ثقافة وفن

بلال مرميد يكتب : بين كان وخريبگة..!

أحداث.أنفو الاثنين 19 يوليو 2021
3ED15B1C-7660-4BC5-A9E8-445C8DE01B5A
3ED15B1C-7660-4BC5-A9E8-445C8DE01B5A

AHDATH.INFO

أترك خلفي نقاش السينما في كان و تتويج جوليا ديكورنو بالسعفة الذهبية، و أجد أمامي تعيين الحبيب المالكي رئيسا لمهرجان خريبگة للسينما الإفريقية خلفا للراحل المؤسس نور الدين الصايل. فكرت قليلا، هل أكتب عن ما تركته خلفي أم ما سأعثر عليه أمامي؟ أفضل حاليا أن أنتهي من سرد تفاصيل الرحلة المهنية لكان، وبعدها سأوجه قلمي صوب خريبكة عندما تكتمل الصورة و تتضح الرؤية. قبل ذلك، أود فقط أن أعبر عن استغرابي من الفكرة التي يروج لها البعض، ومفادها بأن نربط كل موعد سينمائي ثقافي بأبناء الجهة التي ينتمون إليها. هذا الأمر يصيبني بنوبات ضحك، و أقصد ذلك الضحك الذي لا يضحك. هناك معيار وحيد يفترض أن يطبق، وهو الكفاءة. بقية التفاصيل الأخرى، تبقى مجرد تبرير لاقتراف الغلط أو الأغلاط. لنعبر..

في اثني عشر يوما في كان، نظفت عيني وشاهدت ستة و عشرين شريطا في عروض أولى، وكتبت عن اثني عشر منها لحد الآن، ولم تقنعني نتائج ليلة الاختتام. في اثني عشر يوما في كان، تابعت أفلاما، وعاينت تصرفات إعلاميين طارئين من كل البلدان يتربصون كالعادة بأسماء عالمية ليلتقطوا صورا دون أن يشاهدوا دقيقة من السينما. قسم الإعلام في كان، يحصي عدد الأفلام التي يتابعها الإعلاميون، ومنهم من يدفعونك باجتهادهم لتحسن خطك و أسلوبك، ومنهم من يأتون ليطرحوا أسئلة بليدة كلها تعميم، و يأخذوا مع المستجوب عشرات الصور. التفاهة ليست حكرا على بلد واحد.. الفرق الوحيد، أن نسبتها عند فئة كبيرة من الإعلاميين العرب مرتفعة جدا.

في اثني عشر يوما في كان، تحتفظ ذاكرتي بالمشهد الأول من فيلم A Hero للإيراني علي أصغر فرهادي، حين يغادر رحيم السجن و ينطلق ليصعد درجا طويلا و يلتقي زوج أخته، وتسير الأحداث بسرعة إلى أن يعود للسجن في آخر الفيلم. تحتفظ ذاكرتي بمشهد بطل الفيلم الياباني Drive My Car، و البرودة التي تعامل بها رجل المسرح حين اكتشف خيانة رفيقته له. تحتفظ ذاكرتي بعملية الاستعراض التي ينفذها ويز آندرسون في اشتغاله على الصورة، وانتقاله من الأبيض و الأسود إلى الألوان، ثم التحريك بإيقاع رهيب في The French Dispatch. أتذكر أيضا عشرات الكليشيهات التي حملتها أفلام كثيرة، في مقدمتها Lingui لمحمد صالح هارون. أتذكر ذلك الثلاثاء حين عرض Titane للفرنسية جوليا ديكورنو، و حينئذ غادرت القاعة بقناعة وحيدة، وهي أن الفرنسيين سيقولون عن هذه النسخة غير المنقحة من ديفيد كروننبورغ، بأنها حاملة اللواء الجديد للإثارة النفسية. في الغد، عندما قرأت سطورا يعتبر خاطها بأنه عثر رفقة النقاد الفرنسيين على "نيرڤانا" المهرجان، تيقنت بأنها ستنال جائزة، أو في أسوأ الأحوال ستخلق من أجلها جائزة. منحوها السعفة، و تفرق الجمع.. هو شريط لا يمكن للمشاهد أن يخندقه، وفي عز مرحلة خلق الصدمة تحضر أحيانا كوميديا.. كوميديا سوداء. قاس إلى حد المبالغة، ومخرجة اختارت أن لا ترسم حدا للعنف. هل يبرر كل هذا منحها السعفة؟ طبعا لا، لكنه مهرجانهم، يفعلون به ما يريدون. الجوائز تحرك المبدع، و تخلق ذلك التشويق المتلقي، لكن في الحقيقة هي أيضا ذلك التفصيل العبيط الذي يقتل أحيانا الإبداع. أعرف العشرات في كل البقاع، لا يشاهدون شريطا واحدا ومع ذلك يناقشون أحقية شريط ما لنيل جائزة. الأفلام تشاهد في القاعات، وقوة مهرجان كان هي أنه يمنح المشاهد فرصة الاختيار ومتابعة جديد السينما العالمية في قاعات تحترم السينما، وبتنظيم محكم. لأنهم يحترمون السينما ويحترمون الثقافة والمثقفين، صاروا يتحكمون في سوق الأفلام العالمية، ويجلبون الجديد بجميله الكثير وقبيحه القليل.

أترك خلفي نقاش السينما في كان و تتويج جوليا ديكورنو بالسعادة الذهبية، و أجد أمامي تعيين الحبيب المالكي رئيسا لمهرجان خريبكة للسينما الإفريقية خلفا للراحل المؤسس نور الدين الصايل. الشطر الأول تناولته اليوم في طريق عودتي من كان، والشطر الثاني أتطرق له لاحقا عندما تكتمل الصورة و تتضح الرؤية. أود فقط أن أذكر، بأن كورونا منحتنا أفضل فرصة لنستدرك. في المجال الثقافي، لا أخبر حقا إن كنا سنستغل الفرصة أم سنضيعها؟ لا أدري.. ما أعرفه حاليا، هو أنني مجبر على التوقف قليلا لأريح قلمي قبل المواصلة و السلام.

#CBM