السياسة

مؤتمر أنفا.. محطة مفصلية لعالم ما بعد 1945

و م ع الأربعاء 13 يناير 2021
مؤتمر-انفا
مؤتمر-انفا

ahdath.info

سيبقى مؤتمر أنفا، الذي احتضنته الدار البيضاء ما بين 14 و24 يناير من العام 1943، مخلدا في تاريخ هذه المدينة كمحطة مفصلية، أسهمت، بقوة وعلى مدى عقود، في رسم ملامح عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

فالعشرة أيام التي استغرقها المؤتمر، الذي حمل اسم الفندق الذي احتضن اجتماعات المنتصرين المستقبليين في الحرب، كانت مصيرية وحاسمة سواء في ما يتعلق بإنهاء أكبر صراع مسلح في تاريخ العالم الحديث، أو في ما يخص تحقيق تطلعات المغرب إلى التحرر والاستقلال.

فقد شكل هذا المؤتمر فرصة بالنسبة للحلفاء (الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا)، الذين جاؤوا إلى مدينة الدار البيضاء، للاتفاق بخصوص السيناريوهات المختلفة لكسب الحرب، والإعداد لنظام جديد سيؤطر علاقات القوة عبر العالم في ما بعد.

وفي هذا المؤتمر، استغل جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، الذي اتخذ منذ بداية الحرب موقفا مؤيدا للحلفاء ضد النازية، التعاطف الذي كانت تحظى به المملكة للحصول على دعم الحلفاء، وخاصة الولايات المتحدة، من أجل طرح قضية المغرب ومطالبه المشروعة بالاستقلال والحرية.

وبحضور الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفيلت ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل والجنرالين الفرنسيين شارل دوغول وهنري جيرو، سيخرج مؤتمر أنفا بقرارات مصيرية ومحددة لمآل العالم ما بعد الحرب، ومنها اجتثاث عناصر قوة بلدان المحور، ومواصلة دعم الاتحاد السوفياتي، وغزو صقلية ثم إيطاليا مباشرة بعد نهاية المعارك الدائرة بتونس.

وتولى الرئيس الأمريكي مهمة الإعلان عن القرارات الهامة التي اتخذت في المؤتمر يوم 12 فبراير 1943 في خطاب إذاعي، مشيرا إلى أن المؤتمر سيكون بداية مسار تحقيق السلم والأمن، وبداية جديدة في تاريخ الإنسانية المعاصر، ومعربا عن تأييده لمطالب المغرب، بعدما وصف طموحه باستعادة حريته بالمعقول وأن مكافأة الحلفاء له واجب.

وكان الحلفاء، أسابيع قليلة قبل انعقاد المؤتمر، قد أنجزوا، حسب المؤرخين، "أول خطوة استراتيجية مضادة" لألمانيا النازية، تمثلت في الإنزال التاريخي الذي قامت به القوات الأمريكية بالمغرب يوم 8 نونبر من عام 1942، وهو الإنزال الذي أطلق عليه اسم "الشعلة"، وشكل محطة غيرت مجرى الحرب تماما.

فوجود القوات الأمريكية بالقر بمن أوروبا مكن من إضعاف القوات النازية، التي استنزفت قبلا بفعل المقاومة الشرسة التي واجهتها بالجبهة السوفياتية.

وقد اغتنم جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه فرصة احتضان المغرب لهذا المؤتمر لمناقشة قضية استقلال المملكة، ومطالبها المشروعة مع الرئيس روزفلت الذي عبر عن تأييده لهذه المطالب، ودعمه لنضاله من أجل الاستقلال، وهو الذي كان مصمما على تنفيذ بنود معاهدة حلف الاطلسي المصادق عليها من طرف الحلفاء سنة 1941، والتي ارتكزت بالخصوص على الدفاع عن الحرية وعن استقلال الشعوب .

وتبعا لذلك، فما إن حلت السنة الموالية لانعقاد مؤتمر أنفا حتى هيأت نخبة من الوطنيين عريضة ضمنوها المطالب الأساسية المتمثلة في استقلال البلاد، وذلك بتشجيع وتزكية من بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس الذي كان يشير عليهم بما يقتضيه نظره من إضافات وتعديلات، وانتقاء الشخصيات التي ستكلف بتقديمها، مع مراعاة تمثيل جميع الشرائح الاجتماعية وكل المناطق لتكون لجميع المغاربة بصمتهم في هذا الحدث المهم في تاريخ البلاد.

وبذلك يكون المؤتمر قد فتح آفاقا جديدة للعمل السياسي أمام الحركة الوطنية، ومكنها من الحصول على دعم دولي لمطالبها المشروعة، والمتمثلة في الحرية والاستقلال، بل إن القرارات المتمخضة عنه أرست دعائم مبدأ حق تقرير المصير للشعوب الواقعة تحت الاستعمار، وفاصلا بين مرحلتين متباينتين من تاريخ الإنسانية جمعاء.

فمؤتمر أنفا، كمحطة من تاريخ المغرب المعاصر وعلامة فارقة في الذاكرة الجماعية ليس فقط بالنسبة للمغاربة، بل لشعوب العالم أجمع، تجسيد فعلي للثوابت التي قامت عليها المملكة المغربية ودورها، الذي شهد به زعماء العالم حينذاك، كدولة تعمل من أجل الحرية والديمقراطية والسلم العالمي.