ثقافة وفن

المغرب لن يقبل باقل من احترام سيادته وحماية مصالحه

رحاب حنان الأربعاء 19 مايو 2021
1EAC0D08-51E1-454B-9FC6-00F05D966FA6
1EAC0D08-51E1-454B-9FC6-00F05D966FA6

Ahdath.info

في سنة 2017 صوت البرلمان المحلي في إقليم كتالونيا لصالح إعلان الانفصال عن إسبانيا، ليرد برلمان مدريد بفرض الحكم المباشر على الإقليم، كانت إسبانيا حينها تعيش أزمة غير مسبوقة، فما كان موقف المغرب؟

تماشيا مع قناعة الدولة المغربية العريقة بمواقفها الرافضة للانفصال وبلقنة الدول، وتشبثها بمبادئ القانون الدولي، وحسن الجوار، خصوصا أن الأمر يتعلق بدولة تربطنا بها علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية كبيرة، أصدرت وزارة الخارجية بلاغا واضحا لا غبار عليه، مفاده أن "المغرب يرفض المسلسل الأحادي الجانب لاستقلال كاتالونيا، وتتشبث بسيادة مملكة إسبانيا ووحدتها الوطنية و الترابية".

وقبل أسابيع، انتشرت إشاعة مفادها عزم منح المغرب اللجوء السياسي للرئيس السابق لكاتالونيا، كارلوس بوجديمون، وخرج مصدر رفيع لينفي الأمر نفيا قاطعا، ويجدد أن المملكة لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تشجع الحركات الإنفصالية، معتبرا ما يروج "ضربا من ضروب الخيال".

هكذا عبر المغرب، كما دأب على ذلك منذ زمان، بوضوح وشفافية، عن تشبثه بمبادئه وبالقانون الدولي وحسن الجوار.

أما إسبانيا الشريك التجاري الأول لمملكتنا، الذي تجمعها بها علاقات تعاون وطيدة في مجالات الاستثمار والصيد البحري، ناهيك عن الأمن ومحاربة الإرهاب و الجريمة العابرة للقارات والهجرة...، فكان جوابها انتهازيا يعرض هذه العلاقات التاريخية للخطر، ويطعن الثقة التي تضعها الرباط في مسؤولي مدريد.

مدريد استقبلت بدون خجل، إرهابيا يقود عصابة إجرامية يدعمها العسكر الجزائري الفاسد، بمال شعب وصل به السيل الزبى فخرج ومازال يخرج في مسيرات ضخمة ضد الفساد والإستبداد، تستقبل المجرم باسم مزور، في إطار عملية انتحال هوية وتزوير جواز سفر بهدف التحايل المتعمد على القانون و بسرية تامة، لقد وجهت بذلك طعنة غادرة في ظهر شريكها الوفي، فتخرج علينا وزيرة الخارجية الإسبانية، بعد كشف المؤامرة، محاولة مراوغتنا، بكلام شعري خارج المنطق، بأن الاستقبال كان لدواع إنسانية، وأن هذا لن يؤثر عن علاقات بلدها بمملكتنا!!

لنقلب المعادلة، ماذا لو دعم المغرب سنة 2017 استفتاء كاتالونيا، واستقبل كارلوس بوجديمون باسم مزور، وخرج وزير خارجيتنا ليكرر نفس الكلام بلغة الخشب "أن الأمر تم لدواع إنسانية، وهذا لن يؤثر على علاقتنا بإسبانيا"؟ لسنا نحن من سيجيب على هذه المعادلة المختلة، ولا إسبانيا المسؤولة عن تدهور العلاقات التاريخية، بمقدورها تقديم تفسير واضح، لأنها ببساطة خانت "العلاقة المتميزة" وخرقت القانون، وضغطت على القضاء الذي كان عليه أن يؤكد استقلاليته المعلنة، باستدعائه للتحقيق معه حول تهم ثقيلة تصل إلى مرتبة "جرائم ضد الإنسانية"، لم يتقدم بها مغاربة وصحراويون مغاربة فقط، بل إسبانا كذلك، من بينهم الخبير السياسي الإسباني المعروف بيدرو إغناسيو ألتاميرانو الذي قدم شكاية إلى قاضي التحقيق بمحكمة مالقة، في 24 أبريل الماضي بتهمة التهديد والقتل والتشهير.

في هذه الحالة، ومع خرق مبدأ من المبادئ التي تأسست عليها العلاقات بين البلدين، بل بجوهر التعاون وحسن الجوار، من جانب واحد، فمن حق المغرب إعادة النظر في علاقات التعاون والشراكة حول عدد من الملفات، على رأسها الهجرة والصيد البحري وغيرها...، لا يمكن للمغرب أن يلعب دور الدركي لحماية مصالح دولة جارة لا تحمي مصالحه، وتناور ضد أقدس قضاياه، قضية الوحدة الترابية، وإذا اعتقدت إسبانيا أن الرباط سيتفهم جريمتها ضده وضد القانون الدولي باستقبال مجرم خطير، فلتتفهم على الأقل هذا الأمر: للمغرب الحق كذلك في مراجعة الكثير من الأمور، دفاعا عن سيادته وكرامة شعبه وقضاياه المصيرية، وإن عدتم عدنا!

ولقد حاول المغرب تجاوز إرث استعماري، آملا بناء علاقات تقوم على تأمين المصالح المشتركة، والتطلع للمستقبل، لكن في كل أزمة يكتشف أن العقلية الاستعمارية وريثة حرب الغازات السامة والفرانكوية لا زالت تتحكم في رؤية جزء من الفاعلين داخل الدولة الإسبانية للمغرب وقضاياه السيادية.

ولذلك لا يمكن للمغرب أن يلعب دور دركي الهجرة السرية لصالح أي كان، وهو الذي تحول من بلد عبور إلى بلد إقامة لمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وآسيا بسبب القيود المفروضة على حركة تنقل المهاجرين نحو أوروبا، مع ما يكلفه هذا التحول من أعباء مالية واجتماعية.

ولا يمكن أن يستمر في إنقاذ قطاع الصيد البحري الإسباني من الإفلاس دون عوائد سياسية ومالية متناسبة.

ولا يمكن أن يقبل باستمرار تفرج الحكومة الإسبانية على حوادث الاعتداءات والمضايقات والحصار الذي تتعرض لها الفلاحة التصديرية المغربية، وتواطؤها مع كبار الفلاحين الإسبان في خرق لاتفاقيات تم توقيعها مع الشريك الأوروبي .

وبجملة واحدة: المغرب اليوم لن يقبل بأقل من حماية مصالحه، واحترام سيادتة...