آراء وأعمدة

يونس دافقير يكتب: انهيار طبقي إسلامي!

طه بلحاج الأربعاء 23 يونيو 2021
A5DF7A60-31D5-4D0D-B0E1-BFEBD61D6FA3
A5DF7A60-31D5-4D0D-B0E1-BFEBD61D6FA3

AHDATH.INFO- يونس دافقير

العلوم السياسية لن تفيد قادة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، ومعهم قيادة العدالة والتنمية، في تفسير صدمة الانتخابات النقابية التي تلقوها الأسبوع الماضي، سيكون عليهم البحث عن ذلك في علم النفس الذي يعرف حالة الإنكار بأنها «رفض الإقرار بأن حدثا ما قد حصل بالفعل. تكون ردة فعل الشخص المصاب ببساطة كما لو أن شيئا لم يحدث، ويتصرف بطرق قد يرى الآخرون أنها غريبة. ويحدث الأمر دون إدراك أو وعي الشخص المتأثر، كما قد يشعر هذا الشخص بالدهشة من سلوكيات الأشخاص من حوله تجاه الموقف، وقد يعتبر سلوكياتهم هم غير طبيعية، ويمكن أيضا أن يكون الشخص واعيا لسلوكه هذا لكنه يغض الطرف عن الوضع الذي لا يشعره بالراحة».

بينما اعتبر كثير من المراقبين والمختصين أن الهزيمة كانت مبكرة وقاسية بالنسبة لنقابة لم تبلغ من العمر عتيا بعد، انبرى قادة الاتحاد للبحث عن مشاجب الغير. بالنسبة لأمينة ماء العينين، تجد الهزيمة تفسيرها ضمن أسباب أخرى في أنه «تمت مراجعة التقطيع الترابي والفئوي بطريقة مفاجئة ومتسرعة بدا واضحا من خلالها التحكم القبلي في النتائج وضبطها وتوجيهها، وقد كان واضحا أن نتائج النقابة ستتراجع بسبب ذلك، لكن العوامل الداخلية عمقت العجز وأسهمت في تحقيق التراجع الكبير، دون أن ننسى أن النقابة تنعت بالذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية، حيث يتم التعامل معها في الساحة كامتداد للحزب بما هو معروف من تداخل كبير بين النقابي والسياسي».

ساعات قليلة بعد هذا التحليل، سيقدم عبد الإله الحلوطي، الأمين العام للنقابة، تحليلا آخر يناقض ما ذهبت إليه ماء العينين حين أكدت أن «الجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب صفة النقابة الأكثر تمثيلية بشكل مفاجئ بعد إعلان النتائج النهائية لانتخابات اللجان الثنائية المتساوية الأعضاء مما شكل صدمة غير منتظرة لمناضليها وقيادييها». وحسب الحلوطي فإنه «ورغم التراجع المسجل في قطاعات محدودة، تأكد حصول الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب على نتائج متقدمة مقارنة مع الاستحقاقات السابقة مما يؤهله للحفاظ على مكانته الريادية».

هذا ببساطة تحليل يرفض الإقرار بالهزيمة، ويرفض الاعتراف بأن مليونا ‪ونصف المليون موظف أدلوا بتصويت عقابي على النقابة التي احتلت مراكز جد متقدمة في انتخابات 2015، لكن الأكثر إثارة للشفقة هو أنه تحليل يلقي دائما بالمسؤولية على الآخرين، تارة على الإدارة التي تدخلت لترجيح كفة النتائج، وتارة أخرى على الناخبين «الذين هم من سلالة قوم لوط»، وحين لا يجد هذا الهروب من الواقع ما يكفي لتبرير الهزيمة، يجلد المناضلين والأعضاء لأن «العوامل الداخلية عمقت العجز وأسهمت في تحقيق التراجع الكبير».

في الواقع يعيش قادة النقابة الإسلامية تحت وقع ضغطين كبيرين يدفعانها نحو التخبط: الأول هو ضغط الحزب، الذي ينظر إلى نتائج النقابة على أنها فأل سيئ يؤكد مخاوف الهزيمة في الانتخابات التشريعية والجماعية، الحزب يستشعر أنه فقد أحد مصادر قوته الانتخابية. والضغط الثاني مرده إلى حركة التوحيد والإصلاح التي «تربط المسؤولية بالمحاسبة» في علاقتها بامتداداتها الحزبية والنقابية والجمعوية على أساس قاعدة «العائد الذي تحققه للدعوة» التي وضعها المهندس محمد الحمداوي، ومن الواضح أن العائد الدعوي للفعل النقابي هزيل ومحبط هذه المرة.

لا يمكن إلا الاتفاق مع وجهات النظر التي تعتبر أنه من السابق لأوانه اعتبار نتائج الانتخابات النقابية مؤشرا حاسما على نتائج الانتخابات العامة المقبلة، فكما تختلف الانتخابات الجماعية في منطقها عن الانتخاب التشريعي، يختلف الاثنان معا عن منطق التصويت النقابي مثلما تختلف حسابات الناخبين النقابيين عن حسابات الناخب العام. إن الهزيمة النقابية قد تكون مؤشرا على الهزيمة السياسية، لكنها ليست حاسمة بعد، ومع ذلك تكشف هذه الهزيمة حقيقتين توجعان قيادة الحزب والنقابة والحركة:

الحقيقة الأولى أن البيجيدي تم طرده من الإدارة العمومية من طرف مليون ونصف مليون موظف، وفي هذا الطرد لم تشفع له سياسة اختراق الإدارة العمومية التي اعتمدها على مدى عشر سنوات، لدرجة أنه لا يخلو مجلس من مجالس الحكومة من نقطة للتعيين في المناصب العليا، كما لم تشفع له سياسة التوظيف الجماعية وإغراق المصالح العمومية والكليات والجامعات والمدارس بالمئات من «الأطر الإسلامية»، التي لم تجد ما تدافع به عن سياسة نقابية انتصرت دائما للسياسات الحكومية، التي أنهكت الموظفين وأدت إلى تقليص حجم الطبقة الوسطى في المغرب.

والحقيقة الثانية لها ارتباط بالخطاب الذي روجه الحزب ومنظروه وصحافيوه عقب الانتخابات التشريعية والجماعية لسنتي 2015 ‪و2016 لم يعتبروا تلك الانتخابات مجرد اقتراع فيه فائز ومنهزمون، ولا تجديدا للثقة في الحزب فحسب، بل أرادوها انتصارا طبقيا واجتماعيا من خلال الترويج على نطاق واسع لفكرة أن الطبقة الوسطى صوتت للحزب في المدن الحضرية الكبرى والمتوسطة.

لقد ساعدتهم هذه القراءة الطبقية للانتخابات على تحقيق هدفين: الترويج لفكرة أن التصويت كان سياسيا، وبالتالي فقد حصل الحزب على تفويض سياسي شعبي، بينما تمثل الهدف الثاني في ترويج صورة جديدة عن الحزب، الحزب الجديد الذي لم يعد يمثل فقط المهمشين والفقراء والقاطنين في دور الصفيح والأحياء العشوائية كما كان عليه الأمر في مرحلة الجماعة والدعوة، بل صار حزبا للبورجوازية الصغرى والمتوسطة وللأطر الدارية العليا.

وفي الانتخابات النقابية، أعلن الموظفون أن الطبقة الوسطى الحضرية غاضبة من الإسلاميين، وأن مرشحي الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب دفعوا ثمن سياسات حكومية يتفق الجميع على أنها أضرت بالطبقة الوسطى وما يتبعها من وظائف سياسية واجتماعية، كما أعلن الموظفون أن النقابات لن تقف على الحياد مستقبلا وأنها ستكون شريكا في صناعة التغيير السياسي عبر بوابة الانتخابات التشريعية المقبلة.

هذا الانهيار الطبقي وما يتبعه هو ما يقلق نقابة البيجيدي ويغضب قيادته السياسية والدعوية.