آراء وأعمدة

وزير الثقافة والنيران غير الصديقة!

رحاب حنان الأربعاء 05 أكتوبر 2022
Mehdi-Bensaid
Mehdi-Bensaid

AHDATH.INFO

منذ أيام يتعرض وزير الثقافة محمد المهدي بنسعيد لحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى بعض المنابر الورقية والإلكترونية.

بعيدا عن نقاش صوابية هذه الحملة، ودوافع المنخرطين فيها، والتي هي متباينة، فإنه نادرا ما تحظى وزارة الثقافة باهتمام الرأي العام، إلى درجة أن تصبح محط نقاش شبه عمومي، مما يمكن اعتباره وجها إيجابيا لما يحدث، خصوصا في مجتمع لا يكاد يتعرف أغلب مواطنيه سوى على اسم وزيرين أو ثلاثة من أسماء أعضاء الحكومة، ناهيك أن يكون هذا الإسم وزيرا للثقافة.

والآن لنعد إلى ملابسات الضجة المرتبطة بالهجوم على وزير الثقافة الشاب، والتي لها علاقة بتصريح صحفي لمغني راب على هامش ندوة مهرجان شارك فيه، من تنظيم وزارة الثقافة، ثم كلمات تلفظ بها في السهرة التي شارك فيها، تتضمن عبارات نابية.

ولنطرح السؤال بكل تجرد: ما الخطأ الذي ارتكبه الوزير في النازلة؟ وهل الوزير مسؤول عن كل ما يمكن أن يقوله المشاركون في المهرجان؟

هل كان على الوزارة أن تقصي الراب وباقي التعبيرات الشبابية من أي أنشطة تدعمها؟

قد تبدو هذه الأسئلة ساذجة، ولكنها ليست أكثر سذاجة من تحميل وزير ووزارة عبء كلمات قد يتفوه بها ضيوف نشاط ما من تنظيمها.

هل كان على الوزارة أن تتبرأ مما قاله المغني؟

لكن هنا يطرح إشكال: هل المغني مسؤول أو موظف في الوزارة لتعتذر هي عن تصرف صدر من أحد المحسوبين عليها؟

ألن يتم اعتبار الاعتذار بمثابة وصاية على أي فنان أو أديب ستتم استضافته في أي نشاط ستنظمه الوزارة مستقبلا؟

شخصيا، لا أرى حرجا من اعتذار الوزارة عن كلمات قيلت في نشاط عمومي تتحمل هي مسؤولية تنظيمه، خصوصا وأن الكلام المتفوه به يحمل شبهة الإخلال بالحياء العام.

لكن، ألن يشكل الاعتذار سابقة، قد تصبح عرفا يتم بموجبه تحديد ما لا ينبغي قوله في أي نشاط فكري أو أدبي أو فني من تنظيم وزارة الثقافة، أو ما لا ينبغي كتابته إذا أراد مبدع ما الاستفادة من دعم الوزارة للكتاب؟.

يشكل الشباب الفئة العريضة في السلم الديموغرافي بالمغرب، وكان من حسنات وزارة الثقافة في نسختها الجديدة أن حاولت الخروج من الصورة النمطية لوزارة الثقافة التي التصقت في الأذهان، باعتبارها الراعية لثقافة وفن وأدب تم تكريسه مؤسساتيا باعتباره يمثل الوجه الذي يراد تسويقه للثقافة المغربية، وهو وجه يستبعد التعبيرات الشبابية سواء في الغناء أو الرقص أو السينما أو الأدب وغيرهم. وينتصر للأسماء المكرسة التي تنتمي لأجيال سابقة، لا أحد ينكر مساهماتها، أو ينتصر للطابع الفولكلوري الذي يعطي للمعمار والأزياء والتعبيرات الفنية الشعبية بعدا سانكرونيا، عوض أن يمنحها حياة جديدة عبر دعم التجديد والمصالحة بين الإبداع والموروث.

إن أي محاولة للانفتاح على التعبيرات الشعبية والتجديدية هي مغامرة غير مأمونة العواقب، ولكنها ضرورية إذا أردنا أن تخترق وزارة الثقافة أوساط الشباب.

فمن جهة ستكون هناك ممانعة من طرف التوجهات المحافظة التي لا ترى في وزارة الثقافة إلا محفظة مالية لدعم الملحون والطرب الأندلسي والزربية المغربية وما شابه ذلك، وهي أمور مطلوبة، ولكن دون أن يكون هناك إقصاء للجديد الذي بدوره هو تجسيد مغربي لتفاعل الشباب مع الحداثة، ومن جهة أخرى قد تكون هناك انفلاتات غير محسوبة من طرف شباب قد يعوزهم التفريق بين الفضاء الشبابي الخاص وبين فضاء رسمي مفتوح للعموم، وقد لا يقبل فيه ما قد يكون أعرافا في فضاءات الشباب. وقد يستغل المحافظون مثل هذه الانفلاتات ذريعة لرفض الانفتاح على التعبيرات الشبابية.

إن ما حصل هو تمرين كان لا بد منه، وهو حادثة سير لا غير، ولا يجب أن ننصب المشانق بسببها، لا لوزير الثقافة الذي كان يجب دعم تجربته في احتضان هذه التعبيرات، ولا للشاب المغني الذي أخطأ التعبير الذي لم يكن مناسبا للفضاء الذي قيل فيه، وقد يكون مقبولا في فضاء آخر.

ثم هو تمرين حول تدبير صراع الأجيال، التدبير الذي نريد له أن لا يكون بمعادلة صفرية، بل بتنازلات متبادلة في الفضاء العمومي المشترك، مع التسامح في الفضاءات الخاصة بكل جيل، وبكل فئة، وبكل تعبير.