مجتمع

سكينة بنزين تكتب: 08 مارس .. نساء مبهرات ونساء مسحوقات

سكينة بنزين الاحد 07 مارس 2021
المغربيات
المغربيات

AHDATH.INFO

طبيبات، عالمات، مهندسات، رياضيات، و سيدات أعمال تظهر بورتريهاتهن فجأة مع بداية شهر مارس، ليطل علينا الجميع بعبارة أصبحت مع الوقت لا طعم لها ولامعنى، وهم يرددون أن المرأة نصف المجتع، وأنه لا تقدم بدون إشراك هذا الجزء المقصي عمدا أو اختيارا.

لا شيء يخنق وهج الاحتفاء مثل تحويله لمجرد عادة مختطفة من سياقها، أو استحضارا لاستثناءات يقدمها البعض كانعكاس لاعتراف دين أو ثقافة أو حيز جغرافي بريادة نسائية تمثل ندا لريادة رجالية ، فالحديث عن بصمة فلانة قبل قرون في السياسة أو التجارة أو العلم لا يستقيم إذا لم نبحث جيدا، هل كان هذا المثال ثمرة تيار فكري أو مدرسة أو مشروع نجح في إخراج العديد من النماذج، أم أن الأمر يتعلق بابنة من، وزوجة من كانت هذه السيدة النموذج الذي يحاول البعض قهرا جعلها مثالا لعصر نسائي ذهبي.

وبعبارات مبسطة بعيدة عن تعقيدات التنظير المتعمدة التي تخفي خلف بريقها حصيلة متواضعة، دعونا نقول أنه لا يمكن الحديث عن ما وصلت له المرأة انطلاقا من وجود نماذج هي من اختارت ضدا على كل الظروف أن تنحت في الصخر، أن تتحدى، أن تعاكس التيار، أن تحارب بطريقتها أو أن تستفيد من بيئة استثنائية لا تشبه النماذج المنتشرة، مثل الأسماء التي تنحدر من أسر سياسية أو أسر متجذرة في عالم المال وأخرى عرفت بالعلم...

ومن الخلاصات المجحفة الاحتفاء الموسمي بالانجازات الاستثنائية التي تحققها حفنة من النساء، مقابل القفز على الوضعية المتردية لملايين النساء المنسيات المسحوقات حول العالم، اللواتي يرمى بهن وسط نيران معارك حياتية يومية بدون أسلحة .. فالتمدرس سلاح، والعلم سلاح، والمال سلاح، والاختيار سلاح، والاستقرار سلاح، والتواجد القوي على الساحة السياسية والثقافية سلاح ...كلها أمور يتم تجريد النساء منها، حتى يخيل للبعض أن العقلية الذكورية تتوارث فيما بينهم وصية أجداد سرية، تحذر من هذا الكائن  القادر على قلب موازين كل شيء لو تمكن من سلاحه، وبتواطئ خفي بين النساء أنفسهن اللواتي يمارسن دورا ذكوريا أكثر من الذكور ، حين يحرصن بكل "تفان" على تمرير رسائلهن المسمومة في وقت مبكر إلى طفلاتهن ليجعلن منهن "خاضعات"، وإلى أطفالهن الذين يكبرون بعقدة التفوق الجنسي، قبل أن ينفثوا على كبر سموم تربيتهم داخل الفضاءات العامة، وبيئة العمل، كما العوالم الافتراضية التي فضحت كل المستور من تناقضات.

ولمحبي المقارنات بين حصيلة الأمس واليوم، يمكن القول بكل بساطة، نعم إن ما حققته المرأة اليوم "مبهر" بميزان مختل يرى في النساء كائنا قاصرا ضعيفا متواضع الذكاء، استطاع مع الوقت أن يراكم انتصارات صغيرة تمكنه اليوم من البحث عن المناصفة والاعتراف، لكن من يتبنى نظرة متزنة عن المرأة المساوية للرجل، يعلم أن محصلة بعض المعارك متواضعة بالنظر لما تصنعه المرأة يوميا على رأس مؤسسات عملاقة، ومختبرات دولية، ووكالات الفضاء، و مؤسسات تربوية وجمعيات وحقول، ومطابخ يراد لها أن تظهر دائما كفضاء لوظيفة قدحية ترمز لربات البيوت المقصيات من امتنان الاحتفاء، الذي يعكس قبح عدم الاعتراف بما تقوم به ملايين ربات البيوت على امتداد خريطة هذا العالم .

لا أخفي بمنطق "المتعصب"، أن كل ما يقدم من فتات انتصارات نسائية،لا يرقى حقا لما تستحقه هذه الذكية القوية المتماهية مع تضحيات يومية، والقادرة على المحاربة في أكثر من واجهة، ما يمهد لها الطريق نحو معارك أكثر تعقيدا بمكاسب كبرى، بعيدا عن الوقوع في فخ دور يرسم لها ككل ضعيف .. ومن هنا تبدأ القصة.

نعم القصة في كون معركة المطحونين واحدة سواء تعلق الأمر بالنساء أو الرجال ، لكن العقلية الذكورية المتعطشة لدور بطولي، تمعن في تضخيم وتعميق ضعف النساء لتمهيد الطريق أمام" استئساد ذكوري"مغلوب على أمره أيضا،والمحصلة رجال ونساء يتطاحنون فيما بينهم تحت سقف يخر على رأس طبقة كادحة دون أن يهتم لجنسها.

لا أريد إثقال هذه الخربشات بتواريخ توثق لمعارك نسائية حاسمة بأمريكا وبريطانيا، ألمانيا، وفرنسا، لكن لا بأس من الإشارة أنه منذ أزيد من 160 سنة بدأت المتمردات بالخروج للشارع للمطالبة بظروف عمل إنسانية، والرفع من الأجر، وتقليل ساعات العمل داخل مصانع النسيج والأسلحة، والحق في التصويت الذي استفادت منه صاحبات الممتلكات أولا، قبل أن تستفيد منه باقي نساء الغرب، لتمر المعركة بمنطق كرة الثلج نحو الحق في الترشح وباقي الحقوق التي لم توزع بمنطق المحاباة، وإنما بمنطق الانتزاع الذي واجهت فيه النساء التعنيف والسجن والتحرش والتهكم ... لقد كانت حربا شاقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والحفاظ عليها كان يتطلب جهدا مضاعفا ووفاء لقضايا النساء بالدرجة الأولى، بدل أن تتمترس النساء خلف أولوية الحزب والإيديولوجيا.

لذلك من المنصف جدا، الحسم في التفريق بين ما تنجزه النساء ضمن معارك فردية شرسة، فتحت لهن مختبرات ووكالات وكبريات المؤسسات والجامعات والمعارض والمكتبات الغربية كما المغربية، لأن بعض الأدوار تقترن بالكفاءة وهو ما يسد ثغرة التلاعب بتوزيع الأدوار،وبين ما يود البعض القفز عليه لإظهاره كمكسب جماعي للنساء ناتج عن مسار واضح المعالم، لأن أغلب المغربيات اليوم وبعد كل المعارك، هن حبيسات الصف الخلفي حيث الاقتصاد غير المهيكل، والهشاشة الحزبية، والقراءات المتعسفة لنصوص الدين والقانون ... إنهن الخزان الاحتياطي الذي يحاول به البعض ترجيح كفته لصالح معاركه التي لا تستحضر النساء إلا طمعا في الحصول على نقاط وأصوات حاسمة.

ما تقوم به المغربيات اليوم في الحقل الجمعوي والحقوقي لا ينكر أهميته إلا جاحد، وهو تحرك يتوزع بين الموسمي واليومي من أجل التماهي مع مكتسبات دستورية وخطوط عريضة رفعت سقف التوقعات بمبادرات ملكية، لكن ما ينقص اليوم هو شرارة البداية الأولى والتنسيق الذي يقفز فوق الانتماءات الضيقة، والكثير من الشراسة التي لمستها يوما في مناضلات أمريكا الجنوبية، أذكر يومها وأنا في تغطية حول الاتجار بالبشر، تلك الحماسة والحرقة التي ميزت مناضلات من البرازيل، وكولومبيا،والإكوادور، وهن يذكرن الحاضرات أن متمردات دفعن الثمن، وتعرضن للسجن والاغتصاب والاغتيال لتمهيد الطريق أمام النساء لمناقشة قضاياهن داخل قاعات مكيفة ،وبحماية قوانين انتزعت قهرا لتضمن للنساء بعضا مما يليق بهن حقا، وتمهد الطريق أمام انجازات أكبر تضمن لهن موقعا في صناعة السلم ورسم السياسات الكبرى بعيدا عن معارك يراد لها أن تبقى ضيقة.

وضمن هذه المعارك الكبرى، انتظارات نساء منسيات مغلوبات على أمرهن، يرين في نساء المراكز الأمل لمد حبل النجاة، حتى تشق الصغيرات طريقهن نحو المدارس بدل شقها نحو الحقول ودرب زيجات قبل الأوان، وهن ينتظرن من يجمع شتات جهودهن الجبارة التي تضيع وسط دوامة اقتصاد غير مهيكل لا يغني ولا يسمن من جوع، كما ينتظرن سندا حقوقيا بعيدا عن انتقائية التنظيمات التي تفرق بين ضحايا الاغتصاب، والتشهير، والتعسف، وهن أيضا يعولن على التجاوب مع طلباتهن الصغيرة التي يراها عشاق "المخمليات" مجرد تشتيت لمعارك نضالية أهم ...