ثقافة وفن

الواقع والإدهاش

أسامة خيي الأربعاء 17 يونيو 2015
الواقع والإدهاش
مفاجأه..-السينما-تقى-من-الزهايمر-1

AHDATH.INFO- طنجة - خاص

لم تكن الأفلام المغربية في بداياتها، منذ فيلم "الحياة كفاح" سنة 1968  للمخرجين أحمد المسناوي ومحمد التازي الذي تناول موضوع نضال مغن يريد الوصول إلى المجد أدى دوره الفنان عبد الوهاب الدكالي، بعيدة عن الواقع في تناولها للمواضيع التي قاربتها. فالواقع كان دائما هو الإطار المرجعي للفيلم المغربي، من خلال نص سينمائي  يستمد متنه الروائي مما له علاقة بحياة الناس، مع وجود بعض التجارب التي نزعت نحو التجريد أو اللامعقول، مثل الأفلام الأولى لمصطفى الدرقاوي ونبيل الحلو، لكن دون أن تكسر كليا حدود محاكاة الحياة. وفي الغرب، كانت السينما عند ظهورها وسيلة لتوثيق اللحظات التاريخية، من خلال تخزين الوقائع والأحداث في شريط قادر على مقاومة الزمن، قبل أن تتحول إلى صناعة للتواصل مع الحشود عبر الصوت والصورة،  وتفرض نفسها على فنون الفرجة، ارتكازا على سيناريو مكتوب، وعلى تقنيات في التصوير، وآليات لتحريك الكاميرا، مستفيدة في ذلك من مختلف الأطروحات الفكرية التي اختلفت في تحديد علاقة الفن بالواقع، حيث كان المجال مفتوحا لسينمائيي أوروبا وأمريكا أمام التعامل مع الواقع بما يتناسب مع مرجعياتهم الفكرية، دون أن يكونوا بالضرورة مقيدين بأي محدد أخلاقي خارج إطار الفن.

أما في المغرب، فبعدما تجاوز المخرجون الرواد مرحلة الارتباك، وتخطوا فترة البحث عن القالب الذي يمكن أن يجعل السينما وسيلة للتعبير عن نبض المجتمع، دون الدخول في صدام مع الناس، حيث لم يكونوا يسمحون لأنفسهم، في إطار الرقابة التي كانوا يفرضونها على ذواتهم، بأن يتجاوزوا الحدود التي يرفض المجتمع تخطيها، جاء فيلم "حب في الدار البيضاء" للمخرج عبد القادر القطع سنة  1991، فأحدث رجة في الإنتاج السينمائي الوطني الذي لم يكن يتجاوز ربرتواره وقتئذ بضعة أفلام، ولم يتقبل حينها حتى بعض الممثلين والفنانين بعض مشاهده التي اعتبروها تخدش الحياء، بالرغم من أنها كانت مشاهد بسيطة، وإيحائية أكثر منها مُباشرة، وتندرج ضمن ما يمكن أن يمارسه أي كائن بشري للتعبير عن مشاعره في إطار علاقاته الحميمية.

الآن، أضحى من العيب فرض وصاية على الإبداع السينمائي تحت أي ذريعة، ولم يعد مقبولا منع أي مخرج من إنجاز أعماله وفق قناعاته. لكن ما يخلق الإزعاج، هو عدم استيعاب بعض المخرجين للحدود الفاصلة بين الوثائقي المحض الذي يكشف عن حقائق الحياة الغائبة والمسكوت عنها، وبين التخييلي الصرف الذي يعكس حقائق فنية وجمالية لا تتجلى بالضرورة في الحياة، وبين ما يمكن أن يمزج بينهما معا. فالواقع له مصداقية، وهو أكثر وقعا على النفس من الخيال. ونقله كما هو في فيلم تخييلي فيه تعسف عليه. وهذا ما يجعل المخرجين السينمائيين الكبار يعيدون في أعمالهم صوغ الواقع بمقادير جديدة، وبطريقة تجعل المتلقي ينظر إلى الحياة  برؤية مغايرة. فعندما نعيد تفاصيل الحياة كما هي في الواقع، نكون مجرد ناسخين، وغير مبدعين. لأن الإبداع في كل الفنون، هو تلك الطاقة الخلاقة القادرة على إدهاش المتلقي. والواقع كما هو لا يمكن أن يُدهش المتلقي. لأن هذا الأخير مرتبط بالواقع على الدوام،  ويريد أن يراه في أوجه وتفاصيل أخرى لم يسبق له أن تعمق فيها من قبل.