فكر و دين

الدكتور منير القادري يؤصل الصحبة ويبرز آثارها على الفرد والمجتمع

AHDATH .info الثلاثاء 25 يناير 2022
6F724AEB-A193-4A47-8C73-603C2439B0EF
6F724AEB-A193-4A47-8C73-603C2439B0EF

AHDATH.INFO

مداغ: 24-01-2022.

ساهم مساء السبت 22 يناير الجاري الدكتور منير القادري، رئيس مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الاورومتوسطي لدراسة الاسلام اليوم، في فعاليات الليلة الرقمية الثامنة والثمانين، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال ، بكلمة حول موضوع "طريق الصحبة تحقيق للغايات وتحقق بالكمالات".

استهل القادري مداخلته بالتأصيل الشرعي للصحبة في الله، مبينا أنها تعني صحبة المتعلم للمعلم المربي كما كان الصحابة الكرام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بغاية استفادة المصاحِب من المصاحَب على المستويين الاخلاقي والعلمي، مستشهدا بقوله تعالى "يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل ".

وأكد ان الصحبة الصالحة نعمة كبرى من نعم الله تعالى يسبغها على من سبقت لهم من الله الحسنى، موضحا أنها سبب لزيادة الايمان ولقرب العبد من ربه وللوصول الى الخير وفعله وسبب لمنع العبد من الشر والوقوع فيه، واضاف انها طريق الى الجنة، مستدلا بما روي عن النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم انه "شُوهد متكئا على صاحبه ابي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو يقول هكذا نحيا وهكذا نموت وهكذا ندخل الجنة" ، كما اورد مقولة الجنيد "الله سبحانه سن سنة ازليه لا يجد السبيل اليه الا من قيد الله له استاذا عارفا بالله فيسوقه الى منهاج عبوديته ومعارج روحه وقلبه الى مشاهدة ربوبيته وان كان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء بغير عله ولا سبب وهذا معنى قولهم ما افلح من افلح الا بصحبه من افلح".

وبين رئيس مؤسسة الملتقى أن اكبر آفة على الاطلاق في عصرنا هذا هو الانهيار الخلقي، وتابع "انها ازمة اهمال تزكيه النفوس وتغييب طلب مقامات التربيه الاخلاقيه عند العباد، حتى اذا خلا القلب من الخشية...، اظلم وسكنت فيه شياطين الانس والجن والنفس الأمارة بالسوء ...، لا يسمع الحق ولا ينزجر بوازع ولا ينتفع بموعظة ويستبيح حدود ما حرمه الله"، مستدلا بقوله تعالى "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياه الدنيا ولا تطع من قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا"، مضيفا أن هذه الآية الكريمة تحث على مرافقة الاتقياء الذين يخشون الله تعالى ويذكرونه.

وأوضح أن للصحبة اثرا عميقا في شخصيه المرء وأخلاقه وسلوكه، مبينا ان الصاحب يكتسب صفات صاحبه بالتأثر الروحي والاقتداء العملي، وأضاف أن "الإنسان اجتماعي بالطبع لابد ان يخالط الناس ويكون له بينهم اخلاء واصدقاء، فإن اختارهم من اهل الفساد والشر والفسوق والمجون انحدرت اخلاقه وانحطت صفاته، واذا اختار صحبة اهل الايمان والتقوى والاستقامة والمعرفة بالله تعالى، فلا يلبث ان يرتفع الى اوج علاهم ويكتسب منهم الخلق القويم والايمان الراسخ والصفات العالية والمعارف الإلهية"

وتابع مدير المركز الاورومتوسطي لدراسة الاسلام اليوم "وما نال الصحابة رضوان الله عليهم ذلك المقام السامي والدرجة الرفيعة بعد ان كانوا في ظلمات الجاهلية الا بمصاحبتهم للمربي الاول... رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالستهم له، وما احرز التابعون هذا الشرف العظيم الا باجتماعهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عروة وثقى وسند متصل في الصحبة الصالحة قائمة بإذن ربها الى قيام الساعة"، موردا مقولة للإمام ابن القيم الجوزية "فإن هذه الامة أكمل الامم وخير امة اخرجت للناس، ونبيها خاتم النبيين لا نبي بعده فجعل الله فيها العلماء كلما هلك عالم خلفه عالم، لأن لا تطمس معالم الدين وتخفى أعلامه"، كما ذكَر بقول الشيخ عبد القادر عيسى في كتابه حقائق عن التصوف "إن رسالة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم خالدة مادامت السموات والأرض ورثها عنه وراثا من العلماء العارفين بالله تعالى ورثوا عن نبيهم العلم والخلق والايمان والتقوى فكانوا خلفاء عنه في الهداية والإرشاد والدعوة الى الله، يقتبسون من نوره ليضيئوا للإنسانية طريق الحق والرشاد، فمن جالسهم سرى اليه من حالهم الذي اقتبسوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن نصرهم فقد نصر الدين ومن ربط حبله بحبالهم فقد اتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء الوراث هم الذين ينقلون للناس الدين ممثلا في سلوكهم حيا في احوالهم واضحا في حركاتهم وسكناتهم".

واستنتج القادري ان الطريق العملي الموصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية هو صحبة الوارث المحمدي والمرشد الصادق، الذي يزداد المرء بصحبته ايمانا وتقوى واخلاقا ويشفى بملازمته وحضور مجالسه، مشددا على ان الصوفية كانوا احرص الناس على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، لانهم ورثوا عنه وتخصصوا بعلم اصلاح البواطن وتصفيه القلوب وتزكية النفوس، وأشار الى ما اورده الامام ابو حامد الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال "كنت في مبدا امري منكرا لأحوال الصالحين ومقامات العارفين حتى صحبت شيخي يوسف النساج فلم يزل يصقلني بالمجاهدة حتى حظيت بالواردات فرأيت الله تعالى في المنام فقال لي يا ابا حامد دع شواغلك واصحب اقواما جعلتهم في ارضي محل نظري وهم الذين باعوا الدارين بحبي ، قلت بعزتك الا اذقتني برد حسن الظن بهم , قال قد فعلت ، والقاطع بينك وبينهم تشاغلك بحب الدنيا ، فاخرج منها مختارا قبل ان تخرج منها صاغرا فقد افضت عليك انوارا من جوار قدسي فاستيقظت فرحا مسرورا فجئت الى شيخي يوسف النساج فقصصت عليه المنام فتبسم وقال: يا ابا حامد هذه الواحنا في البداية ، فان صحبتني ستُكحل بصيرتك بإثمد التأييد ".

وأردف الدكتور منير أن صحبه الصالحين والجلوس في مجالسهم وتتبع اخبارهم من الامور التي تعزز حب الخير في النفس وتزيد الرغبة في الوصول الى ما وصلوا اليه، موضحا أن حسنات هذه الصحبة لا تنقطع بالموت بل تتعداها للدار الأخرة، مستدلا بقوله تعالى "الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين"، كما ذكر قول الحسن البصري "استكثروا من الاصدقاء فان لهم شفاعه يوم القيامة".

وتطرق القادري الى حلول الذكرى الخامسة لوفاة مجدد الطريقة القادرية البودشيشية الشيخ سيدي الحاج حمزه بن العباس، مؤكدا انه قد "بلغ الأمانة ونصح الجماعة وجاهد في الله غاية جهده فحق عليه قول ربه عز وجل (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)"، موردا تفسير الامام الشيخ محمد متولي الشعراوي لهذه الآية "ان كلمة رجال في القرآن تدل على ان المقام مقام جد وثبات على الحق وقلوب رسخ فيها الايمان رسوخ الجبال ، وهؤلاء الرجال وفوا بالعهد الذي قطعوه امام الله على انفسهم بان يبلوا في سبيل نصرة الحق فما تخاذلوا في شيء عاهدوا الله عليه ونذروه".

وقدم القادري بعضا من اقوال الشيخ سيدي حمزة منها "اذا اردت ان تسمو اخلاقك وتصفوا اذواقك وتهيج اشواقك فعليك بذكر الله وصحبه الصالحين المحبين والتأدب معهم "، وقوله "الذاكر اذا تجوهرت روحه بأنوار ذكر الله هاجت في قلبه لواعج المحبة فلا يقر له قرار ولا يمسه نصب ولا يعتريه ملل ولا يقهره عطش ولا يصده نوم ولا يثنيه هم ولا يعبأ بقيل وقال ولا تغير همته دنيا ولا مال ولا تشغله تجاره ولا عيال فلا راحة له ولا مقيل الا في رحاب حضرة حبيبه الجميل الجليل، فمن استدام على الحضور مع الله استمد من انوار العظمة الالهية ما يقيم في نفسه وازع الحياء ويوقظ في قلبه اشواق بهاء الهيبة فيجد حلاوة الادب مع الحق ويتذوق طعم حسن الخلق مع الخلق"، وقوله ايضا "من راد الله به خيرا غيب عنه عورات المخلوقات وعيوبهم فلا يرى في الكون ومكوناته الا الجمال فان الخلق هم الباب هم الحجاب".

وأكد الدكتور المحاضر ان الطريقة القادرية البودشيشية منشغلة بخلق جسور التعاون الانساني بين الشعوب والتعريف بالإسلام كرحمة مهداة للخلق، موضحا انها "تبذل الجهد في دعوة الجميع مواطنين وأجانب"، " واضاف انهم يتعلمون في احضان الطريقة مبادئ الدين الحنيف وذكر لا اله الا الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاصبحوا بذلك سفراء المحبة النبوية اينما حلوا وارتحلوا ...، وكذلك همهم التوحد وتجاوز الشحناء التي خلقتها الايديولوجيات والسياسات والاستعداد لمستقبل مشترك مبني على الوطنية الايجابية الفاعلة، ونشر قيم السلم والسلام وخدمة الإنسانية جمعاء، لان مواجهة السلوكات المنحرفة والعدمية، لا تتم بالخطابات والشعارات وانما بالعمل الميداني اليومي القائم على بناء الانسان روحيا بذكر الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ...".

وتابع ان "منهج الطريقة القادرية البودشيشية من خلال التربية العرفانية لشيخ الطريقة مولاي جمال الدين حفظه الله قائم على توقير الجميع والدعوة الى التآلف والتآزر والتعاون على البر والتقوى ونبذ العنف والغلو والتطرف"، موردا كلام صاحب الجلالة أمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله في برقية التعزية التي بعثها الى الدكتور مولاي جمال الدين إثر وفاة والده الشيخ سيدي حمزة القادري بودشيش قدس الله سره بتاريخ 18 يناير 2017، التي اكد فيها ان سيدي حمزه كان شيخا قائما على سنن الطريقة الروحية الصوفية السنية وسند التربية على توحيد الله بالحال والمقال، موضحا انه قد استفاد من صحبته وارشاده القاصدون الطالبون لهذا المنبع الصافي سواء في داخل المغرب او خارجه ، وابرز جلالة الملك نصره الله ان "مورد الشيخ سيدي حمزه بمثابة منبع من منابع التزكية الروحية سيرا على النهج القويم الذي ما فتئنا ندعو اليها بصفاتنا امير المؤمنين والحض على الأخذ بجوهر الدين الذي هو إخلاص التوجه إلى الله وتعظيم ثوابت المملكة والنصح بدعم مسيرتها في الاستقرار والنماء"، واشار جلالة الملك الى ان الراحل كرس حياته رحمه الله لخدمة الاسلام ونشر تعاليمه السمحة، في تشبت راسخ بالمقدسات الوطنية والثوابت الروحية للامة المغربية والتزام قوي بمكانة ودور امارة المؤمنين وولاء متين للعرش العلوي المجيد.

وختم القادري كلمته بالتأكيد على أن التربية الأخلاقية للطريقة القادرية البودشيشية وشيخها الدكتور مولاي جمال الدين وكذا تربية سائر الطرق الصوفية الاصيلة تسعى الى احداث التغيير المرغوب في نفوس مريديها بصقل جواهر روحهم ووقايتهم وتكوين وعيهم الديني وحسهم الوطني على نحو سليم، من غير غلو او تزمت او تطرف، موضحا ان هذه التربية تروم الانتقال بالبعد الروحي لمقام الاحسان من بعده التربوي التزكوي النفسي الفردي الى عملية بناء شاملة لدعائم الفرد والمجتمع، و بناء جيل صادق يؤمن بقيم المواطنة الصادقة والتضحية من اجل الوطن والاخلاص في النية والعمل في سبيل تحقيق تنمية المتكاملة متوازنة، تنمية مستدامة خدمة للصالح العام ولوطننا الحبيب، ومن اجل نشر القيم الأخلاقية الإنسانية، تماشيا مع الرؤية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.