ثقافة وفن

الحاجة لأسرة حاضنة وبوصلة .. مبروكي يشخص أسباب الالتحاق بالأقليات الدينية؟

أحداث أنفو الثلاثاء 08 يونيو 2021
جواد مبروكي
جواد مبروكي

AHDATH.INFO - بقلم الدكتور جواد مبروكي

خلال تحليله لظاهرة الأقليات الدينية، خلص الدكتور مبروكي  إلى  تحديد ثلاثة احتياجات شخصية تحفز الانخراط في هذه الحركات: 1- حاجة مُغذية للشخصية ، 2- حاجة لوجود أسرة حاضنة ، 3- حاجة لبوصلة الحياة

تاريخيا أي دين كان، بغض النظر عن حجمه الحالي من حيث عدد المنخرطين، في الأصل كان أقلية دينية في بدايته! وبمجرد تجنيد هذه الأقلية لعدد كبير من المنخرطين تصبح دينا ولكنه بسرعة ما ينقسم إلى عدة طوائف أو مجموعات حيث تشكل كل منها بدورها أقلية دينية جديدة. وهذا صالح لجميع الأديان دون أي استثناءات. وبعد ذلك تنقسم كل مجموعة بدورها إلى مجموعات فرعية وهكذا إلى ما لا نهاية. وعلى سبيل المثال، بدأ الإسلام كأقلية ولما ازداد عدد المنخرطين بشكل كبير، انقسم إلى الشيعة والسنة، ثم انقسمت كل مجموعة إلى عدة مجموعات من الأقليات. ونرى الآن أقليات أخرى مثل جماعة العدل والإحسان والإخوان المسلمين والجماعات الجهادية دون أن ننسى الزوايا التي هي في الواقع أقليات دينية. ونجد نفس ظاهرة الانقسام بنفس الشكل في الديانات الأخرى القديمة والجديدة بدون أي استثناء وكأنها قاعدة طبيعية حيث لا يوجد ولو دين واحد لم ينقسم إلى مجموعات.

والمثير في الظاهرة الدينية هو أن فئة من الأشخاص تسعى دائمًا للانضمام إلى الأقليات الدينية لأسباب متعددة وتنقسم هذه الفئة إلى قسمين.

القسم الأول يتعلق الأمر بالنسبة للأجيال التي وُلدت في دين معين أو في طائفة أو أقلية دينية (السنة والشيعة والكاثوليكية والبروتستانتية والبهائية على سبيل المثال)، وتسعى إلى الانضمام إلى أقليات أخرى أو مجموعات دينية صغيرة (تقسيم فرعي لدين الولادة مثل شهود يهوه أو المرمون أو طريقة معينة مثل التيجانية أو الصوفية أو الأحمدية مثلا، أو إلى الزاوية أو جماعة أيديولوجية).

أما بالنسبة للقسم الثاني يتعلق الأمر بالنسبة لأشخاص يفضلون الانضمام إلى دين جديد عليهم ومختلف تمامًا عن دين آبائهم وبالتالي يشكلون أقلية دينية في بلدهم مثل انخراط المغاربة على سبيل المثال في العقيدة البهائية أو المسيحية أو الأوروبيون الذين ينخرطون في الإسلام (أقلية دينية في أوروبا). وفي هذه الحالة نجد نفس الشيء الذي وقع في الماضي مع بداية المسيحية والإسلام.

لماذا إذن هذه الحاجة للانضمام إلى أقلية أو مجموعة دينية؟ وما الذي يبحث عنه هؤلاء الأشخاص؟ ماذا ينتظرون؟ ماذا يريدون أن يُثبتوا لأنفسهم وللآخرين؟ ولماذا يغامرون داخل التيار المعارض لثقافتهم وتقاليدهم مع العلم أن هؤلاء المغامرين سيُؤخذون على أنهم خونة يخونون دين أسلافهم أو وطنهم؟ ولماذا يأخذون هذه المخاطر؟

1- الحاجة إلى تغذية شخصيتهم

على الأرجح هؤلاء الأشخاص يعانون من اضطراب الهوية مع بنية شخصية هشة ويسعون إلى الاستقرار النفسي وهيكلة هوية جديدة تُتيح لهم الاعتراف بوجودهم. وألاحظ جيدًا أتباع الأقليات الدينية الذين يسعدون بكونهم مختلفين عن بقية المجتمع وهذا بالضبط ما يحدث في مرحلة "أنا" أو "لا" في تطور شخصية الطفل في عمر 2-3 سنوات لتمييز ذاته ونفسه عن الوالدين حيث يقول "لا" لكل شيء أي "أنا أثبتُ وجودي".

أيضًا هناك اشباع آخر حيث يُتيح الانضمام إلى أقلية دينية أن يكون للمنخرط دور مهم في الترقية الشخصية وكذلك الاعتراف به من جانب الأقلية.

وكل هذه العوامل تغذي الشخصية من خلال الحصول على الرضا النفسي بسهولة داخل الأقلية لأن هذا الأمر ليس بالهين الحصول عليه داخل المجتمع الأوسع.

2- الحاجة إلى وجود أسرة حاضنة

غالبًا ما يأتي المنخرطون الأوائل من عائلات مضطربة وممزقة وغالبًا ما تكون مريضة مع نقص عاطفي في الأساس. وبالمثل فقد لاحظت أن أفراد هذه الأقليات يعانون من اضطراب العلاقات الأسرية والانتماء الاجتماعي وعقولهم تتطفل باستمرار حيث يعانون من الوحدة والغربة في أسرهم ومجتمعهم. وعلاوة على ذلك هذا أيضًا ما يحفز الانخراط حتى في الأحزاب السياسية (نوع آخر من الطوائف) أو الجمعيات أو الجماعات الدينية الصغيرة وخاصة الجهاديين.

ولهذا يبحث هؤلاء الأشخاص عن عائلة حاضنة تحتضنهم وتعطيهم هوية الانتماء من أجل الحصول على الرضا العاطفي مهما كلفهم ذلك من تضحيات.

3- حاجة لبوصلة الحياة

في كثير من الأحيان، هؤلاء الأشخاص الموصوفون أعلاه، يبحثون عن معنى لحياتهم وغير قادرين على بناء معنى في الحياة بمفردهم. ولهذا يشعرون بالوحدانية في أفكارهم وفي أسرهم المريضة وحتى في مجتمعاتهم. ويشكل الانتماء إلى أقلية دينية إسفنجة تمتص كل معاناتهم وارتباكهم ولكن لفترة مؤقتة. كما أن الانخراط إلى مجموعة أو أقلية دينية يمكنهم من الحصول على معنى لحياتهم رغم الصعوبات التي يواجهون داخل الأقلية ومع المجتمع الأوسع.

* طبيب ومحلل نفسي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي.