا تدحرج عمدا في الاتجاه الخطأ ، ولا تستفرد بقرائتها عين واحدة، بل هي وليمة ثقافية/إنسانية قادرة على بسط غناها بسخاء لمن يملك من حسن النية ما يدفعه للإقتناع أن هذا الكون الفسيح يسع الكل ...