أمنا الأرض

83 في المائة من المغاربة قلقون من التغيرات المناخية وندرة المياه

سكينة بنزين الاحد 27 مارس 2022
الجفاف-بالمغرب-1
الجفاف-بالمغرب-1

AHDATH.INFO

على الرغم من أن الثقافة البيئية تبدو للبعض مجرد ترف معرفي واهتمامات جانبية، إلا أن المستجدات الأخيرة المرتبطة بقلة التساقطات والتغيرات المناخية وتداعيات الصراع بين الدول على مصادر المياه ... جعلت المواطن العربي يستوعب أن موضوع البيئة بات من الاهتمامات التي تختزل إمكانية الاستمرار على الكوكب.

ففي استطلاع أشرفت عليه الباروميتر العربي، وهو شبكة بحثية مستقلة، أبدى المواطنون من 11 دولة عربية اهتماما كبيرا بمستقبل البيئة، وعبروا عن مدى تخوفاتهم تجاه الموضوع، وذلك تزامنا مع افتتاح أسبوع المناخ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2022 الذي سيمتد من 28 إلى 31 مارس الجاري.

83 في المائة من المغاربة المستجوبين، عبروا عن قلقهم تجاه عدد من المظاهر البيئية المرتبطة بالتغير المناخي وجودة الهواء، وتلوث المياه والقمامة، وهي الظواهر التي أصبحت تقلق المتلقي العربي بنفس المستوى الذي تمثله النزاعات والصراعات داخل المناطق العربية التي تعيش توترات تهدد الأمن العام واستقرار الحياة، وأشارت الشبكة البحثية أن الماء العذب يتصدر لائحة أكثر المصارد إثارة للنزاعات داخل عدد من المناطق، لعل أهمها الخلافات الكبيرة بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد توليد الكهرباء، ما يجعل من الماء اليوم كما أمس سلاحا بيد مالكه في ظل محدودية الموارد الطبيعية وندرة المياه المتزامنة مع النزاعات المسلحة، ما يجعل من المعطيين عاملا في تعميق الأزمات الإنسانية وتأجيج نيران النزاعات.

انعدام الأمان المائي .. انعدام الاستقرار

و في سيناريو بعيد عن التفاؤل، يرجح أن تتعمق أزمة انعدام الأمان المائي التي تعني في النهاية انعدام الاستقرار في ظل التغيرات المناخية التي تسير بالكوكب نحو ارتفاع درجات الحرارة وتواتر فترات الجفاف إلى جانب الكوارث الطبيعية والاستغلال المفرط للمياه ما يجعل من هذه المادة الحيوية مستقبلا أكثر المواد ندرة، ما يرفع من عامل الخطر بسبب ارتباطها بالأمن الغذائي، وهو الأمر الذي تعيه اليوم الشعوب العربية جيدا بعد أن عمقت الجائحة من مظاهر الهشاشة وكشفت الكثير من نقاط الضعف،حيث عبر 97 في المائة من المستجوبين في العراق ومصر عن قلقهم البالغ من تلوث المياه، بينما عبر 93 في المائة من ليبيا التي تعيش مرارة الصراعات منذ سنوات عن قلقهم الكبير تجاه الوضع.

وبالمقارنة مع النسب السابقة يبقى المواطن الفلسطيني ( 88 في المائة) والأردني ( 86 في المائة)، والمغربي (83 في المائة) الأقل قلقا من الأزمات الكبرى المرتبطة بالماء وفق النسب المسجلة داخل تقرير الشبكة، وكما هو ملاحظ يأتي المغرب في نهاية الترتيب الذي قد يجد له تبريرا بسياسة المغرب المائية التي كانت سباقة منذ عهد الراحل الحسن الثاني في تشييد السدود والتنبيه لأهمية المياه في المستقبل، إلا أن التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019-2020 قد نبه إلى كون المغرب على موعد مع عتبة الندرة المطلقة بالنسبة للماء في أفق سنة 2050، رغم توفره على 149 سد كبير و 100 سد صغيرة، وآلاف الآبار والثقوب.

وكان تقرير المجلس الأعلى للحسابات قد أكد على ضرورة تدبير القطاع المائي لتجاوز عدد من أوجه القصور، كالتوزيع غير المتوازن بين الأحواض المائية، حيث تعاني جهات من الجفاف بينما يضيع فائض المياه في مناطق أخرى باتجاه البحر دون الاستفادة منه، إضافة إلى الاستغلال المفرط للمياه الجوفية ما سيؤدي إلى استنزافها، ليوصي بضرورة تحديد الملك العام المائي، وتتبع مصادر تلوث المياه، حيث تقدر تكلفة تدهور الموارد المائية بحوالي 1.26 في المائة من الناتج الداخلي الخام، منها 18.5 في المائة مرتبطة بالتلوث الصناعي للمياه، ويصل حجم التلوث إلى 51 مليون متر مكعب في السنة من مخلفات المصانع التحويلية، و 685 ألف متر مكعب من مخلفات مصانع الزيوت، وأزيد من 9 مليون متر مكعب من مخلفات المجازر، وحوالي 2 مليون متر مكعب من مخلفات المدابغ وصناعة النحاس.

إنعكاس على إمدادات الغذاء والصحة 

وحث المجلس الأعلى للحسابات على ضرورة تعزيز شرطة المياه بسبب ارتفاع عدد مستغلي المياه بدون ترخيص،كما سجل التقرير ضعفا في التنسيق بين مختلف المتدخلين في القطاع، إلى جانب عدم تفعيل أجهزة التنسيق الرئيسية، مسجلا أن المجلس الأعلى للماء والمناخ، لم ينعقد منذ سنة 2001، إلى جانب غياب استراتيجية تواصل متكاملة ومتعددة الدعامات، مرتبطة بتثمين وحماية الموارد المائية وإشاعة ثقافة الاقتصاد في استهلاك الماء، حيث أثارت مهمتا مراقبة تسيير مخطط اقتصاد الماء والمخطط الوطني لاقتصاد الماء في المجال الفلاحي قصورا في تحسيس الفلاحين في المناطق الساحلية بمنطقة الغرب بخطر تسرب مياه البحر إلى الفرشة المائية نتيجة الاستغلال المفرط للمياه الجوفية.

وبالعودة لأرقام  الباروميتر العربي، يبدو جليا أن الشعوب العربية بدأت تستوعب تشعبات المواضيع المرتبطة بندرة المياه في إطارها العام الذي يستحضر التدهور البيئي، وعدم انتظام التساقطات الذي ينعكس بشكل مباشر على إمدادات الغذاء والصحة العامة وغيرها من المواضيع التي أصبحت تثير قلق المواطن المكتوي بنار المعيشة المرتبطة بسلاسل انتاج تعول على المياه، واعتبر  64 في المائة من المستجوبين في المغرب أن هذه الملفات المرتبطة بالتغير المناخي أصبحت تشكل له اليوم مشكلة ، إلا أن هذه النسبة تبقى قليلة مقارنة مع المستجوبين من الجزائر الذين يعانون  من الغلاء ومشكل انقطاع المياه، حيث اعتبر 71 في المائة من المستجوبين أن التغير المناخي يعد مشكلة كبيرة للغاية، تليها السودان بنسبة 69 بالمئة، والأردن (69 بالمئة) وفلسطين (68 بالمئة) وتونس (68 بالمئة). لكن معدلات القلق تعد أقل في كل من المغرب (64 بالمئة) وليبيا (63 بالمئة) ومصر (62 بالمئة) والعراق (58 بالمئة) واليمن (57 بالمئة).