بوابة الصحراء

الشرعي يكتب في "لاراثون" الإسبانية: المغرب - اسبانيا : الأسئلة الحقيقية 

بقلم: أحمد الشرعي الخميس 27 مايو 2021
3C480895-1CD4-46C3-9CD3-2BE29F0EB681
3C480895-1CD4-46C3-9CD3-2BE29F0EB681

AHDATH.INFO

روابط قوية تلك التي تجمع المغرب واسبانيا من عقود خلت، بغض النظر عن شكل الحكومات التي مارست و تمارس السلطة في البلدين، لأن وشائج العلاقات بين المملكتين ضاربة في عمق التاريخ.  

الأزمة الحالية بين الرباط ومدريد ليست الأولى وقطعا لن تكون الأخيرة. لكنها أزمة بخصوصية دالة، مفاجئة وعصية على الفهم. ظلال الأزمة تسائل أيضا الديمقراطية الإسبانية. كيف لدولة، وبغاية تخليص ابراهيم غالي من المتابعة القضائية أن تعقبل حكومتها عمدا أن تفتح أبوابها لدخوله بهوية مزورة ؟ في الوقت الذي برهنت فيه العدالة الإسبانية عن استقلالها الكامل في قضايا توبعت فيها شخصيات في أعلى قمم هرم السلطة، كالملك خوان كارلوس. سلوك الحكومة الإسبانية في قضية ابراهيم غالي يجب أن يثير انتباه القوى الديمقراطية وأصوات الحكمة في المؤسسات الإسبانية، مثل السيد غونزاليس وثاباطيرو.. ووجوه أخرى للأسف لا نسمع صوتها وسط هذه الأزمة.

 

والحقيقة أن استعصاء الأزمة على الفهم يحيلها إلى لغز كامل، بالنظر لكون المغرب واسبانيا كانا ومايزالان بلدان صديقان وشركاء طيلة قرون، على خلفية واقع جغرافي لا يتغير يفرض جوارا حتميا، ويجعل من كل بلد امتدادا حيويا لمجال البلد الآخر، يواجهان معا ظاهرة الهجرة غير الشرعية، القضية التي ظلت اسبانيا تطلب الدعم السياسي والمادي من الاتحاد الأوروبي لمواجهتها. السياسة الأوربية في مجال الهجرة السرية تنبني على أربعة أركان رئيسية كالوقاية عن بعد، والتعاون مع دول المصدر والعبور، ومحاربة الشبكات الإجرامية في تهريب البشر والنجاعة في حماية الحدود.

 

المغرب يحصي على أراضيه تواجد أكثر من 50 ألف مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء لم تكن نيتهم التوقف عند حدوده. وهو تعبير صريح ودال على جدية الالتزام المغربي مع شريكه الإسباني والاتحاد الأوروبي في محاربة الظاهرة. أن تطلب إسبانيا من الاتحاد الأوروبي الضغط على المغرب كما حدث في أزمة باب سبتة، ليس حلا، بل سلوكا خطيرا وغير منتج يضرب في عمق التعاون المغربي الأوروبي في مسألة استراتيجية في غاية الحيوية بالنسبة لإسبانيا والاتحاد.

 

 على مستوى التعاون الأمني، المغرب واسبانيا مرتبطان بالحرب ضد الإرهاب، والتطرف الديني، والتهريب الدولي للمخدرات، وفي هذا المجال لا يسعنا تعداد التجارب التي أظهر فيها المغرب على أنه شريك فعال وناجع، باعتراف المسؤولين الإسبان أنفسهم والذين ما فتئوا ينوهون بالقدرات المغربية في هذا المجال منذ بداية الألفية. خوسي بونو، وزير الدفاع السابق ذهب إلى حد التصريح بأن «التمادي إلى غاية قطع العلاقات الأمنية مع المغرب يعد انتحارا».

في الاقتصاد، أصبحت إسبانيا خلال السنوات الأخيرة أول شريك اقتصادي للمغرب، ويكفي الإشارة إلى أن أزيد من 20 ألف شركة إسبانية ترتبط بمصالح تجارية مع المغرب.

ختاما، لا بد من التذكير على أن إسبانيا القوة الاستعمارية القديمة في الصحراء تعلم جيدا أنها أرض مغربية، لكنها تفضل عدم الإفصاح عن هذه الحقيقة علنا لأسباب سياسية تحاول من خلال الحفاظ على توازنات جيواستراتجية، والمغرب طالما تسامح مع هذا السلوك الرسمي الإسباني.

 

تعمد تغيير الواقع هو ذنب لا يغتفر، فمن جهة سيفتح هذا السلوك العدائي الباب على مصراعيه أمام قلاقل عديدة في منطقة جنوب المتوسط في وقت يتشبث فيه البلدان معا بوحدة ترابهما. ومن جهة أخرى، سيضرب حاجة المنطقة للتكامل والاندماج ولسوق موحدة وعميقة الجذور، لضمان إقلاع اقتصادي والاستجابة لمتطلبات شعوبها ذات القاعدة الشبابية العريضة.

 الألاف من المغاربة يعيشون في إسبانيا، حيث تتداخل لديهم المؤثرات الثقافية لكلتا الضفتين. لم إذن الزج بهذا التقارب والحميمية في أخطار عوض الاعتراف بالخطيئة في ملف غالي؟ أي سبيل للخروج من الأزمة تقترحه إسبانيا ؟ تلك هي الأسئلة الحقيقية التي يجب على السيد بيدرو سانشير رئيس الحكومة الإسبانية الإجابة عنها…

 سيظل المغرب وإسبانيا يربطان قارتين حتى خلال القرون المقبلة، وشراكتهما تشكل مصدر استقرار للعالم برمته، وهي مسؤولية على حكومة سانشيز أن تظهر القدر الكافي من الحنكة لتحملها. لا يسعنا أن نتحدث أن تحالف استراتيجي في ظل الأزمة التي أنتجتها قضية غالي.