ثقافة وفن

لغزيوي يكتب: نحن وفلسطين وإسرائيل…مابعد الصراخ والغضب والتخوين !

بقلم: المختار لغزيوي / جريدة الأحداث المغربية الاثنين 17 مايو 2021
Peace-1
Peace-1

AHDATH.INFO

لفلسطين في قلب كل مغربية، وكل مغربي، نصيب وافر من الحب.

لها في الوجدان الأول متسع كامل لكي تستوطن - عن حق هاته المرة ودوما وأبدا - المكان الأول، ولكي تعتلي كل قامات العشق بها، و لها الرغبة في رؤيتها ذات يوم متحررة تعيش بين جيرانها بسلام لا تصدر الموت ولا تستورده. يكبر صغارها في المدارس ثم يمرون إلى العمل ثم يمرون إلى الحياة العادية الطبيعية، ولا يمضون العمر القصير كله، موزعين جثامين ترصها الشاشات التلفزيونية الكاذبة التي لا يتوجه صوبها الناس إلا لحظات الخراب والدمار وكل المآسي.

لفلسطين في قلوبنا جميعا دون أي استثناء حب خاص، ومكانة خاصة، ورغبة صادقة وأمينة، دون أي مزايدة من أي كان، على أي كان، في أن نراها فعلا في أحسن حال.

ولفلسطين أيضا ظروف عدة ساهمت في وصولها إلى ماوصلت إليه اليوم.

ابتدأ الأمر منذ ثلاثينيات القرن الماضي يوم باع من باع ويوم اشترى من اشترى، ويوم كان الوعد البريطاني صالحا لإعطاء من لايملك أرضا لمن لايستحق مما تتحدث عنه روايات التاريخ، وتنقله لأي راغب في تصفح الأشياء بعين المعرفة لا بعين السرعة في المرور وكفى.

ولفلسطين تطورات تاريخية، لايمكن نكرانها، أساسها أنها ليست لشعب واحد ولا لديانة واحدة.

السماء أو العناية الربانية، اختارت لتلك الأرض التعدد الديني. ذلك المكان الذي بارك الله حوله له في وجدان كل متدين بواحدة من الديانات السماوية الثلاث جزء في القلب لايمكن أن تزيله. المسيحي فيها يرى كنيسة القيامة مكان ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام.

واليهودي فيها يراها أرضا للميعاد، تجمع شعب الله المختار.

والمسلم فيها يراها مكان صعود البراق بسيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، ويعتبرها أول قبلة توجه من خلالها إلى الخالق جل وعلا.

لذلك لايمكن لتلك الأرض إلا أن تكون متعددة متنوعة تقبل الاختلاف /الرحمة كله، ولاتعيش إلا به ومن خلاله.

طيب، سيقول القائل: هذا كلام إنشائي لا موقع له من إعراب السياسة العالمية الحالي، والشعب الفلسطيني يموت موزعا بين « حماس » التي تجرب التصعيد دون أن تكون قادرة على مجاراته، وبين إسرائيل التي يعد أمن مواطنيها بالنسبة لها أولوية الأولويات، والتي لا تتردد في القصف العنيف كلما اعتبرت أن سلام مواطنيها في خطر؟

أولا...لاحياد.

قتل الأبرياء المدنيين أمر مدان.

قصف المنشآت الإعلامية، وإن تستر فيها إرهابيون أو احتموا بجنباتها فعل شنيع.

استعمال قوة لا تتناسب مع القوة الأولى التي بدأت القصف مسألة تدينها كل الأعراف البشرية والسماوية.

التضامن مع الشعب الفلسطيني في محنته أمر واجب على كل ضمير إنساني حر بغض النظر عن الديانة أو المعتقد أو الجنسية أو الهوء أو الانتماء.

إدانة المساس بالصغار والنساء وكل من لا علاقة لهم بالحرب هناك أمر واجب بل مقدس ويسبق ماعداه.

التنديد بقصف المدنيين من هذا الجانب ومن الجانب الآخر مسألة إنسانية سوية لايجب أن نغفل عنها.

ثم هناك الأهم، وهذا الأهم هو سؤال: وماذا بعد؟ أي مستقبل ينتظر تلك الأرض؟ وهل قدرها أن تواصل حصد هذا الموت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟

أنصار الشعارات الكاذبة، وهواة الأناشيد، وعشاق الجنائز حين يرونها على الشاشات بعيدة عنهم لا تمس أقاربهم سيصرخون مجددا، سيدوون بالشعار الغاضب تلو الشعار الغاضب، ثم سينزوون.

عشاق فلسطين الحقيقيون، الذين يريدون لها الخير سيطرحون السؤال المقلقل المؤلم: وماذا بعد؟

هل من سبيل عاقل لكي يجد السلام طريقه إلى تلك الأرض المباركة؟

هل من حل لكي يتوقف الموت عن قطف شعبنا الفلسطيني هناك، ولكي يتوقف أيضا عن قطف أرواح الشعب الإسرائيلي؟

هل من أمل في أن نرى ذات يوم الديانات المختلفة التي تدعي النسبة إلى تلك الأرض وهي تعيش في سلام، وتحترم وجود بعضها البعض؟

هذا هو السؤال الأكثر أهمية في الأحداث الجارية كلها…

لا توقيع هذا البلد العربي اتفاقيات مع إسرائيل مشكل.

ولا اختيار مثقفين عرب تصورا آخر للقضية مشكل.

ولا القبول باختلاف الرأي في هاته الحكاية التي تهم العلاقة مع الدولة العبرية مشكل.

المشكل الأساس الذي يهرب منه الراغبون في التخلص السريع من المشكل هو سؤال: وماذا بعد؟

إذا كان هواة الشعارات يريدون مزيدا من الموات لفلسطين ، لكي يسيروا المظاهرات الغاضبة، فليقولوها للشعب الفلسطيني بوضوح ولننته من هذا الموضوع ككل.

ليصارحوا الأهل بها هناك وليقولوا لهم: نعم لانريد حلا لقضيتكم، ونريد لكم مزيدا من التجويع والقتل والإذلال والتشريد في كل مكان لكي نجد نحن الوقت المناسب لالتقاط السيلفي تلو السيلفي ونحن نرتدي الكوفية الفلسطينية ونلوح بشارات النصر الكاذب، ونصرخ ملء الأشداق بالشعار تلو الشعار

أما إذا كنا نريد خيرا حقا لفلسطين، فعلينا أن نقولها بالصوت العالي وألا نخجل أو نستحي من قولها: خير تلك الأرض لن يكون إلا بالسلام.

ونعلم أنه من الصعب قولها الآن والأجواء محتقنة، وأوصاف التخوين جاهزة لدى من لايستطيعون إلا التخوين كلما ضاق صدرهم بالاختلاف ولم يجدوا له رحابة. لكنها لحظة قولها بكل الوضوح: نعم، خير فلسطين لن يكون إلا بعلاقة سوية مع إسرائيل. خير فلسطين لن يكون إلا بحل الدولتين. خير فلسطين لن يكون إلا بتطبيع كامل للعلاقات مع الراغبين في السلام داخل إسرائيل والذين يحترمون حق الشعب الفلسطيني في الوجود، والذين يعرفون هم أيضا أن خير إسرائيل لن يكون إلا بالسلام، وأن ماعدا هذا الاختيار دمار للجميع.

سيمر الموت الحالي النازل على سماء فلسطين مثلما مر موت آخر قبله، بل مثلما مرت حملات موت كثيرة على تلك الأرض المسكينة. سينسى هواة الشعارات والأناشيد الحكاية إلى أن يتذكروها في القصف المقبل وفي البث التلفزيوني المقبل.

لن تنساها الأم التي فقدت صغيرها ولن ينساها الأب الذي ودع صغيرته، ولن ينساها الشعب الموزع هناك بين قتل حماس وقتل اليمين الإسرائيلي المتطرف

لذللك لامفر من قولها بكل الشجاعة الممكنة وسط كم الاختباء في المبهم من القول اليوم: خير تلك الأرض لن يكون إلا بالسلام…والسلام.