ثقافة وفن

الشرعي يكتب: معارضة "لوكوست"!

بقلم: أحمد الشرعي الجمعة 07 مايو 2021
1591375A-FA50-441D-8FA5-8A8821EFCB28
1591375A-FA50-441D-8FA5-8A8821EFCB28

AHDATH.INFO

شهد مغرب ما بعد الاستقلال حياة سياسية مكثفة وحافلة بأحداث لامست العنف أحيانا، بمعارضة كانت تحمل مشروعا مجتمعيا وسياسيا، وظلت متشبتة بالمصالح العليا للوطن.

وحتى في عز الاحتقان السياسي الذي شهدته البلاد في تلك الفترة حازت قضية الصحراء إجماعا وطنيا مكن من استرجاع الأقاليم الجنوبية، وما يمكن اعتباره ثمرة هذا الالتحام الوطني.

لكن هذا الإجماع لم يمنع عبد الرحيم بوعبيد وعلي يعتة وبن سعيد ايت يدر من مواصلة النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

معارضو اليوم ينتمون إلى طينة أخرى، و مواقع التواصل والاجتماعي وما شاكلها من منصات رقمية وغيرها تتنافس لتقدم لنا مشهدا مخجلا، نعاين من خلاله تدفقا للاستسهال وعدم الكفاءة وتعميم الأكاذيب ونشر ممنهج للجهل.

ما يدعو للأسف، هو أن بعضهم يبحث عن الدعم الخارجي، أو وضعية اللاجئ، ومستعدون لوضع أنفسهم وصفحاتهم ومواقعهم رهن إشارة التأثير الأجنبي. هاته الظواهر تخفي واقعا أكبر وأخطر: اللاتسامح، حتى بين من يدعون أنفسهم بالمعارضين.

إنها تراجيديا تترجم واقعنا اليوم، فعندما يتحرر عالم دين من تأويلات الجهل يصبح عرضة للفتاوى التكفيرية، وكلما دافع صحفي عن مواقف عقلانية يتهم بالعمالة لدى الأجهزة الأمنية والانتماء لجهاز المخزن "الجهنمي". حتى الأحزاب السياسية لا تسلم من هذه التصنيفات الجاهزة مهما بلغت درجة اختلافاتها الأيديولوجية.

العلماء، الذين يحصلون على رواتب دسمة من جيوب دافعي الضرائب في هذا الوطن، لا يتحركون إلا عند الطلب.

الأحزاب السياسية تختار قصدا تجاهل هذه الظواهر وتصر على اعتبارها نزعات هامشية. بينما المثقفون يوجدون في حالة غياب تام عن خوض أي نقاش في الموضوع أو طرحه للتحليل والدراسة.

كل هذه العوامل المذكورة تضعف النقاش العمومي. العديد من المواطنين صاروا يخشون الخوض في أحاديث أو تعليقات يعبرون فيها بحرية عن آرائهم مخافة التعرض لسياط هذه الممارسات الفاشية، وهو بالتحديد ما يجعل النقاشات الأساسية تندثر، سواء كانت سياسية أو اجتماعية ومجتمعية خوفا من التعرض لحملات إساءة تشير بأصابع الكراهية إليهم، ولو كانت مبنية على الهراء أصلا.

صحيح أنه مازال هناك العديد من صانعي المحتوى في موقع التواصل المرئي "يوتوب"، شابات وشبان، متشبثون بكل أواصر الانتماء إلى وطنهم، حتى أولئك الذين قد لا نضطر بالضرورة لتقاسم وجهة نظرهم في عديد من القضايا، والذين لا بد من الدفاع عن اختلافهم وحقهم في التعبير الحر.

النخب الوطنية عليها أن تختار بين الدفاع عن مشروع مجتمعي يرتكز حول التوافقات الضرورية والاختلافات الواضحة، أو الرضوخ لفاشية الجهلاء، محترفي رفع الأصوات الفارغة في صفحات الشبكة العنكبوتية.