السياسة

الحديث عن الصحة النفسية والعقلية في المغرب ليس ترفا ..

سكينة بنزين الأحد 08 مايو 2022
تقرير المجلس الوطني حول الصحة النفسية والعقلية
تقرير المجلس الوطني حول الصحة النفسية والعقلية

AHDATH.INFO

في ظل التعثر الذي تعرفه المنظومة الصحية بالمغرب، تبقى الصحة النفسية والعقلية خارج الأوليات في وقت بالكاد يبحث فيه المغاربة عن سبل تيسير ولوجهم للعلاج البدني، ضمن أجواء تحفظ كرامتهم وتعفيهم من طول ساعات الانتظار وأعطاب المعدات وقلة الأطر الطبية والتمريضية، وفي هذا الإطار حاول المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تسليط الضوء على هذه الزاوية المنسية، خلال تقريره الذي حمل عنوان "فعلية الحق في الصحة بالمغرب".

التقرير أشار أن منظمة الصحة العالمية تعرف مفهوم الصحة بكونه "حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية"، حيث تشكل الصحة العقلية والنفسية جزء لا يتجزأ من الصحة بمفهومها الواسع باعتبارها حقا مؤسِّسا لإمكانية التمتع بباقي الحقوق الكونية، ومن هذا المنطلق تماهى التقرير مع آلاف الشكايات والملاحظات التي لا يتوقف المغاربة عن تكرارها كلما استفاقوا على جريمة بشعة أو اعتداء عنيف يحمل توقيع شخص "مختل"، مؤكدا ان الصحة العقلية أصبحت تشكل أحد أبرز مشاكل الصحة العامة، فهي لا تحظى بالاهتمام اللازم في السياسات العمومية، باعتبارها مكونا أساسيا لراحة ورفاهية المواطنين، بالإضافة إلى تقادم القانون المنظم للصحة النفسية والعقلية والقوانين المرتبطة به وضعف جودة التكفل بالمرضى وغياب العلاجات المتخصصة الموجهة لفئات الأطفال والمراهقين والمسنين.

كما أكد المجلس من خلال تقريره أن مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية بالمغرب تعرف نقصا حادا من حيث بنيات الاستقبال من مراكز صحية وقائية أو أجنحة خاصة بالمستشفيات العمومية، كما أن التجهيزات المتوفرة متقادمة أو معطلة أو غير ملائمة. ومن جهة أخرى فإن عدد الأسرة لا يتجاوز 1725 سريرا في 27 مؤسسة صحية لعلاج الأمراض العقلية، علاوة على النقص الحاد في الموارد البشرية المتخصصة والتي لا تتجاوز حاليا 172 طبيبا نفسيا و740 ممرضا اختصاصيا في الطب النفسي بالقطاع العام مقابل 131 طبيبا في القطاع الخاص، وهو عدد بعيد عن الاستجابة للمعايير العالمية في هذا المجال. وفضلا عن ذلك، يسجل المجلس أن 54 في المائة من هؤلاء الأطباء والممرضين يتمركزون في محور الدار البيضاء والرباط وطنجة.

وبعد جرده لأهم العقبات التي تتخلل هذا الملف الشائك الذي يتداخل فيه الصحي بالإنساني والمادي والثقافي، تناول التقرير التمثلات والأفكار المسبقة حول "المرض العقلي والنفسي" في المغرب، ما يحكم على المريض النفسي بالإقصاء والتهميش ويشكل مصدر حرج لبعض الأسر التي لا تفهم طبيعة المرض الذي يحاولون إقباره داخل دائرة "الطابوهات"، أو يطرقون باب الشعوذة والدجل طلبا للعلاج لأسباب ثقافية أو مادية بالدرجة الأولى، حيث تجد الأسر الفقيرة والمتوسط صعوبة في توفير العلاج للمريض النفسي الذي يستمر لسنوات ويحتاج عشرات الجلسات الملكلفة على المستوى المادي، ما يجعل من الرقية والوصفات السحرية "الحل البديل" الذي يزيد من تأزيم الوضع النفسي والعقلي للمريض، وهو ما ينتهي به في نهاية المطاف منبوذا أو متشردا، ما يشكل مصدر تهديد لسلامة أسر المريض أو المارة في الشارع، وهو ما تشهد عليه العديد من الحوادث المسجلة بشكل دوري، دون أن يتم التعامل معها بشكل جدي.

وفي ظل التحولات الكبرى التي يعيشها المجتمع المغربي، على غرار دول باقي العالم، وما أفرزه هذا التغير من ضغوط نفسية مرتبطة بنمط العيش الجديد ووسائل التواصل التكنولوجيا، أوصى المجلس بضرورة  الاهتمام بالصحة النفسية بمعناها الواسع، إلى جانب الاهتمام بمحددات الصحة النفسية اعتمادا على مقاربة علم الأوبئة الاجتماعي، و جعل مطلب النهوض بالصحة العقلية والنفسية عنصرا مركزيا ضمن مشروع إعادة هيكلة البنيات الاستشفائية على المستوى الوطني والجهوي.

ومن التوصيات التي تقدم  بها المجلس ارتباطا بالتحولات العميقة التي يعرفها المغرب، انطلاقا من ضغوط العمل، ومرورا بنمط الاستهلاك، وصولا إلى الأدوار الجديدة للمرأة في المجتمع، أكد المجلس على ضرورة الاهتمام بأبعاد الصحة النفسية المرتبطة بتحولات ظروف العمل ونمط العيش، وبمظاهر الإقصاء الاجتماعي، وبتداعيات التمييز ضد النساء، مع التأكيد على ضرورة توفير بنيات استقبال في المستوى المطلوب في ظل النقص الحاد للفضاءات المخصصة للمرضى الذين يعانون مشاكل نفسية أو عقلية، إلى جانب سد الخصاص المريع في الموارد البشرية، و إعادة النظر في أثمنة بعض الأدوية وإقرار المجانية الكاملة للمرضى.