ثقافة وفن

رحيل الفنان التشكيلي الحسين الميلودي.. طائر موكادور يحلق بعيدا

اعداد : محمد معتصم الاحد 25 سبتمبر 2022
Capture d’écran 2022-09-25 à 10.19.44
Capture d’écran 2022-09-25 à 10.19.44

AHDATH.INFO

برحيل الفنان التشكيلي الكبير الحسين الميلودي ، تكون الساحة التشكيلية المغربية والعالمية قد فقدت أحد الأسماء المهمة التي بصمت على التميز والتفرد طيلة عقود من الزمن ، الفنان العميق والمتواضع الهادئ الحسين الميلودي ظل وفيا لمدينته الصويرة ، حيث تشهد هذه المدينة الساحرة ، أن المبدع الوديع ترك مجسم " بركة محمد " عربون محبة وتقدير لهذه المدينة المبدعة .

هكذا يغادرنا الفنان التشكيلي الحسين الميلودي يوم الخميس 15 شتنبر الجاري بالمستشفى العسكري بالرباط ، كما تلقت أسرته الصغيرة والكبيرة برقية تعزية ملكية أشادت بالمكانة التي يحظى بها الراحل ، حيث ساهم بما امتلكه من موهبة رفيعة وحس جمالي راق ، في اثراء الساحة الفنية بأعمال ابداعية ولوحات تشكيلية بوأته مكانة متميزة داخل الوطن وفي الأروقة الدولية .

" أحداث أنفو " استقت شهادات معبرة من أصدقاء الراحل وفنانين ونقاد عبروا عن حزنهم الشديد لرحيل الفنان التشكيلي المعاصر الحسين الميلودي .

د. عبد الله الشيخ/ ناقد فني : أستاذ تاريخ الفن بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء

فمن عبق تاريخ الأسوار البرتغالية العتيقة، يفوح رحيق أشكال وألوان الفنان التشكيلي المغربي المعاصر الحسين الميلودي ليتماهى مع إيقاع البحر وأصوات النوارس وليتداعى بعد ذلك شريط ذكرياته على الطريقة السردية البصرية التي تذكرنا على نحو مغاير بعوالم المنمنمات والكتابات الطرسية الغابرة... كل لوحاته الفنية عبارة عن أنوية متشظية تشي بولادات متجددة.

ولادات نستحضر، من خلالها وعبرها، الحنين إلى فردوسه المفقود، أقصد الحضن الرحمي الأمومي بوصفه الأصل الوجودي والمصدر الطبيعي. يا لها من مقاومة باطنية لكل معالم الطمس والنسيان والمحو... فهذا الجسد التشكيلي الجينيالوجي يتناسل بشكل سلس وانسيابي، متخذا عدة علامات كبرى وصغرى في الآن ذاته، تحيل بصيغة مجازية على كيانه المزدوج: سلالة المدينة الشامخة، وسلالة الأمومة الرمزية كاستعارة دالة على الحياة بمفهومها الكينوني الشامل.

إنه نشيد الأنوثة الخلاقة التي تذكرنا بقول شيخ العارفين ابن عربي: "المكان الذي لا يؤنث، لا يعول عليه". فبتاء التأنيث، يغدو مكانا ومكانة. إن الميلودي كابن عربي كثير الترحال في الأمكنة والأزمنة عندما لا يجد المكانة التي لا تليق به. علامات هذا الفنان لا تحيل إلا على ذواتها... لا تتشاكل مع علامات أحمد الشرقاوي، وفريد بلكاهية، وعيسى إيكن، وبوجمعة لخضر، ومحمـد حميدي وغيرهم...

إنها كتابته الطلسمية المشخصنة التي تؤرخ لسيرته الذاتية في علاقتها بالأمكنة والأزمنة، والكائنات والأشياء... ارتضى في عزلته الاختيارية حياة التأمل والصمت الاستثنائي، منصتا بعمق للشحنات الإنسانية التي تسكن عوالم لوحاته/ منمنماته الملغزة والخصيبة ذات الإيحاءات الرمزية التعبيرية البليغة.

كل شيء ينبعث من جديد كصورة الفينق أو العنقاء في الحضارات القديمة... كل شيء يتحول باستمرار كبحر يغير شاطئه في كل لحظة... لا مجال للسكون والجمود... فكل علامة تتناسل وتحيل على علامة أخرى في حنين أبدي إلى الأنثى/ الأصل. هذا الحنين الذي ارتسم على يد "فاطمة" وعلى مرايا الكون والوجود بحثا عن الذات في سفر جواني/باطني يستدعي على التو رحلة فريد الدين العطار في رائعته "منطق الطير". إن موتيفات الحسين الميلودي، الناعمة والصلبة في الآن ذاته، تفضي في المحصلة النهائية إلى بنية تشكيلية مركبة ومنفتحة على عدة إحالات مرجعية بصرية عبر إنسانية وعبر ثقافية.

فإذا كانت باربارا كاسان تتحدث عن نسيج من النصوص (كل نص هو نص النصوص)، فيحق لنا أن نتحدث في مقام الحسين الميلودي عن نسيج من اللوحات (كل لوحة هي لوحة اللوحات). فكما أن القارئ هو خزانة نصوص، فإن اللوحة ذاتها تحمل في طياتها تاريخ نشوئها وارتقائها، فهي إنتاج لا متناه لما قد أنجز ولما يفتأ ينجز.

إعادة القراءة هاته هي ملاحقة مسارها المتناظر والمغاير في الآن ذاته. إنها إعادة إنتاج عوالمه البنائية والمشهدية معا: كتابة ثانية تجعل من المتلقي النموذجي منتجا لا مجرد متلق أو مستهلك كما تقتضي لذة الأثر الفني الذي يراهن على الاشتغال والتفاعل واللعب.

الجدير في هذا الباب التداولي الحديث عن اللوحة - التعدد لا اللوحة - الوحدة المنغلقة على ذاتها بين إطارين حاملة عنوانا هو مفتاح سر ولوجها. هذا هو الخيط السري الذي يغدو حركيا وممتدا إلخ. فوحدها هذه الديناميكية البصرية هي التي تخلق الهوية المنفتحة، أي هوية "المباينة" (Différance)التي تحيل على البون والبينية والتباين: رسم الشيء مرة أخرى وكأننا نرسمه أول مرة. ألا تكمن هوية الكائن في التقليد كراعي لحياة الكلام والفكر معا، أي في اتصال بشيء قديم وغابر كان خفيا؟ اتصال لا يتم إلا عبر سلسلة من الانفجارات التي تحدث جراحات وشروخات وفجوات لدى الكائن. العلاقة مع الأصول شبيهة بحبل السرة المقطوع، فالقطع لا يفصل المولود عن أمه، وإنما يعيد ارتباطه معها على نحو مغاير.

هذه الصورة هي المفتاح والمسلك الملكي لإدراك هواجس الميلودي إزاء وسطه المحلي الصويري الذي فقد معالم جغرافية الرمزية بله المجالية. ففي كل ما نراه في لوحات هذا الفنان نعثر على أثر حالته وحيرته وجرحه النبيل... فهو في كل رمية تشكيلة، يقدم لنا براءة مخيلته بالتعبير البارطي. براءة مولع بالترحال ومتجشم للصعاب بحثا عن أرضه الموعودة.

ابراهيم الحيسن/ فنان تشكيلي وناقد جمالي :خسارة كبيرة للتشكيل العربي والمغربي

كم هو موجع ومؤلم رحيل الفنان التشكيلي المغربي الحسين الميلودي، مبدع متميِّز واستثنائي أنجبته مدينة الصويرة الشاطئية، وقد تجاوز صيته الفني وإشعاعه الإبداعي المستوى المحلي والقاري بفضل ما راكمه من إبداعات وتجريبات صباغية حداثية جسَّدت إلتزاماته الإبداعية تجاه مشروعه الفني الذي شرع في تشييده منذ سنوات كثيرة من الإنتاج، وقد قام بالأساس على استنطاق الذاكرة الماضوية ومحاورة العلامات والرموز المستوحاة من محيطه ومن عالمه الفني الموسوم بالاختزال والتبسيط الهندسي..

وظلت أعمال الفنان الميلودي الأولى تجسد اهتمامه بالرمز المتحرِّك الناتج عن خلق إنشاءات هندسية دينامية مكسوة بكتابات نورانية وفرعونية يَسِمُ جانباً منها مفهوم التشتت، وأخرى مرتبة داخل دوائر مجزأة بشكل متساوٍ يغلب عليه الطابع التنظيمي على شاكلة الحلي الفضية والنحاسية الزخرفة..أو الأشكال الرمزية التي توحي بعالم الفلك وقراءة الأبراج.

ففي لوحاته تتراقص أشكال مصغرة ورموز متحرِّكة في شكل إنشاءات تجريدية من عوالم أثرية قديمة وكأنها خارجة للتو من رحم النقوش والرسوم الصخرية التي ترسم وجود الإنسان القديم..وأخرى مأخوذة من الثقافة الشعبية الإنسانية في حدود تعبيريتها وإيحاءاتها البصرية المتعدِّدة.

وفيها شخوص وكائنات ميثية مختزلة تتحرَّك داخل أحياز صغيرة، مربعات تظهر في اصطفاف عمودي وأفقي في حركات دائمة ودؤوبة تشرع في التفكك كلما اتجهت نحو الأعلى..وتعلوها طيور تحلق في السماء مثل رسل حاملة معها أزهار ورسائل المحبَّة.

وبرحيله الصادم تكون الساحة التشكيلية العربية والمغربية قد فقدت واحدا من مبدعيها الكبار الذين قعدوا للحداثة الفنية وما بعدها بإنتاجات فنية وجمالية مؤسسة على البحث والتجريب والمعرفة الفنية الوافية.

 

أحمد بومعيز/كاتب واعلامي: الحسين الميلودي ذلك الساحر الوديع يرحل بعد أن فك طلاسيم رموز الشكل وتشكيلات الرمز

قد يكون من باب الجحود ،أو التجاهل والتنكر أن نجهر بشهادة منمقة في حق فنان ومبدع بعد رحيله. وقد تكون ذات الشهادة مستحقة وذات جدوى في وقت سالف كان فيه الراحل بحاجة فعلية لها حتى يحس بيقين الاعتراف ومقام وموضوعية المقال .

وقد ينطبق ذات القول على ما قد أقوله في حق الفنان التشكيلي الكبير الراحل الحسين الميلودي . لكن قد يغفر لي طبع وشخصية الراحل الميلودي ووداعته وتسامحه . فهو بطبعه لا يحب الاطناب في الحديث ،ولا يحب تسليط الضوء على شخصه، ولا يحب إشهار أعماله أكثر من العادي . والميلودي بطبعه أيضا متواضع وكثوم ومحب للعمل في الظل وبعيدا عن أعين المتربصين والمتتبعين وحتى المحبين . فهو عكس الكثير من الفنانين واشباههم ، لم يلهث قط خلف أضواء الكاميرات، ولا إلى المجالس والصالونات ،ولا إلى أداء لوازم مقالات نقد وأقلام نقاد تحت الطلب .

واذا كانت هذه توطئة البسيطة يفرضها السياق ذاتيا ، فهي على الاقل تمنحني مشروعية صياغة هذه الشهادة ،والتي قد أتقاسم جل أو بعض مضامينها مع الكثير من الذين عرفوا الحسين الميلودي عن قرب وصادقوه ،وتفاعلوا مع منجزه الفني ، وتتبعوا مساره، أوكانت لهم فرصة الاطلاع على مشاريعه ولو جزئيا .

فالحسين الميلودي ،والذي لم تستنفد ولم تستفد تجربته الفنية من التتبع النقدي اللازم ،إلى حدود رحيله، فهو كفنان يبقى من رموز و رواد الجيل الثاني من الفنانين التشكيليين المعاصرين المغاربة. وهو قد يعتبر لوحده نموذجا لهذا الجيل. فالحسين الميلودي استطاع أن يزاوج بين التكوين الأكاديمي، من خلال تجربته وتعليمه بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء ثم بباريس بفرنسا، وبين اطلاعه وانفتاحه على التراث واهتمامه بالثقافة المحلية من خلال مكوناتها ورموزها ولغتها وفضاءاتها ومعمارها. فمثلا ،الحسين الميلودي كان يتقن اللغة الفرنسية ،لكنه يحب الحديث بالعربية والدارجة.

وهو يتقن الهندسة، ويحب في نفس الآن التمرد على قواعد وجفاف وقساوة الاشكال الهندسية ،فيشتتها كي يعيد تركيبها من جديد وفق نسق خاص ومتفرد ومنفلت من يقينيات الحصر والتعريف ،فهو في أعماله يمزج المعنى باللايقين ،وحدود الشكل باللانهائي في امتداد اللون والفضاء . وهو يتقن الدقة في تفاصيل الرسم ويتمرد على المضمون والاجمالي في نفس الآن حتى يجيب على سؤال التنوع والاختلاف والغنى ورمزية التعبير ، وبذلك يفتح كل احتمالات التأويل الحر، حتى يعيد صياغة المعنى ،مفضلا التمرد على يقينية الشكل الجاهز، والذي يعتبره متجاوزا في سياق التعبير الفني...وهكذا جعل من الرموز امتدادا للهندسة ، وجعل من الشكل الهندسي عنصرا منسجما مع الرموز في بساطتها وحمولاتها ودلالاتها الثقافية والانتربولوجية .

كما يعد ويعتبر الميلودي ،وفي إطار غنى وتفرد تجربته وأسلوبه الفني ،من التشكيليين الذين أخرجوا وسحبوا التشكيل من اللوحة والمرسم وقاعات العرض، إلى الواقع والشارع والحياة، في ارتباط جدلي مع المجال الوظيفي والتوظيفي للفن التشكيلي ،ونرى ذلك مجسما فعليا خلال أعماله في علاقة مع الفن العربي الاسلامي في مجال المعمار كمثال. ومن بين مكونات هذا المنحى، نقف عند مجسم أو تنصيب عبارة " بركة محمد " والتي حولها من عبارة مكتوبة هندسيا ببعدين اثنين بالخط الكوفي على بعض أبواب الصويرة المدينة منذ التأسيس في منتصف القرن 18، حولها الميلودي سنة 1978 إلى مجسم /تنصيب في شكل هندسي بأبعاده الثلاث في تقاطع و تقابل وانسجام في الشكل، وقد أنجز هذا المجسم بهدف وظيفي كي ينصب على شكل منحوتة بمدخل المدينة ،وهو كذلك إلى يومنا هذا .

وأيضا، ومن أشكال وغنى وقدرة الميلودي على الابتكار والإبداع في إطار وظيفية التشكيل هو إنجازه لرسوم وهندسة مجموعة من قطع الحلي والتي شكلت اهتماما فنيا موازيا بالنسبة للميلودي . وفي مجال النحت، استطاع الميلودي أن يهندس بذكاء منحوتة فريدة لا زالت معروضة بإحدى ساحات المدينة ،وهي تعبير لشكل يد تمسك حجارة، وهو تعبير من الفنان الميلودي عن انتفاضة أطفال الحجارة تكريما للمقاومة الفلسطينية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات. بالطبع الميلودي لم يكن يتصنع، ولا يدعي الإعلان على ذلك ،فقط كان يختبر ذكاء المتلقي وفق هذا الشكل الراقي من التعبير الفني.

أما بالنسبة للميلودي الإنسان ،فقد يستعصي الحديث عنه ومحاصرته في شهادة مختزلة لتجربة ومسار ،لكن يكفي أن نقول أن نقط قوة الميلودي هي التواضع والالتزام والصدق في المشاعر وحب الإنسان ،فيكفي أن نشير أن الميلودي ،ونظرا لحبه وتعلقه بوالدته ،أنه قرر بعد وفاتها توقيع وتدييل كل أعماله ولوحاته بتوقيعها هي نفسها إلى جانب إسمه...

وختاما، تكفي الإشارة، أن الميلودي لم يطمح قط إلى جاه ،ولم يتهافت على منصب، ولم يستغل موقع أو علاقة. كانت له وصية و مطلب واحد ووحيد ،هو أن يدفن في مدينته الصويرة قرب أبويه وفي نفس المقبرة.

مبارك حسني

كاتب وناقد جمالي

رحيل قامة صديقي الحسين الميلودي

طائر موغادور السامي

هو أمر جلل بالفعل أن يرحل الفنان المغربي الرائد الحسين الميلودي عن دنيانا. تَصرَّف القدر ولا راد له، لكن حين يُغَيِّب الموت مُبدعا من طينته، تتداعى إلى الذهن مسيرته الفنية، إبداعه الذي نشره بين الناس، وحمل علامات تفرده، وشخصيته الخاصة، وسلوكه وأخلاقه ومأثوراته.

كنت أعرف الرجل فنانا كبيرا، أسس لأسلوب فني اختطه بنفسه وعوالم تشكيلية، لا يملك إلا هو أسرارها الفاتنة ومفاتيح قراءتها وإبداعها. كان ضمن زمرة الرواد الذين أسسوا الفن التشكيلي بالمغرب، أي جعلوا مستقرا مغربيا. بمعهد الفنون الجميلة درس في الستينيات، لكنه ما لبث أن التفت محيط نشأته في مدينة الصويرة التي تحبل بكل الزخم التراثي العاتي المجَمَّع في جغرافيا مضبوطة محدودة تجعل هذا الزخم يرافق ساكنة المدينة ليل نهار. الحسين الميلودي بدأ من هنا التجربة، فكان الأول في اختلاق فنيا للعديد من العلامات والرموز والصور التي صارت بذكرها الركبان، فاشتهرت ونالت الحظوة كإبداع جديد مجدد، لم يسبق لأي فنان أن أتى به. ليس اعتباطا أن تتخاطفه المتاحف وكبار التجمعيين من هواة الفن في كل مكان.

عرفته شخصيا خلال السنتين السابقتين، وكان يستدعيني إلى بيته كلما سمحت صحته بذلك. فقد عانى من آلام كانت تلزمه علاجات مكثفة ومتواصلة وحلقات ترويض متعددة. وحينها تكون الجلسات من أجل ما عرفت وعشت. تعرفت فنه من المنبع، من الذاكرة، من حكي التجربة، من ثراء علاقاته الفنية والأدبية، من حضوره القوي كاسم مؤثر وكرائد. كان جلسات حوار طويلة عنوانها العفوية والطلاقة وجزالة البوح. سرني أن الحسين الميلودي اعتبرني ضمن أصدقائه خلال مدة قصيرة، وسرني أنني كتبت عنه، وعن تجربته التشكيلية من منطلق بوحه واللقاء معه.

في منزله بالمدينة العتيقة حيث كانت لنا أحاديث عن سيرته، هو الحاحي الأصول، من إدا ويسارن حيث شجرة الأركان والزوايا الصوفية. ثم عن حياته بالصويرة حيث مَعلْمِي الحِرف كن كل نوع، خاصة على الخشب والحجر والمعدن النفيس في الصياغة، وأهازيج الموسيقى والطقوس المختلفة، وحيث مرة أخرى الزوايا الصوفية، وحيث تاريخ حضري يتعالق مع الوطن ومع البعد العالمي، بجغرافيا بذراع على المحيط وأخرى تمتد الى الجبل معانقة الريح والنوارس. ثم وهو يحاور ويجاور الرمز والعلامة من كل ذلك ويجعلها أساس فن لا يضاهي.

ولقد مكنني من القرب من ذلك حينما دعاني إلى "بيت اللطيف" بالصقالة حيث يوحد مُحترفه الشهير. هناك شرح وباح ونظر وفتح آفاق أفقه الفني. بأناقة نادرة، وبسمة حيية، وجدتني أحظى أنا الكاتب الهاوي للفن بما يتمناه هاوٍ. الرمز والعلامة بعدد لانهائي في أشكال لانهائية تنبثق من يد أو أرض وتحلق في سموات، يلزمك وقت لانهائي كي تحوط بها جميعها. كان الحسين الميلودي يشتغل وهو داخل هالة غياب إلا عن الخلق.

لا يعرف سوى أن يشيد عوالم روحانية.

كان أحد ثلاثة انطلقوا من الصويرة نحو العالمية: ادموند عمران الملح والطيب الصديقي والحسين الميلودي.