ثقافة وفن

رشيد زكي يكتب بحرقة وغضب عن رحيل جاد شقيف

أحداث.أنفو السبت 20 نوفمبر 2021
2924D4DF-7906-4A50-ABCC-738AC45B55EA
2924D4DF-7906-4A50-ABCC-738AC45B55EA

AHDATH.INFO

كتب الإعلامي والسينمائي المشتغل في القناة الثانية دوزيم نعيا أليما، قاسيا، صادقا، حادا ولاذعا للجميع باكيا فيه الرحيل المبكر والمفجع للممثل جاد شقيف أسماه جينيريك البداية...ونشره على صفحته في الفيسبوك يستحق النشر فعلا على أوسع نطاق لأنه قال كل شيء

لنقرأ ماكتبه بألم وصدق رشيد زكي:

إلتقينا لأول مرة سنة 2008 إن لم تخنني الذاكرة. كان ذلك بمهرجان مراكش الدولي. التقيت بشاب وسيم لا تفارق الابتسامة وجهه. "زماكري" بسيط و عفوي وبشوش لم يكن بإمكاني إلا أن أحبه. جاء لمراكش ليلتقي بصناع السينما ويقدم خدماته وتجربته التي بدأ الفرنسيون يمنحون لها الفرصة. كان همه الوحيد هو المغرب. الحب الأول والأخير. كان هدفه أن يعرفه ابناء بلده وهو الذي ازداد وترعرعرع بفرنسا.

التقينا بعدها مرات عديدة صدفة. فنحن لم نكن أبدا أصدقاء. لكنني وهو نعرف أن هذا لا يهم. المهم أن نحب ونحترم بعضنا ونعترف ببعضنا البعض.

انتظرت أن أرى هذا الوجه الطفولي ذي السمرة المتفردة يكتسح الشاشات. كل ما فيه يجعل منه ممثلا. هيئته، حسن خلقته، حسن أخلاقه، عمق نظراته، ذلك الشرخ الذي يلوح بعيدا في عينيه ويعطيه نوعا من الهشاشة. كل شيء فيه ينضح فنا وجمالا. هكذا كان جاد. كانت أحلامه صغيرة. أن يقف أمام الكاميرا. فقط. لا يهمه أن يصبح نجما ولا أن يشتغل بالمقابل أو متطوعا.

تأخر لقاؤه بالجمهور المغربي لسنوات. حتى شاهدته لأول مرة في فيلم "فجر 19 فبراير" لأنور معتصم. كان ذلك سنة 2012. أعطاه الفرصة الأولى من عاش مثله حب الوطن الأم من الخارج. اعتقد جاد أن الأبواب فتحت أخيرا. وكان واهما. مر دوره الجميل في الفيلم وكأن أحدا لم يره. وكان عليه الانتظار والصبر. حتى جاء فيلم يوسف بريطل "الشعيبية" سنة 2015. واعتقد جاد مجددا أن وقته قد حان. وبالطبع كان ساذجا... فالسينما في بلادنا ترغمك أن تبدأ كل مرة من الصفر وتشتغل بالشبكات والصداقات وأشياء أخرى... لا أحد كان يدرك مدى نهم وعطش جاد للتشخيص. لا أحد كان يحس بالغليان الذي يعيشه هذا الفتى المرهف. تأتي بعد ذلك فرصة جديدة في فيلم "اوركسترا منتصف الليل" لجيروم كوهن اوليفار. ويعتقد جاد من جديد أن السينما الوطنية سوف تعانقه أخيرا بملئ ذراعيها وتعلن ميلاد ممثل واعد. لكن الشهادة هاته المرة سوف تكون شهادة وفاة للأسف.

هل من حقنا أن نأسف على ضياع وجه سينمائي حقيقي؟ لا. ليس لنا الحق في ذلك. فالبرغم من كوننا نجيد لغة التباكي على كل ما ضاع منا. هاته المرة نتحمل جميعا المسؤولية في ضياع ممثل في مقتبل العمر. نحن من لم نعطه الفرصة التي يستحق. نحن من تغاظينا عن رؤيته وهو بيننا وصممنا آذاننا أمام طرقاته الملحة على أبوابنا. نحن من تركنا من يحب ويجيد التشخيص وفضلنا أن نفتح الباب لممثلي الخرذة وكل من قطر بهم سقف اليوتوب والانتسغرام والتيك توك القذر. نحن من اخترنا أصدقاءنا و"كليكتنا" والموالين لنا والمنبطحين أمامنا وبعض قواويد وقوادات التمثيل. كم كنا وضيعين وحقراء وانتهازيين وأشباه فنانين. ليس لنا الحق في هذا المجال الفني الذي خاصمه جاد مرغما. ليس لنا حتى الحق في هذا الهواء الذي الذي نستنشق مادام جاد قد ترفع عنه بمحض إرادته. ليس لنا الحق في الفن، في الإبداع، في الذاكرة.

نحن من نصنع عمالقة ونحن من نصنع أقزاما. نحن من نصنع أسيادا ونحن من نصنع عبيدا. نحن من نصنع فنا ونحن من نصنع عفنا. نحن ونحن ونحن... وأخيرا نحن من نحكم على البعض بالعيش ونحن من نضع رقاب البعض في المقصلة.

تبا لنا جميعا. لسنا حتى في مستوى تقبل العزاء.

لا عزاء لنا بعد الآن. لأننا بكل بساطة الموتى الحقيقيون. أما جاد فهناك يشخص أدواره في عالم لا ظلم فيه.

جينيريك النهاية.