ثقافة وفن

نقوش صخرية تعود بجهة بني ملال خنيفرة إلى ماقبل التاريخ

الكبيرة ثعبان الجمعة 07 مايو 2021
Screenshot_20210507-042931_Chrome
Screenshot_20210507-042931_Chrome

Ahdath.info

افتتح صباح الثلاثاء رابع ماي الجاري بدار الثقافة ببني ملال معرض الفن الصخري بجبل راث. ويعتبر هذا المعرض عرض علمي مركز للنقوش الصخرية بجبل رات الواقع بجماعة آيت بو اولي بإقليم أزيلال.

يشتمل المعرض على رفوعات هندسية وصور منتقاة توضح مختلف المواضيع المرتبطة بهذه المكونات الأثرية التي تعد شاهدا ماديا على حضارة وتقت معالمها على صخور الكرانيت على شكل كتابات ليبية، فرسان وأسلحة ودروع ومشاهد متنوعة بتقنيات النقر والصقل وغيرها.

ويلخص محتوى المعرض البحث الأثري بجبل راث، أنجزته المحافظة الجهوية للتراث الثقافي بجهة بني ملال خنيفرة بتعاون مع أساتذة متخصصين في إطار تأثيت فضاء مؤسسة محافظة النقوش الصخرية بجبل رات في أفق فتح معرضها الدائم قريبا.

ويعد جبل رات أحد أهم المواقع الأثرية للنقوش الصخرية بالأطلس المركزي ،حيث وُضع في قائمة مشاريع المحافظة كمنتزه للقوش الصخرية منذ سنة 2019.

وقال محمد شكري المحافظ الجهوي للثرات الثقافي بجهة بني ملال خنيفرة في تصريح للجريدة ، إن هذا المعرض هو معرض علمي يتناول تراث ثقافي بالجهة. مبرزا أن جبل راث هو موقع أثري كبير وغني جدا بالنقوش الصخرية واللقى الأثرية والمقابر الجنائزية التي تخص المرحلة الليبية وهي الفترة التي تعرف بالانتقال من ماقبل التاريخ إلى الفترة الممهدة للتاريخ .

وأوضح شكري ، أن جبل راث يرقد على كنوز أثرية مهمة تتمثل في النقوش الصخرية والتي تعتبر شاهد مادي وأركيولوجي قل نظيره في المنطقة لأن النقوش بامتدادها تنتشر كثيرا في مناطق الجنوب بالطاووس ومرزوكة كلميم، السمارة الداخلة إلى حدود الصحراء المغربية .

ويوجد بجبل راث اثنان من النقائش للكتابة التاريخية التي تدل على بدايات ظهور الكتابة وهذه النقوش الصخرية جاءت بالنسبة لجبل راث متأخرة من الفترات الممهدة للتاريخ .

وأوضح أن وزارة الثقافة أنشأت محافظة بجبل راث، تعد من بين اثنى عشر محافظة بالمغرب ، حيث ستكون ، مؤسسة من مهامها أولا التعريف بهذه النقوش الصخرية وأهميتها سواء الثقافية أو الأركيولوجية ، واستقبال الباحثين المتخصصين في علم الآثار والذين لهم رغبة في إنجاز بحوث في جبل راث. وأشار في هذا الإطار إلى أن آخر أطروحة حول النقوش الصخرية بجبل راث ، أنجزت من طرف الطالب الباحث جمال بقعة من كلية الأداب بجامعة ابن زهر كلية الآداب ، تحت إشراف الدكتور عبد العالي إيواك .

وأبرز شكري أنه منذ سنة 1962 إلى غاية اليوم أنجزت الكثير من البحوث ولكن لم تستطع لحد الآن تغطية كل جبل راث .

وأشار إلى أن هذا المعرض سيكون متنقل بمجموعة من المدن والمؤسسات للتعريف بهذا التراث الثقافي، كما سينظم معرض رسمي في المحافظة الجهوية للتراث الكائن مقرها بموقع تيزي نتيرغيست بجبل راث.

وأوضح أن الكثيرين يربطون النقوش الصخرية بموقع تيزي نتيرغيست ، وهذا غير صحيح لأن تيزي ن تيرغيست موقع واحد فقط من مجموعة مواقع بجبل راث. مضيفا أن هذا المخزون الأركيولوجي لايجب الوقوف في تثمينه عند الدراسة والتعريف ، بل هناك تفكير في إنجاز منتزه النقوش الصخرية بجبل راث ، والذي سيكون في إطار مفهوم يدمج مابين التراث الأثري والدورة الاقتصادية لهذا المجال الذي يقع بجماعة آيت بوولي بأزيلال.

وأبرز ، أن الهدف من هذا المنتزه الذي من الأكيد سيغر وجه المنطقة وسيجلب السياحة ، هو التعريف بالحضارة المغربية وحضورها في مجال الأركيولوجيا وفي بحوث التاريخ والإحاءات الثقافية. مبرزا أن الأبحاث وصلت في هذا التراث بالمغرب إلى مابين 2000و3000 نقيشة تم جردها وإحصاؤها وتوطينها بجهاز jps والتقاط صورها ، وهو ما يعني ثروة أركيولوجية متعددة ومتنوعة ومتميزة يجب الاستفادة منها والتعريف بها أولا ، ودمجها في الدورات الاقتصادية حتى لاتكون مجرد شي هامشي أو جانبي نطلع عليه في أوقات الفراغ، بل يجب أن تكون من ضمن المعيش اليومي لسكان المنطقة .

مشيرا إلى أنه المنطقة تتوفر على النقوش التي تستحق أن نجلب لها جميع أشكال وأنواع الاستثمارات التي تشجع الاقتصاد وتساهم في تغيير نمط الحياة وترفع من مستوى السياحة ومن مستوى عيش الساكنة .

وحث المحافظ الجهوي على ضرورة استثمار هذا التراث الثقافي وعدم التعامل معه على أنه يجب وضعه في المتاحف أو تصويره في الكتب. معتبرا أن مشيرا أن السياحة أحيانا تقتل التراث إذا لم تكن مراقبة علمية باستثمار لأن الأشياء الأركيولوجية تعتبر من الثروات غير المستدامة وإذا ضاعات نقيشة لن تعود .

وأوضح أنه تم الحرص في هذا المعرض الذي ضم 32 صورة على أن كل لوحة تمثل موضوع : رماح ، خيالة ، أسود ، بقريات ، فيلة ..أي من كل فن طرف بالإضافة إلى نصوص تفسر هذا التراث الأركيولوجي بالمغرب يمكن للزائر فهمها وإنجاز قراءة لجميع الصور المعروضة من رفوعات هندسية عددها 25 . ، وتتجدرج من الأطلس الكبير ، إلى جبل راث ، فتيزي نتيرغست ..

يعد المغرب واحد من بين أقدو مراكز الاستقرار البشري بشمال إفريقيا حيث عرف استقرارالإنسان منذ عهود موغلة في القدم بل ظل ولآلاف السنين محورا من أهم محاول الحضارة الإنسانية بالبحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا كما تؤكد ذلك العديد من المواقع الأثرية ، والعديد من مواقع الفن الصخري والمقابر الجنائزية التي تنتشر في مختلف ربوعه.

ومن بين الأسر المهمة للثروة الثقافية والفن الحضاري للمغرب نجد الفن الصخري بنوعيه المنقوش والمرسوم ، والذي يعطي بدوره بعدا جديدا لأصالة وعراقة حضارية . ومعلوم أن هذا النوع من الفن يتميز بكونه يشكل في آن واحد تراثا ماديا يوثق لحضارات قديمة استوطنت المغرب وتطورت عبر السنين وتراثا لاماديا ينتمي للجانب الرمزي للمجموعات البشرية التي قامت بإنجازه . وبذلك فالتراث الصخري يمثل ذاكرة جماعية تعكس هوية الإنسان المغربي وتساهم في تبيان معالم الفن القديم.

ويحتل الفن الصخري بالأطلس الكبير مكانة خاصة في فنون ما قبل وماقبيل التاريخ بالمغرب ويعتبر اكتشاف هذا الفن متأخرا نسبيا بحيث أنه لم يعرف إلا منذ خمسينيات القرن الماضي عبر أعمال جوزمالوم وأندريه سيمونو ومجموعة أخرى من الباحثين الذين اهتموا بهذا الفن الفريد من نوعه على مستوى شمال إفريقيا.

وتتقاسم مواقع النقوش الصخرية الأطلسية نفس الخصائص المجالية، فكلها تنتشر في مراعي المرتفعات على علو يفوق 2000 مترفي سفوح القمم الجبلية الشاهقة للسلسلة الأطلسية المحورية كما أنها أنجزت في الهواء الطلق على نفس الحوامل الصخرية المشكلة من صخور الحجر الرملي الأحمر البرمي-ترياسي، المصقول نتيجة لتأثير الأنهار الجليدية التي عرفتها المنطقة خلال الفترات الباردة من البليستوسين ، وتتبع هذه المواقع توزيعا مجاليا نمطيا ، حيث نجدها بقرب المروج الرطبة وعيون الماء ومدافن ماقبل الإسلام وزرائب الرعاة الموسميين.

ويتميز الفن الصخري بالأطلس الكبير بوجود نقوش الأسلحة المعدنية التي تعود لعصور المعادن، وهو ممثل بمواقع الرسوم الصخرية (أقل عددا) وبمواقع النقوش الصخرية (الأكثر عددا). ويضم الأطلس الكبير إلى حدود اليوم سبع تمركزات رئيسة للفن الصخري ، وهي من الغرب إلى الشرق : تولكين، أوكايمدن،، ياكور ، تاينانت ، تلوات ، جبل راث، ، جبل أزوركي.

وتعد العديد من هذه المواقع الأطلسية نتاج عدة آلاف من السنين من تراكم المواضيع المنقوشة التي تنتمي لفترات زمنية مختلفة ، مما يمكننا اليوم من تلمس معالم ثقافة وبيئة الإنسان الذي عاش في المنطقة منذ آلاف السنين.

وتتوفر جميع مواقع الفن الصخري بالأطلس الكبير تقريبا على نقوش الأقراص المزينة بزخارف جد متنوعة( دوائر متراكبة، صلبان، أنصاف دوائر متداخلة وموزعة على أرباع ، الصلبان، الصليب المعقوف،أقواس وسلاسل من النقاط). وغالبا مايضاف إلى هذه النقاط مجموعة من الزخارف الخارجية على محيطها أو على جزء فقط من المحيط إلا أنه دائما ما كانت هذه النقوش بالأطلس الكبير مرفقة بازدواجية من حيث القراءة ، حيث أنه ومنذ الاكتشافات الأولى وإلى حدود اليوم ، لازال الجدال مستمرا بين من يرى فيها دروعا دائرية وبين من يذهب إلى اعتبارها ذات تفسير كوني وتعبر عن تمثيلات نجمية ، الأكيد اليوم هو أن على الأقل جزء من هذه النقوش يمكن اعتباره تمثيلا لدروع مستديرة والجزء الآخر عبارة عن تمثيلات فلكية ذات بعد كوني.

ورغم أن الفن الصخري بجبل رات يعتبر متأخرا مقارنة بمثيليه بأوكايمدن والياكور، فإنه استمر إلى مراحل زمنية حديثة نسبيا( المرحلة الليبية الأمازيغية والإسلامية ). ويتميز هذا الفن بوجود نقوش الفرسان المسلحين بالرماح والدروع المستديرة. وبذلك فجبل راث يعتبر المنطقة الوحيدة في الأطلس الكبير التي تتوفر على هذه التيمة المميزة للمرحلة الليبية الأمازيغية.

تتميز المنطقة أيضا بوجود نقوش فريدة لأشكال آدمية تعد بمثابة معبودات منجزة بداخل دوائر كبيرة ، كما نجد بضعة نقوش نادرة لحيوانات وحيد القرون وبقريات تنتمي لفترة ماقبيل عصر البرونز ، بالإضافة إلى نقوش أشكال آدمية صغيرة القد تنتمي للبرونز الأطلسي المتأخر ونقوش لأقراص مزخرفة وأخرى تمثل أسلحة معدنية من خناجر وطبار ورماح.

تجتمع على اللوحات الصخرية الموجودة على جنبات ممر تيزي نتيرغيست ، نقوش الفرسان بنقوش الأقراص المزخرفة ونصال الرماح في لوحات فنية، ومكنت تحريات ميدانية حديثة بالموقع من اكتشاف نقوش كتابات أمازيغية قديمة ونقشين لفارسين بأبعاد ضخمة غير مسبوقة.

إلا أن غياب جرد شامل ودقيق لمحتوى المواقع لايمكن من تحديد دقيق لعدد النقوش الصخرية بجبل راث، إلا أن التقديرات تشير إلا أن العدد لايتجاوز الألفين مما يضع جبل راث في الرتبة الثانية عدديا وراء هضبة الياكور.

يقع جبل راث على بعد ثلاثين كيلومتر تقريبا جنوب شرق مدينة دمنات وشكلت قمته التي يصل ارتفاعها إلى 3797مترا موضع حج لساكنة الأودية التي تحيط به منذ القديم وكان لايزال هذا المرتفع مرتبطا في المجال الشعبي المحلي بالمطر والأنشطة الرعوية.

وتنتشر على سفوحه العديد من مواقع النقوش التي أنجزت على لوحات صخرية من الحجر الرملي وتحيط بها من ثلاث جهات: ففي الشمال نجد الموقع الأكثر أهمية على جانب ممر نتيرغيست وعدة مواقع أخرى على بعد بضع كيلومترات شمال وشمال شرق الممر تحيط بها مراعي المرتفعات كمواقع إمرزتكات وأسيف أنامرو وأكودلان ..كما أن غرب هذا الممر ، وعلى أراضي قبيلة آيت علي وبقرب مدشر تيرمال، تتوزع مواقع أخرى نذكر منها :تيزي نآيت الزوايت وأسيف إفران، وأمردون ، وتيزي أوكنا..بينما جنوب مرتفعات راث يوجد موقع تيزي إيلوزن.

وتغيب بالأطلس الكبير نقوش الفرسان التي تميز المرحلة الليبية الأمازيغية في المواقع الرئيسة للأطلس الكبير باستثناء بعض المواقع القليلة بجبل راث ( تيزي نتيرغيست ، اكدال إزوم ، أفلا نتسيلين، تيزي نبلوزن وغيرها)، في حين تم العثور على العديد من الكتابات الأمازيغية القديمة في أوكايمدن (لوحة الفيلة) وبالياكور(عزيب ن اكير) وبجبل راث ( تيزي نتيرغيست)، مما يدل على وجود فارق زمني بين فترة إنجاز نقوش الحروف الأبجدية وتلك المتعلقة بنقوش الفرسان.

ورغم قلة الدراسات التي اهتمت بهذه المرحلة من تاريخ الفن الصخري بالمغرب ، إلا أنه في الغالب فالمرحلة الليبية الأمازيغية تعد أحدث مرحلة في الفن الصخري المغاربي والصحراوي.